اقتصاد

وسط تسلُّح الحكومة بالتفاؤل.. هل يتخلص مشروع قانون مالية 2024 من هواجس الأزمة؟

وسط تسلُّح الحكومة بالتفاؤل.. هل يتخلص مشروع قانون مالية 2024 من هواجس الأزمة؟

تتسلح حكومة أخنوش في سياق إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2024، بتفاؤل استعادة الاقتصاد الوطني لعافيته، وسط محيط دولي يطبعه توالي الأزمات وتصاعد التوترات الجيوسياسية التي ألقت بتداعياتها على النمو الاقتصادي، وعلى القدرة الشرائية في مختلف أنحاء العالم، نتيجة ارتفاع الضغوط التضخمية التي تفاقمت خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

وفيما سجل التضخم معدلات قيادسية ببلوغه ما يعادل 8.7 بالمئة على الصعيد العالمي، و8.4 بالمئة في منطقة اليورو، و8 بالمئة في الولايات المتحدة الأمريكية، تتوقع حكومة أخنوش في ضوء الفرضيات المعلن عنها ضمن منشور رئيس الحكومة إعداد قانون المالية أن يسجل نمو الاقتصاد الوطني خلال سنة 2024 انتعاشا بمعدل يناهز زائد 3,7 في المئة عوض زائد 3,4 في المئة المرتقبة سنة 2023.

وقد عرف الاقتصاد الوطني نفس الدينامية منذ بداية سنة 2023، حيث إنه وبعد أن تم تسجيل معدل نمو بـ3.5 بالمئة خلال الفصل الأول من هذه السنة، تشير التقديرات الأولية إلى تحقيق معدل نمو بـ3.2 بالمئة خلال الفصل الثاني، و3.4بالمئة خلال الفصل الثالث، مقابل 2 بالمئة و1.9 بالمئة المسجلين خلال هذين الفصلين على التوالي من سنة 2022.

بناء الثقة

نوفل الناصري، الخبير الاقتصادي والمالي، أوضح أن التفاؤل عنصر أساس في تدبير الاقتصادات العالمية وركيزة أساسية لبناء الثقة في أي اقتصاد وأن السمة التي تميز المخططات الاقتصادية أو برامج قانون المالية ينبغي أن تقوم على التفاؤل باعتباره يحدد سقف الانتظارات التي ترجوها الحكومة ويرفع طموحات البلدان.

وأضاف الناصري ضمن تصريح لـ”مدار21″، أنه من الطبيعي أن تتسلح الحكومة بالتفاؤل عند وضع أي مشروع قانون مالي، لكن من السابق لأوانه الحديث عن استعادة الاقتصاد المغربي لعافيته، لاسيما في ظل التوقعات والتحديات التي تعيش على وقعها الاقتصاديات العالمية لأن المغرب يتأثر بهذه التحديات باعتباره يقع ضمن خطط الشركات الاقتصادية والاستثمارية الكبرى العالمية  وأيضا على صعيد الهيئات والمنظمات الدولية.

ولفت إلى أن الاقتصاد المغربي بدوره يتعرض للصدمات العالمية، حسب آخر توقعات البنك الدولي بفعل التداعيات المتداخلة لجائحة كورونا وآثار الغزو الروسي لأوكرانيا والتباطؤ الحاد الذي يشهده الاقتصاد العالمي وسط الظروف المالية الصعبة، مما تسبب في انتكاسة دائمة في الدول الناشئة والنامية، مضيفا “وهو ما سيكون له استمرار على مستوى تباطؤ معدلات النمو على صعيد عديد من البلدان بما فيها العظمى”.

صدمات خارجية

وأكد الخبير الاقتصادي أن تفاؤل الحكومة بشأن استعادة الاقتصاد الوطني لعافيته يصطدم بالإ‘كراهات والتحديات التي ما تزال تطوق عنق الاقتصادات العالمية وسط ارتفاع معدلات إفلاس المقاولات وتسجيل معدلات قياسية للتضخم، مما انعكس على أسعار عدد كبير من المواد الأولية، خاصة الحبوب التي ارتفعت أثمنتها بشكل صاروخي في أعقاب قرار تعطيل اتفاق الحبوب بين روسيا وتركيا بسبب الأزمة الأوكرانية.

وأشار إلى أن هذه التحولات الاقتصادية مرتبطة بتقاطبات سياسية لاسيما بعد قرار المملكة العربية السعودية خفض إنتاج النفط، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المحروقات إلى أكثر من 83 دولارا للبرميل الخام، فضلا عن تشتت بعض سلاسل الإنتاج والإمداد وتوقفها وتعثرها بسبب الإشكالات الأمنية الواقعة في إفريقيا.

وتابع المحلل الاقتصادي قائلا: “وهو ما سيؤثرا سلبا على الشراكات الاقتصادية للمملكة إضافة إلى تحديات الجفاف والتغيرات المناخية في عصر الغليان العالمي الذي أدى إلى ضرب مجموعة المحاصيل وتشتيت الخريطة الزراعية العالمية، حيث من المتوقع أن تعرف السنوات المقبلة مفاجآت كبيرة على هذا المستوى.

وسجل الناصري أن هذه الصدمات الاقتصادية، أفضت إلى نتائج مرتبطة بالسياسة المالية لكل دولة على حدة، لاسيما بالنسبة لاقتصادات الدول النامية التي تعرف نسب نمو ضعيفة وسط استمرار ارتفاع معدلات التضخم، إلى جانب مستويات كبيرة من الديون التي تثقل كاهل هذه الاقتصادات.

رسائل الملك

ويرى الخبير المالي أن التفاؤل الحكومي أمامه تحديات كبرى وهو ما يتطلب من الحكومة أن تواصل برامج الإنعاش الاقتصادي ومشاريع التسريع الصناعي والتسريع بتعميم الدعم المباشر على الفئات الهشة لمواجهة انحدار الطبقة الوسطى نحو عتبة الفقر، مشددا على أن الحكومة مطالبة بالتقاط الرسائل الملكية الواردة في خطاب العرش الأخير للتخفيف من وطأة الصدمات العالمية على الاقتصاد الوطني.

بالمقابل، لفت الناصري إلى أن هناك عدة مؤشرات إيجابية ينبغي استثمارها منها بداية استعادة القطاع السياحي لعافيته وارتفاع تحويلات المغاربة القاطنين بالخارج، فضلا عن الإنجازات الدبلوماسية المحققة على صعيد ملف الصحراء، والذي أدى إلى استقطاب رؤوس أموال أجنبية للاستثمار في الأقاليم الجنوبية للمملكة، إضافة إلى الدينامية التي تشهدها صناعات السيارات والطائرات والمواد الغذائية المصنعة.

وشدد الخبير الاقتصادي على أن المؤشرات الاقتصادية المحققة خلال المرحلة الأخيرة، تتطلب سياسة مالية حذرة تقوم على تعزيز الاستثمارات التي توفر القيمة المضافة بشكل أكثر وتشجع المقاولات المغربية على المحافظة على مستويات معقولة للبطالة والرفع من وتيرة الاستثمارات المباشرة لخلق موجة من الاستهلاك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News