فن

“الاحتكار” و”التلاعب” بأموال الشعب من طرف “سماسرة” الإنتاج “يُكبّلان” الإبداع بالقنوات العمومية المغربية

“الاحتكار” و”التلاعب” بأموال الشعب من طرف “سماسرة” الإنتاج “يُكبّلان” الإبداع بالقنوات العمومية المغربية

مع بداية قبول طلبات العروض في التلفزيون بالقناتين الثانية والأولى، يظهر أن ثلاث شركات للإنتاج “تحتكر” الأعمال الدرامية والكوميدية في الشاشة الصغيرة، سواء تلك المخصصة للبث في الموسم الرمضاني أو خارجه.

هذ الاحتكار واللهث وراء “كعكة” الدعم، حسب نقاد ومتتبعين، يؤثر في العملية الإبداعية ويحرم المشاهد المغربي، الذي يدفع الضرائب، من الاستمتاع بإنتاجات ترقى لمستوى تطلعاته في قنواته العمومية.

مشكل مزمن “يقتل” الإبداع

في هذا الإطار، يقول الناقد الفني، مصطفى العلواني، إن احتكار شركات بعينها للإنتاج التلفزيوني “مشكل محزن ومزمن مع الأسف، وعامل يساهم بشكل مجحف عن سبق إصرار وترصد في قتل الإبداع”.

ويرى العلواني، في حديث إلى “مدار21″، أنه على عكس ما كان مرجوا ومتوقعا من دفاتر التحملات، أي دمقرطة الولوج إلى الإنتاج من طرف المبدعين مسنودين بشركات الإنتاج، فإن “العكس هو الذي حصل”، مبرزا أنه في دباجة النص النهائي لدفاتر التحملات “تم تمرير جملة سحرية تنص على أن شركات الإنتاج، كما هو منصوص عليه في مدونة التجارة، تعد “شخصا معنويا” في حين عدّت المهنيين والمبدعين مجرد “شخص طبيعي” رغم توفره على ضريبة “باطانطا”، وهو ما لم تنتبه إليه، وفقه، الهيأة العليا للسمعي البصري عندما صادقت على النص الرسمي لدفاتر التحملات.

وبذلك، يضيف الناقد ذاته، “بسطت شركات الإنتاج المتنفدة هيمنتها بقوة “القانون”، كما تم تأويله لصالحها، وأغلقت الباب أمام المبدعين الذين لم يعد لهم الحق في الإبداع المباشر للمشاريع التلفزيونية”، مشدّدا على أن تأويل النص الرسمي لدفاتر التحملات “قطع الطريق على الإبداع المباشر، وقيّد المبدع بفرض اللجوء إلى شركات الإنتاج”.

واستطرد قائلا: “حتى الضمانات التي تطلبها الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة عقبة إقصائية بينة لا يقدر عليها أي مبدع مستقل، ومن ثم فُسح المجال لـ”مول الشكارة”، حسب تعبيره.

وخلص العلواني، في حديثه إلى الجريدة، إلى التنبيه بأن الأمر يتعلق بـ”مأزق حقيقي” لا يمكن تجاوزه إلا بتوفر “إرادة سياسية” وطنية تروم مراجعة دفاتر التحملات في صيغتها الحالية بما يعيد الاعتبار للمبدع الحقيقي، ويحد من “سطوة” شركات الإنتاج، أو بالأحرى تنفيذ الإنتاج، التي استفادت وتضخمت ثروتها بدعم من “دفاتر معيبة” جعلت المبدع يعمل في إطار نظام عمل هو أقرب إلى “نظام السخرة” منه إلى عمل في ظروف تصون كرامته”، على حد قوله.

“سماسرة” يتلاعبون بأموال الشعب

من جانبه، يؤكد الناقد الفني فؤاد زويرق، أن أغلب الأعمال الدرامية المغربية “تُموّل من طرف القناتين الأولى والثانية المغربيتين بوصفهما مؤسستين عموميتين رئيستين”، لافتا إلى أن إنتاجها يوكل لشركات “يطلقون عليها تجاوزا شركات الإنتاج، وهي في الحقيقة، برأيه، مجرد “شركات تنفيذية”، تبعا لتعبيره.

ويرى زويريق، في حديث إلى “مدار21″، أن هذه الشركات “تشرف على إنتاج الأعمال بأموال تحصل عليها من هاتين القناتين المنتميتين لأجهزة الدولة”، وعدّ هذه العملية “العائق الأول” أمام الإبداع الذي يصطدم في أولى خطواته برقابة الدولة، مردفا: “فما دامت الدولة هي الممول الرئيس للأعمال الدرامية، فحتما ستقيّد حرية التنوع والخوض في مواضيع درامية معينة قد تقلقها، بل أكثر من هذا ستجعل كل جزئية متعلقة بالكتابة تحت المجهر الرقابي، راسمة بذلك خطوطا حمراء لا ينبغي تجاوزها، وإلا فلن يحظى العمل بأي تمويل، لهذا يجد المُشاهد نفسه في أغلب الأحيان أمام مواضيع اجتماعية سطحية مستهلكة ومبتذلة”.

شركات تنفيذ الإنتاج هاته أو “الوسطاء” أو “السماسرة”، كما وصفها الناقد عينه، رغم أنها في الدول المحترمة “جزء رئيس من العملية الفنية، والمنتج المنفذ تكون له مهارات ومواهب خاصة، إضافة إلى التكوين وشواهد عليا في هذا المجال”، إلا أنه بالمغرب “يكفي أن يكون للمنتج المنفذ علاقات تؤهله للتلاعب بأموال الشعب”.

ويوضح زويريق، في حديثه إلى الجريدة، أن هذه الشركات “شركات سمسرة أكثر منها شركات فنية”، لذلك فهي تبحث أكثر عن هامش ربح أعلى باختيارها لسيناريوهات معينة تحققه لها، وبها تشارك في طلبات العروض، مضيفا في هذا الصدد: “حتى لو كانت سيناريوهات ضعيفة لا إبداع فيها، وبالتالي نجد أغلب الأعمال الدرامية تصور داخل فضاءات مغلقة أكثرها منازل، مما يوفر لها ربحا أكثر، بل في الكثير من الأحيان قد يحصلون على هذه الفضاءات مجانا من تحت الطاولة، ناهيك عن استخدام أقل عدد ممكن من التقنيين والممثلين وآلات التصوير والملابس، وكل هذا “التقشّف” من أجل توسيع هامش الربح، مما يؤثر في العمل ويجعله أكثر سوءا وتهلهلا”، طبقا لتعبيره.

“غياب الرقابة”

معطى آخر يضيفه الناقد نفسه، والمتمثل في “ضعف” المراقبة والمتابعة من طرف المؤسسات المانحة، أي القنوات التلفزية، إذ يشدّد على أن هذا “يجعل التلاعب بالسيناريو الموافق عليه من طرف لجنة القراءة أو الانتقاء تحصيل حاصل”، منبها إلى أن الخطير في الأمر يكمن في “غياب التنافسية والشفافية، مما يعطي الحق لشركات بعينها دون غيرها باقتسام “الكعكة”، التي تكلف ميزانية الدولة الملايير”.

واسترسل في السياق ذاته: “وهكذا نجد أن خمس أو ست شركات تنفيذ الإنتاج هي المسيطرة على السوق، وهي التي تحظى بكل الأعمال المنتَجة، فيما العشرات تُرفض طلباتها، والكثير منها أفلست واندثرت من المشهد نهائيا”، مشيرا إلى أن من هذه الشركات المحظوظة من “استفادت من ثلاث أو أربع أعمال درامية في وقت واحد رغم أن إمكانياتها لا تؤهلها لذلك، وكذلك الوقت لا يسعفها، فيحدث بالتالي كل هذا “الخلل والارتجال” التي تعرفه صناعة الدراما ببلادنا، وفق قوله.

واختتم بالقول: “ولأن هذه الشركات تتمتع بهذه الحظوة، وكذا عدم المراقبة الجادة، فإنها تتدخل في العملية الإبداعية، من اختيار السيناريو الذي يلائم طموحاتها الربحية، كما قلنا سابقا، إلى اختيار مخرجين معينين قريبين من توجهاتها، مرورا باختيار الأطقم الفنية والتقنية، فيصبح المخرج لديهم مجرد موظف تقني لا سلطة محددة له تؤهله للتحكم في العملية الإبداعية، ومن ثم يبقى الإبداع تحت سيطرة السماسرة “ضحية مشوهة” كما نرى كل سنة”، حسب زويريق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News