صحة

تفتحص المستشفيات.. مهمة برلمانية تستهدف تعرية “اختلالات” أنشطة الطب الشرعي بالمغرب

تفتحص المستشفيات.. مهمة برلمانية تستهدف تعرية “اختلالات” أنشطة الطب الشرعي بالمغرب

بُغية إماطة اللثام عن جملة من الاختلالات التي يعرفها ميدان أنشطة الطب الشرعي، تقدم فريق التجمع الوطني للأحرار بطلب القيام بمهمة استطلاعية مؤقتة حول “وضعية الطب الشرعي بالمغرب” وذلك انسجاما مع مقتضيات المادة 107 من النظام الداخلي لمجلس النواب، والتي تتيح للفرق النيابية في إطار ممارسة مهامها الرقابية القيام بمهام استطلاعية مؤقتة.

وتهدف المهمة البرلمانية، وفق طلب الفريق التجمعي المرفوع إلى رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي، إلى الوقوف على واقع منظومة الطب الشرعي سواء ما يرتبط بالجانب التدبيري أو فيما يخص مسألة التكوين والبنيات التحتية والمعدات المتاحة لممارسة هذا النشاط، بالإضافة إلى البحث في مختلف الخطوات والجهود للارتقاء بواقع هذه المنظومة وتجاوز مختلف الإكراهات والتحديات التي تعترضها.

وأكد محمد غيات، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار، أن طلب تشكيل مهمة استطلاعية للوقوف على وضعية الطب الشرعي بالمغرب يأتي بالنظر إلى أن هذا المجال الطبي الحساس يمس غالبية المغاربة في كل المدن والقرى، مضيفا أن “هناك بعض الملاحظات التي نسجلها من خلال الاحتكاك اليومي مع المواطن ومع مدبري الشأن العام المحلي”.

ونبه غيات ضمن تصريح أدلى به لـ”مدار21″، إلى التحولات العميقة التي تشهدها المنظومة الطبية مع الإصلاحات الهيكلية التي جاءت بها الحكومة، مردفا “كل هذا شكل لنا قناعة جماعية بأهمية تناول هذا الموضوع بشكل عميق ومؤسساتي”.

وسجل رئيس الفريق التجمعي أن المهم في هذه المهمة الاستطلاعية هو الانتقال الميداني والتواصل المباشر مع الفاعلين للوقوف على الواقع كما هو، مشيرا إلى أن التقرير الذي سيصدر عن المهمة والتوصيات التي ستنجز ستكون أداة لبلورة مبادرات تشريعية تكون رافعة لهذا القطاع الحساس.

وتستهدف المهمة الاستطلاعية إثارة عدد من الإشكالات حول واقع الطب الشرعي بالمغرب ومدى وجود التقائية في السياسات والبرامج بين مختلف المتدخلين المعنيين بمجال الطب الشرعي، وعما إذا كان الجانب التشريعي والتنظيمي المؤطر لأنشطة الطب الشرعي قد تمكن من الارتقاء بوضعيته وتوفير الشروط الكفيلة بممارسته، إضافة إلى فحص وتقييم نجاعة الجهود المبذولة من أجل توفير الظروف والإمكانات الضرورية للنهوض بواقع الطلب الشرعي.

وصدر قانون جديد للطب الشرعي في المغرب يهدف إلى تطوير آليات العدالة الجنائية، بعد مشاورات بين وزارتي العدل والصحة وإدارة الدفاع الوطني ورئاسة النيابة العامة وممثلي الأطباء، ويأتي هذا القانون لسد الفراغ القانوني، ولتنظيم مهام واختصاصات الطبيب الشرعي وحقوقه وواجباته، وتفعيلا لتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي سبق أن نبه في دراسة له حول الموضوع إلى ضرورة الإصلاح الشامل لهذا القطاع المحورية دوره في المحاكمة العادلة.

ويرمي إلى توحيد ممارسة مهام الطب الشرعي، والرفع من مستوى العاملين فيه بهدف تشجيع الإقبال على هذا التخصص في كليات الطب المغربية. ونص هذا القانون على أن الطبيب الممارس للطب الشرعي يعدّ مساعداً للقضاء، ويقوم بمهام، منها الفحص السريري للأشخاص المصابين جسمانياً وعقلياً بغرض وصف الإصابات، وتحديد طبيعتها وأسبابها، مع تحديد تاريخ حدوثها والوسيلة المستعملة، وتحرير تقارير أو شهادات طبية.

ويعرف المغرب نقصاً كبيراً في الأطباء المختصين في الطب الشرعي، حيث لا يتعدى عددهم 13 طبيباً، حسب أرقام رسمية لوزارة العدل، ومعظم هؤلاء يشتغلون في مستشفيات بالمدن الكبرى. ولتغطية هذا النقص، يجري تكليف أطباء ليس لهم اختصاص في الطب الشرعي القيام بعمليات التشريح، مع ما يطرحه ذلك من إِشكاليات قانونية وطبية.

وحسب البطاقة التقنية للمهمة البرلمانية التي يقترح الفريق النيابي للأحرار تشكيلها، فسيتم الاطلاع على وضعية الطب الشرعي بمدن الرباط والدار البيضاء وفاس وطنجة والعيون ووجدة، على أن يتم لقاءات متفرقة مع كل من وزير الصحة ووزير العدل ووزير الداخلية ورئاسة النيابة العام.

وقال الفريق التجمعي بالغرفة الأولى للبرلمان، إن المهمة البرلمانية ستزور بعد موافقة مكتب مجلس النواب على تشكيلها المستشفيات والمراكز الاستشفائية الجامعية والمستشفيات الجهوية والاقليمية ومكاتب حفظ الصحة، ويمكن عند الاقتضاء الاستعانة بكل من ترى المهمة فائدة في استدعاءه للاستفادة من خبرته في هذا المجال، مشيرا إلى أن المهمة الاستطلاعية ستعد فور الانتهاء من إجراءات تشكيلها تقريرا مفصلا يتضمن مراحل واجراءات المهمة البرلمانية و اقتراح الخلاصات و التوصيات التي تتمخض عنها.

ولاحقا صادقت الحكومة المغربية على مشروع مرسوم يهدف إلى تدارك النقص المسجل في المغرب على مستوى عدد الأطباء الشرعيين الحاصلين على شهادات التخصص بالمغرب، ويحمل المرسوم يفي جوهره أحكاماً تنظيمية وتطبيقية، تحدد تألیف وكيفيات سير اللجنة الخاصة المكلفة التصديق على التكوينات، التي يتوفر عليها الأطباء العاملون بالمكاتب الجماعية لحفظ الصحة (مراكز صحية في المدن)، وفي المرافق الصحية التابعة لقطاع الصحة، والتصديق على التكوين الذي استفادوا منه.

وكان المجلس الوطني لحقوق الإنسان أعد دراسة حول الطب الشرعي كشفت عن وجود جملة من الاختلالات التي يعرفها ميدان أنشطة الطب الشرعي تهم على الخصوص ضعف التكوين، تقادم البنيات التحتية ومعدات العمل بالإضافة إلى اختلالات مرتبطة بحكامة القطاع (المشاكل التنظيمية والمسطرية).

وقد همت هذه الدراسة الحقول الثلاثة لأنشطة الطب الشرعي: الأنشطة المتعلقة بالوفيات بما في ذلك التشريح والفحص الخارجي للجثث، مجال شواهد الطب الشرعي من كل الأنواع بما في ذلك تلك المسلمة للنساء والأطفال ضحايا مختلف أشكال العنف؛ وكذا الخبرة الطبية.

ومن بين التوصيات التي قدمتها دراسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان من أجل النهوض بأوضاع الطب الشرعي ضرورة إحداث إطار مؤسساتي وطني لنشاط الطبي الشرعي من خلال إحداث بنية مركزية لإعداد وأجرأة مخطط توجيهي لنشاط الطبي الشرعي ووضع إطار تشريعي وتنظيمي متكامل للأنشطة الطبية الشرعية من خلال تحديد المؤهلات المطلوب توفرها في الأطباء لممارسة أنشطة الطب الشرعي ومجال تدخل الطبيب الشرعي والمؤسسات المخول لها.

وأوصت الدراسة كذلك بوضع المرفق العمومي الاستشفائي في قلب منظومة الطب الشرعي، ومراجعة النصوص التنظيمية المحددة للمعايير المطلوبة من أجل التسجيل في جداول الخبراء من خلال إعطاء الأولوية لمعيار الكفاءة.

ومن بين ما أكدت عليه الدراسة كذلك ضرورة تقوية التكوين بالنسبة لمختلف المتدخلين من خلال توظيف أساتذة في الطب الشرعي وإحداث أقسام الطب الشرعي في المراكز الاستشفائية الجامعية كمرحلة أولى، وتدعيم التكوينات التكميلية في بعض مجالات الطب الشرعي وتثمينها، كما أكدت على ضرورة ضمان تمويل منصف ومستديم لهذا القطاع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News