فن

الروم يُحقق حلمه وينقل رواية “سنة عند الفرنسيين” إلى القاعات السينمائية المغربية

الروم يُحقق حلمه وينقل رواية “سنة عند الفرنسيين” إلى القاعات السينمائية المغربية

انطلق، اليوم الأربعاء، العرض الخاص بالجمهور للفيلم السينمائي “سنة عند الفرنسيين”، بمختلف القاعات السينمائية المغربية، حيث يقحم المشاهد في حوار سينمائي بين عالمين متناقضين وثقافتين مختلفتين.

وفي هذا السياق، صرح مخرج الفيلم ومنتجه عبد الفتاح الروم لـ”مدار21″، بأن إعجابه برواية الكاتب فؤاد العروي، التي تحمل العنوان نفسه، دفعه لمطالبة صاحبها بالإشراف على تحويلها إلى عمل سينمائي، مبرزا أن هذا الأخير تطلب منه “تخصيص وقت كاف وصل إلى سنتين ونصف حتى يعكس تفاصيلها في قالب فني، لاسيما وأنها كتبت باحترافية كبيرة”، وفق تعبيره.

وقال الروم إن تصوير مشاهد الفيلم خلال فصل الصيف في شهر غشت من بين الصعوبات التي واجهته خلال تنفيذ هذا المشروع، والخروج به إلى الوجود، لكن الأطفال المشاركين صمدوا في سبيل تحقيق نتيجة مرضية.

وأوضح المخرج ذاته أن الهدف من هذا الفيلم رصد الاختلاف بين الثقافتين الفرنسية والمغربية، في إشارة إلى العقبات التي يصطدم بها الشباب المغربي الذي يهاجر إلى الدول الأجنبية لمواصلة دراسته.

ويرى المتحدث نفسه، في تصريحه للجريدة، أن فرنسا والمغرب سيظلان مترابطين، نظرا للعلاقات الإنسانية التي تجمع بينهما والروابط الثقافية والاقتصادية التي تأسست على مدار التاريخ.

بدوره، قال بطل الفيلم رشيد الوالي، في تصريح لجريدة “مدار21″، إنه سعيد بالعرض الأول للفيلم بالمغرب، لافتا إلى أنه يشكل ثمرة عمل جاد قاده المخرج عبد الفتاح الروم، الذي سخر كل الإمكانيات لتحقيق حلمه في تصوير فيلم مغربي.

ويتقمص الوالي في فيلم “سنة عند الفرنسيين” دور والد الطفل “العروي”، الذي سيتابع دراسته في مؤسسة فرنسية، حيث سيعيشان سلسلة من الأحداث المرتبطة بهذا الحدث الرئيس، وفق تصريحه للجريدة.

واختار المخرج عبد الفتاح الروم رواية الكاتب فؤاد العروي “سنة عند الفرنسيين” التي رشحت سنة 2010 لنيل جائزة غونكور، لتحويلها إلى فيلم سينمائي يحمل العنوان نفسه.

وينقل الفيلم أحداث هجرة بعض مغاربة الداخل للدراسة بالبعثات الفرنسية بالمغرب، وهي هجرة حقيقية نقل الفيلم وقائعها بمشاركة ممثلين مغاربة وأجانب من بينهم نجل المخرج الطفل سيف الروم، ووالدته رشيدة الروم، وصونيا عكاشة، ورشيد الوالي، وعز العرب الكغاط، إلى جانب أجانب من بينهم مارك صامويل، أنطوان شينيارد، جيريمي بانستر، سيباستيان لالان، ماري غايل.

ويرصد عبد الفتاح الروم في الفيلم على مدى (98 دقيقة)، عالمين متباعدين (بعد القمر عن الأرض)، مبرزا التناقض والاختلاف بينهما دون إصدار أحكام مسبقة أو تفضيل لأي منهما.

ويطرح الفيلم أيضا في قالب كوميدي قضايا معقدة وخلافية مثل تأثير الاستعمار والازدواج الثقافي وأحكام القيمة العنصرية باعتبارها قضايا عالقة بين الثقافتين المغربية والفرنسية.

وتدور أحداث فيلم “سنة عند الفرنسيين” في عالمين متناقضين وثقافتين مختلفتين، إذ يستلهم تاريخا يعود إلى نهاية الستينيات من القرن الماضي (1969 عام وصول الأمريكيين إلى القمر)، ويحكي عن الطفل المغربي “مهدي كتيم” المتحدر من وسط متواضع ببني ملال، يلتحق وهو في العاشرة من العمر، بفضل منحة حصل عليها، بالبعثة الفرنسية بالدار البيضاء (ليسي ليوطي)، حيث سيعيش بعيدا عن قريته لمدة سنة غاص خلالها في أجواء فرنسا وخصوصياتها.

وسيعيش “مهدي” خلال هذا الموسم الدراسي داخل وسط فرنسي بالدار البيضاء بمدرسيه وحراسه، ونمط عيشه داخل الأقسام الداخلية ونظام التغذية وكل ما يحيط به من جزئيات وكذلك نوعية العائلات الفرنسية المستقرة بالمغرب.

ويكتشف “مهدي” نمط عيش الفرنسيين، المغاير تماما لما كان يعيشه من قبل مع عائلته، ليجد نفسه غريبا في هذا العالم الفرنسي يخوض تجربة صدام ثقافي، إلا أنه خلال “سنة في ضيافة الفرنسيين” سيتمكن من التعايش مع هذا العالم والتميز في دراسته.

ومؤسسة البعثة الفرنسية، حسب الفيلم، هي جزء مصغر لفرنسا من خلال النظام الداخلي الذي يسيرها ونظامها الإداري، وكذلك طبيعة الحياة داخلها. وهو ما شكل صدمة ثقافية للمهدي منذ البداية.

وتسلط كاميرا المخرج عبد الفتاح الروم الضوء على المهدي منذ وصوله إلى مدرسة البعثة الفرنسية بالدارالبيضاء رفقة أحد أقاربه “المختار”، ليجد نفسه أمام عالم غريب يبدو منذ الوهلة الأولى بعيدا عنه.

وترصد الكاميرا طريقة استقباله من طرف حراس المؤسسة والحارس العام، وحضوره من دون أحد أعضاء أسرته بالإضافة إلى حقيبته المتلاشية، و”الديكين” وهي عادة كانت عند الأسر المغربية القروية، حيث كان الديك الرومي بمثابة هدية ثمينة وعربونا للكرم، إلا أن هذه الهدية لا تعني شيئا عند الفرنسيين.

ويحكي الفيلم عن نظام المؤسسة ومرافقها، وكيف وضع الطاقم المسؤول عن القسم الداخلي “المهدي” في وضعية حرجة لعدم توفره على الحاجيات اللازمة من ملابس وغيرها بالأعداد المطلوبة في النظام الداخلي. وهذا اللقاء لتلميذ قادم من أحد المناطق المغربية النائية إلى أحد أكبر المؤسسات التعليمية الفرنسية بالدار البيضاء، هو في الحقيقة لقاء بين عالمين، بين ثقافتين مختلفتين تماما.

وينقلنا الفيلم منذ البداية إلى التناقضات والاختلافات التي يحملها “المهدي” من المجتمع المغربي مع مؤسسة تمثل فرنسا بثقافتها ونمط عيشها وتعتبر وسيلة أساسية من وسائل استمرار وبناء المجتمع الفرنسي، كما ذكر ذلك مدير المدرسة على لسان “لوي ألتوسير” حول دور المدرسة في المجتمع.

وتحمل شخصيات الفيلم جزءا من تاريخ فرنسا سواء الاستعماري آو غيره. “ميلود” الحارس وهو في الوقت نفسه أحد قدماء حرب “الهند الصينية” التي أقحمت بها فرنسا العديد من الجنود المغاربة، وشخصية “موريل” بكل تناقضاتها وهو أحد “الأقدام السود” أي الفرنسيين المزدادين في المستعمرات (الجزائر) وما لهم من خصائص بفعل هذا الانتماء الجغرافي، وتتوزع انتماءات كل أستاذ من الأساتذة الذين سيدرسون “المهدي في سنته” الأولى في مختلف التخصصات بين الشيوعي والليبرالي.

وسوف يتمكن “المهدي” الذي كان يجد نفسه غريبا في هذا العالم الفرنسي، من الاندماج في هذا العالم، بل الانغماس به وهو ما عكسته علاقته بعائلة “دوني لوبيرجي” زميله في القسم، حيث عاش المهدي خلال العطل الدراسية مع هذه الأسرة الفرنسية ووصوله لها في البداية يبرز، أيضا، اللقاء بين عالمين وثقافتين، بين نمطين للعيش واختلاف في العلاقة التي تربط الأسرة بالأطفال. وكذلك العلاقة المعقدة بين هؤلاء الفرنسيين والمغاربة المحيطين بهم، وتأثير هذه العلاقة على علاقة “المهدي” زميل طفلهم دوني.

وهنا سيكتشف “المهدي” العالم الآخر للثقافة الفرنسية ونمط عيشها، وسيتمكن من أن يصبح جزءا من هذا العالم لحد التماهي. لكن بعد ذلك، كان على المهدي إيجاد المسافة في علاقته بهذه الثقافة وهذا العالم. وهنا انتقل إلى قضاء العطلة من عند عائلة زميله الفرنسي دوني إلى عائلة أحد أقربائه “الطيب”، وهي فرصة للطفل ليكتشف عالم المغاربة بالمدينة، وكيف تم استقباله داخل أسرة الأقارب بكل الحفاوة والتلقائية المغربية.

وما عاشه المهدي مع عائلة “الطيب” جعله يدرك الفرق الشاسع بين عالمين..عالم عائلة “الطيب” بحي شعبي بالمدينة القديمة بالدار البيضاء وعائلة “دوني” في مرتفعات أنفا بالدار البيضاء.

ويختتم الفيلم بحضور أم المهدي حفل التكريم الذي يتم في أخر السنة، وهي لحظة نضج في علاقة المهدي بهذا العالم وقدرته على إيجاد مسافة بل علاقة ناضجة مع ثقافته الفرنسية التي يتكلم بها ويحلم بها، رغم الإحباطات الكثيرة التي اعترضته طيلة السنة وبين ثقافته وانتمائه المغربي.

وهذا التكريم الذي سوف يستفيد منه “المهدي” بفضل عمله المتميز واللقاء بين عالمين لا يفهمان بعضهما البعض، ونصائح أستاذ الرياضيات الذي يقول لأم المهدي “أمام ابنك مستقبل يأخذه في طريق ملكي نحو كبريات المدارس الفرنسية”، لكن أم المهدي لا تدرك مفاتيح هذا العالم وهذه المدارس التي تتقاتل من أجلها نخبة الأسر الفرنسية لوضع أبنائهم بها وضمان مستقبلهم المهني، هذه النصائح والمعلومات لا تعني شيئا بالنسبة لأم المهدي، ما يهم هو أن ابنها يدرس بجدية ويحصل على الدرجة الأولى.

ومن أبرز مشاهد الفيلم هو لقاء أم “المهدي” بأم زميله “دوني” وهو لقاء بين عالمين يجهلان بعضهما البعض، رغم أن “المهدي” يعيش بينهما.

وحسب المخرج فإنه “يوجد في المغرب العديد من الأطفال مثل مهدي الذين ينجحون في أماكن أخرى من العالم”، موضحا أن هذا الفيلم يسلط الضوء على “جرأة وإرادة وعبقرية وشجاعة المغاربة، الذين يتغلبون على الصعوبات والعقبات في بلاد المهجر”.

يذكر أن الفيلم عرض في عشرات المهرجان المغربية والدولية، حيث نال الكثير من الإشادة والجوائز أيضا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News