رأي

في شأن الإجهاز على مشروع الكلية الشرعية بمدينة تارودانت

في شأن الإجهاز على مشروع الكلية الشرعية بمدينة تارودانت

منذ أكثر من عقد من الزمن ومشروع إحداث الكلية الشرعية بمدينة تارودانت يراوح مكانه ما بين مد وجزر، إلى أن وصلتنا الأخبار عن قرب الإجهاز عليه وإقباره إلى الأبد، وهنا لا بد من توضيح بعض الحقائق غابت عن أصحاب هذا القرار:

1- إن إحداث كلية شرعية بمدينة تارودانت رغبة طالما راودت جمعية علماء سوس استمرارا لمشروعها العلمي الكبير الذي افتتحته بتأسيس معهد محمد الخامس للتعليم الأصيل وفروعه الكثيرة بسوس وغيرها، رغبة منها في فتح الآفاق العلمية أمام طلبة سوس والمغرب وإفريقيا، وكذا فتح المدرسة الجشتيمية لإدماج طلبة التعليم العتيق في التعليم الأصيل، ثم انتقلت إلى مرحلة أخرى قررت فيها تأسيس كلية الشريعة بتارودانت وحصلت على الإذن، وكان مقررا أن تنطلق الدروس والمحاضرات بمبنى المدرسة الجشتيمية إلى أن تبنى الكلية في مكان آخر أكثر اتساعا بمدينة تارودانت، لكن السيد يحيي المزاري رحمه الله اتصل بهم ووهب مسكنه لإقامة هذا المشروع، ولم يروا بأس من تأسيس الكلية بالمزار بآيت ملول دون أن يتخلوا عن خلق كليات أخرى وبخاصة في تارودانت عاصمة سوس وقاعدته التاريخية والعلمية.

2- لقد تلاقت في مشروع إحداث الكلية الشرعية بمدينة تارودانت الإرادة السياسية ممثلة في عامل إقليم تارودانت آنذاك الأستاذ فؤاد المحمدي، والإرادة العلمية ممثلة في مؤسسة سوس للمدارس العتيقة برئاسة الدكتور اليزيد الراضي، وجامعة القرويين ممثلة في رئيسها الدكتور محمد الروكي، وقدموا طلبا في هذا الشأن لوزارة التعليم العالي ممثلة في الوزير لحسن الداودي الذي وافق على الطلب وساهم المجلس الإقليمي لتارودانت بمبلغ كبير من أجل إنجاز الدراسات، وساهم المجلس البلدي لتارودانت ببقعة أرضية لبناء دار الطالبة، وأطلقت الوزارة بناء الشطر الأول من مقر الكلية بمبلغ كبير يناهز المليار سنتيم، في الوقت الذي وافقت فيه جمعية علماء سوس برئاسة الدكتور الحسين وجاج على وضع مقرها بسيدي احساين بتارودانت لاستغلال قاعاته للتدريس ومكاتبه للإدارة ريثما ينتهي تشييد الشطر الأول من بناء الكلية.

إلى هنا الأمور جيدة وتسير سيرا طبيعيا، لكن المتربصين والكائدين للمشروع كانت لهم وجهة نظر أخرى:

أول ضربة تلقتها الكلية: أنها اعتُبرت فرعا لكلية الشريعة بآيت ملول، ولم تعتبر كلية قائمة بذاتها مثل كل الكليات الناشئة التي يُعين لها عميدها وأساتذتها وإداريوها قبل الانطلاقة.

الضربة الثانية: أنه لم يسمح للطلبة أن يسجل منهم أكثر من مائة الى مائة وعشرين طالبا وطالبة كل سنة، فكان التسجيل يُفتح ويُغلق مباشرة بعد وقت وجيز، ويُحكم على بقية الطلبة بالذهاب إلى آيت ملول قسرا.

الضربة الثالثة: هو أن الوضع المؤقت في كونها فرعا لكلية الشريعة بآيت ملول، أصبح هو الوضع الدائم للكلية، وهذه الوضعية غريبة جدا ليس لها مثيل في تأسيس الكليات في تاريخ الجامعة المغربية الحديثة.

الضربة الرابعة: هي العزم على طي ملف الكلية الشرعية بتارودانت بعد الخطوات السابقة، وإرغام طلبة تارودانت على التسجيل في آيت ملول، والتخطيط هو أن يُستغني كل سنة عن فصلين إلى أن تندثر الكلية نهائيا بعد ثلاث سنوات.

لكن الطلبة الذين كانوا يُرغمون على التسجيل بآيت ملول في بداية كل سنة، كانوا بالمرصاد لهذه المحاولات، إذ كانوا يقومون بوقفات احتجاجية أمام مقر عمالة الإقليم، وبعد تدخل كثير الجهات العلمية والإدارية يسمح لطائفة معينة منهم بالتسجيل تحت التهديد والوعيد الشديد، مما يستشف منه عن رغبة واضحة من المسؤولين بأن أجل الكلية قريب لا ريب فيه، وأنها مسألة وقت ليس إلا.

ويمكن اختصار وجهة نظر الراغبين في طي صفحة الكلية الشرعية بتارودانت بالادعاءات التالية:

ــ هناك كلية الشريعة بآيت ملول، وهي تفي بالحاجة وأكثر من الحاجة.

ــ وضعية هذا الفرع غير قانونية في الأصل وآن الأوان لوقفها.

ــ الكلية الشرعية بتارودانت ذات استقطاب مفتوح، ونحن في حاجة إلى كليات عصرية ومدارس تساهم في خلق فرص الشغل، وليس إلى مؤسسات تفرخ العاطلين.

وللرد على هذه الادعاءات نقول:

1 ــ إن كلية الشريعة بآيت ملول تأسست سنة 1978م أي منذ قرابة 45 سنة، وقامت بدورها أحسن قيام، والسير التاريخي والطبيعي للأمور يقتضي أن تتطور هذه المؤسسة العلمية الرائدة وتكون لها نظائر في هذه الجهة الثقافية والعلمية،  مع الأخذ بعين الاعتبار بالتطور الحاصل في بنية التعليم العتيق وبخاصة في مدينة  وإقليم تارودانت، ومن يذكر هذه المدينة لاشك يذكر ارتباطها بالعلم، وكونها مقرا للتعليم العالي الشرعي بسوس وإحدى الحواضر العلمية المشهورة في المغرب بعد فاس ومراكش، وكل من يقف في وجه الكلية الشرعية بتارودانت علم أو لم يعلم فهو يضرب في عمق تاريخ هذه المدينة المجيدة، ويضع حدا لإحدى واجهات إشعاعها التاريخي والحضاري.

ثم إن هذه القولة لا تسري على غير كلية الشريعة، فكليات أكادير كلها استُحدثت لها كليات أخرى بنفس مسمياتها على بعد كيلومترات قليلة في أزرو وأغلب من يدرس فيها هم من أبناء وبنات تارودانت، حلال على كليات الآداب وكليات العلوم وكليات الحقوق حرام على كليات الشريعة.

2 ــ الادعاء الثاني: وضعية الكلية مهتزة ولا يوجد في الوثائق ولا في الواقع ما يسمى بالكلية الشرعية بتارودانت؟ سبحان الله كل هذه الهيئات التي أسهمت في التأسيس كانت تعمل في شيء غير موجود قانونا، الوزارة التي خصصت أكثر من مليار سنتيم للشطر الأول وأرست الصفقة على الشركة التي كلفت بالبناء كانت خارج القانون؟ اللوحة التي لا زالت في مكانها والتي كتب عليها الكلية الشرعية بمدينة تارودانت غير قانونية؟ البناء الشامخ للشطر الأول بمنطقة لاسطاح: كيف بني ولأي غاية؟ المجس الإقليمي ومائتي مليون التي خصصت للدراسات كيف صرفت ولأي غاية منحت؟ المجلس البلدي الذي منح الأرض لبناء مقر إقامة الطالبات؟  ومؤسسة سوس للمدارس العتيقة التي شرعت في بناء المقر؟ كل هذا كان خارج القانون، زيارة كاتبة الدولة في التعليم العالي: ذة جميلة مصلي لتدشين بداية بناء الشطر الأول كان خارج القانون، تعيينات الأساتذة التي كتب عليها الكلية الشرعية بتارودانت كانت خارج القانون؟  زيارة السيد سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية والتعليم العالي لبناية الشطر الأول بعد انتهاء الأشغال كانت غير قانونية؟ وقرار مجلس جامعة ابن زهر قبل سنتين بتأسيس الكلية الشرعية والقانونية والاجتماعية بتارودانت كانت خارج القانون؟ كل هذا كان خارج القانون؟

3 ــ الادعاء الثالث: الحاجة إلى كليات ومدارس عصرية تسهم في خلق فرص للشغل عوض كليات الشريعة التي تسهم في البطالة؟

هذه أقوال يلوكها من يريدون دغدغة العواطف ولا يعرفون حقيقة الأمور، وقد قيل مثل هذا عند تأسيس معهد محمد الخامس بتارودانت عندما قام أحدهم واعترض وقال نحن في حاجة إلى ثانوية عصرية متقدمة وأنشأ معهدا عصريا بأكادير، فأين هو أثر هذا المعهد أمام الأثر الكبير والتاريخي لمعهد محمد الخامس في كل المجالات.

وعند تأسيس الكلية المتعددة الاختصاصات بتارودانت، قيل لنا بأنها خاصة بالإجازات المطبقة أو المهنية رغبة في إدماج الطلبة في سوق الشغل، فلم يتحقق أي هدف من الأهداف، فلم نحقق الهدف العلمي الذي هو الأصل في وظيفة الكلية والجامعة ولم نحقق المهننة، وضيعنا جيلا كبيرا ضحينا به من أجل لا شيء، ولولا إدخال بعض الشعب ذات الاستقطاب المفتوح لماتت هذه الكلية منذ أعوام، مع أنها مع ذلك تحتضر حاليا وتحتاج إلى تدخل سريع من أجل إسعافها.

وكلية الشريعة أحسن حالا من كثير من الكليات لأن طلبتها يدمجون في وظائف التعليم المختلفة من الابتدائي إلى العالي، وكذا الإرشاد الديني، والوظائف القضائية المختلفة.

بالإضافة إلى ما قلناه فالكلية الشرعية بتارودانت مطلب مشروع نظرا للحاجة الماسة والملحة إليها في المدينة والإقليم بالنظر إلى كثرة مدارس التعليم العتيق والتي تعد بالعشرات، وتخرج كل سنة مئات الطلبة الحاصلين على الباكالوريا من الذكور والإناث، الذين يفضلون إتمام دراساتهم الجامعية بالمدينة والاقليم، وأغلبهم من أوساط هشة يُرهق كاهل أسرهم أن تنتقل فلذات أكبادهم لتلقي العلم بعيدا عنهم.

والواقع يؤكد هذا، فقد سمح هذه السنة للطلبة الرسميين بالتسجيل في مدينة تارودانت، فكانت المفاجأة أن عددهم قارب الخمسمائة، ولو سمح للمنتسبين بالتسجيل لناهز العدد الألف طالب وطالبة دون أدنى شك، فكيف لا يسمح لهؤلاء الطلبة وهم بهذا العدد الكبير بأن لا يدرسوا بكل راحة وطمأنينة قريبا من أسرهم، ومن له مصلحة في تشريدهم وتعريضهم مع أسرهم للمعاناة والضياع، ولماذا يُمعن بعض المسؤولين في السير عكس التيار؟

من الأمور الغريبة في هذا الملف ربطه بملف المدرسة الوطنية للذكاء الاصطناعي المزمع إنشاؤها في مدينة تارودانت مستقبلا، وكأن قدر المؤسسات الشرعية على الدوام أن تكون في صراع ونزاع مع المؤسسات العصرية كيفما كانت مسمياتها واختصاصاتها، والحاصل أنه ينبغي أن يكون بين الجانبين تعاون وتكامل لو كان عند الذين المسؤولين بعد نظر، وتارودانت تحتاج للكلية الشرعية وإلى المدرسة الوطنية للذكاء الإصطناعي وإلى غيرهما من المؤسسات العلمية للتدليل على صبغتها العلمية التاريخية،

لا نريد أن نحاكم النوايا، لكنها حاضرة في هذا الملف وبقوة مع الأسف، وأخشى أن يكون هذا الكلام تمهيدا للسيطرة على الشطر الأول من بناء الكلية الشرعية وإحلال المدرسة الوطنية للذكاء الإصطناعي محله، وأرجو أن أكون مخطئا في هذا الزعم.

إن مبنى الشطر الأول للكلية الشرعية بتارودانت أصبح محفوظا في الذاكرة باسمها ولو سميناه بغيرها وأحللنا مكانه ما شئنا من المسميات، فسيمر الناس أمامه وسيقولون هذا مبنى الكلية الشرعية وا أسفاه تحول إلى ما هو عليه الآن في زمن فلان وفلان وعلان.

إن مشروع بناء الكلية الشرعية بمدينة تارودانت مكسب ينبغي أن يتشبث به كل من له ذرة من الغيرة على هذه المدينة وتاريخها المجيد، ووضعه في مجال موازنة مع مشروع أخر ظلم للمشروعين معا، فلنحافظ على هذين المشروعين معا ولنبحث عن مشاريع أخرى تضيف جديدا لهذه المدينة المنكوبة ذات الحظ العاثر.

لقد راسلت جمعية علماء سوس الجامعة والوزارة، وقامت بدورها في التنبيه على ما يقع وما يراد لمشروع الكلية الشرعية بمدينة تارودانت وأعذرت إلى الله وإلى التاريخ، وإلى حد الساعة لم تتوصل برد على مراسلاتها، كما بذلت مؤسسة سوس للمدارس العتيقة صاحبة المشروع وحاضنته منذ البداية جهودا كبيرة من أجل إخراجه إلى حيز الوجود، وأعذرت إلى الله وإلى التاريخ، وفوق طاقته المرء لا يلام.

ومن واجبنا أن ندق ناقوس الخطر ونحذر من مغبة ما يقع، وعلى المجلس البلدي ومنتخبي المدينة التحرك فمن أجل أمثال هذه الأمور تم انتخابهم للنيابة عن سكان المدينة، وعلى برلمانيي المدينة والإقليم التحرك قبل فوات الأوان، وعلى جمعيات المجتمع المدني وكل الفئات الحية في المدينة والإقليم التحرك كذلك كل من موقعه وصفته.

في الختام أقول: إن مشروع الكلية الشرعية بمدينة تارودانت مكسب شيدته سواعد بناء معروفة جزاها الله كل خير وبارك في أعمارها وأعمالها، تحاول الآن معاول هدم معروفة أن تهد بناءه وتوقف مسيرته، فلينظر المرء مع أي الطائفتين هو، والمناصب زائلة والتاريخ لا يرحم، والسلام.

تعليقات الزوار ( 1 )

  1. الأسوء أن هناك وزراء وبرلمانيين ورؤساء، وهم أبناء تارودانت، ويضرون أكثر مما ينفعون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News