مجتمع

رغم إكراهات التغير المناخي.. المغرب ينال شهادات اعتراف “الفاو” لحماية التراث الزراعي

رغم إكراهات التغير المناخي.. المغرب ينال شهادات اعتراف “الفاو” لحماية التراث الزراعي

تتوالى التتويجات الدولية لجهود المملكة في مجال حماية التراث الزراعي أمام تعقيدات الطبيعة، بعدما مُنحت رسميا لموقعين مغربيين مدرجين ضمن 24 منظومة جديدة مبتكرة للتراث الزراعي ذات الأهمية العالمية “سيبام”، شهادات الاعتراف لمنظمة الأغذية الزراعية التابعة للأمم المتحدة “الفاو”.

وتزدهر هذه المناطق، الموزعة بين الواحات والجبال، بفضل التقاليد العريقة لمجتمعاتها المحلية، وكذا بفضل وضعها في صلب السياسات العمومية للمملكة. وكثمرة للرؤية الملكية السامية، يتم تتويج النموذج المغربي في المحافل الدولية.

تشير الساعة إلى الثانية عشر ظهرا بالقاعة الكبيرة الخضراء لمنظمة الفاو بروما، وتحت التصفيقات الحارة للحاضرين، قدم المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة، شو دونيو، شهادات الاعتراف الرسمي لـ (الفاو) لـ 24 منظومة جديدة مبتكرة للتراث الزراعي ذات الأهمية العالمية. هكذا، قدم دونيو لمنظومتي الواحات-الرعوية “قصور فجيج”، والزراعية-الحرجية لشجرة الأركان “آيت صواب-آيت منصور”، المسجلتين على التوالي ضمن المنظومات الجديدة المبتكرة للتراث الزراعي ذات الأهمية العالمية في العامين 2022 و2018، شهادات الاعتراف الرسمي لقاء مناعتهما، تفردهما وثرائهما ومواردهما. وعلاوة على كونها منطقة فلاحية، تضطلع الواحات-الرعوية “قصور فجيج”، التي تقع في أقصى جنوب-شرق المغرب بالمنطقة الشرقية، بدور اقتصادي مهم منذ قديم الزمن.

وتعتبر هذه الواحات-الرعوية، التي توفر نقطة إمداد وملجأ ضروري للحياة المادية والروحية لرعاة الأغنام البدو في المنطقة، واحة حضرية في أراضي مبنية على التكامل بين الثقافة الواحية والحياة الرعوية البدوية. وتجمع الزراعة والتجارة والحرف اليدوية والعديد من الجوانب الثقافية الأخرى، كما تعيد المنظومة المغربية (سيبام) الجديدة ابتكار نفسها باستمرار لتتكيف مع احتياجاتها.

ويعتمد اقتصادها بشكل أساسي على الرعي والزراعة الواحية. وتوفر أراضيها مساحات واسعة للرعي، تستخدم بشكل رئيسي لضمان الاكتفاء الذاتي في الغذاء. ومن الناحية النباتية، ينتج موقع فجيج نبتة “البرسيم الحجازي” (luzerne)، وهي زهرة سحرية من جبال الأطلس ذات فوائد متعددة، وكذا التمور، التي تعتبر ثروة الصحراء المغربية.

وحول هذه النبتة، قالت إستيلا، وهي مواطنة إسبانية كانت تزور جناح المغرب المقام عند مدخل المعرض، المنظم على هامش حفل تسليم الشهادات، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، “إنها مكونة بشكل جيد، وناعمة ومعطرة”. وحظي الفضاء المغربي، الذي زاره وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي، والمدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، شو دونيو، وسفير المملكة لدى الوكالات الأممية بروما، يوسف بلا، بإقبال ملحوظ بفضل مجموعة متنوعة من المنتوجات المحلية المغربية، من قبيل التمور الفاخرة وزيت أركان.

وتم تسليط الضوء على غنى وثراء الجنوب الغربي المغربي، لاسيما في ما يخص أركان، حيث جرى تقديمه في أشكاله المختلفة، بما في ذلك البذور الكاملة والمكسرة، والزيوت الغذائية والتجميلية، بهدف تقريب الجمهور المتخصص من إمكانات أركان وتعريفهم بعملية الإنتاج الشاقة التي يقوم بها نساء يحافظن على تقاليد محلية وينقلنها من جيل إلى جيل.

ووفقا لمنظمة (الفاو)، فإن منظومة “آيت صواب- آيت منصور” تتسم بالقدرة على الصمود وتراثها الثقافي الذي لا يقدر بثمن الذي صان هذا المنظر الطبيعي والتنوع البيولوجي المتميزين، مسجلة أن هذا النظام الزراعي الحرجي-الرعوي قائم على أشجار الأركان وهو واحد من المواقع المبتكرة لنظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية.

وحيث أنه معروف بتنوعه النباتي، يتميز الإقليم بكونه أيضا وجهة رئيسية للتنوع البيولوجي في منطقة البحر الأبيض المتوسط، مما يلعب دورا استراتيجيا في الحفاظ على التنوع البيولوجي البري في المنطقة. وفي العام 2014، قامت منظمة اليونسكو بتسجيل هذه المنطقة “محمية للتنوع البيولوجي” بسبب سماتها الطبيعية الاستثنائية في مجال التنوع البيولوجي. ويجسد الموقعان المغربيان الالتزام المستدام للمملكة، إحدى بلدان الحوض المتوسطي الأكثر ثراء بالتنوع البيولوجي وعدد الأنواع المستوطنة، وينضاف هذان الموقعان إلى موقع “سيبام” إملشيل-أملاغو (الأطس الكبير الشرقي)، المعترف به في يونيو 2011، والذي يعد موقعا رائدا للواحات الباردة.

وفي كلمة له خلال تسليم الشهادات، قال السيد صديقي: “في المغرب نحن ملتزمون بتعزيز برنامج منظمة الأغذية والزراعة لنظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية، من خلال برنامج وطني خاص، وتنفيذه في إطار استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2023”.

وأشار الوزير إلى أنه بالإضافة إلى النظم الثلاثة التي تمت الموافقة عليها، تعمل المملكة “على توسيع الاعتراف بمواقع أخرى مؤهلة”، مسجلا أن الهدف النهائي هو إطلاق مشاريع تطوير لهذه المناطق من أجل الحفاظ على التراث الزراعي المستدام وتعزيز قدرة السكان والنظم البيئية ذات الصلة على التكيف والصمود.

وباعتبارها رافعة للمستقبل، تم اعتماد هذه المقاربة المستدامة منذ سنوات، تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بهدف تحقيق الأمن الغذائي على المستوى الوطني والقاري. وقد نتج عنها العديد من المبادرات المبتكرة التي تم تكريمها في المحافل الدولية الكبرى، من قبيل برنامج زراعة شجرة الأركان.

وبفضل التزام المملكة، أعلنت الأمم المتحدة سنة 2021 عن “اليوم الدولي لشجرة الأركان” من أجل الاحتفال السنوي بهذه الشجرة الفريدة ذات القيمة العالمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News