رأي

خيارات السياسة الخارجية المغربية على ضوء “الاتفاق السعودي-الإيراني”

خيارات السياسة الخارجية المغربية على ضوء “الاتفاق السعودي-الإيراني”

تميزت العلاقات المغربية-الإيرانية بالتعقيد الشديد بكونها علاقة متشابكة ومعقدة عبر محطات تاريخية متعددة، فالعلاقات بين البلدين شهدت فترات من المد والجزر تتأرجح بين التفاهم وسوء الفهم والتصادم والقطعية، حيث شهدت سنة 2009 تصاعد الخلاف الدبلوماسي بين البلدين، والتي أعلنت على إثره الرباط بقطع علاقاتها مع طهران بعد التراشق الاتهامات بين البلدين على خلفية موقف المغرب المتضامن مع البحرين. وبعدها اتهمت الرباط سفارة إيران بالنشاط الدعوي للتشيع في المغرب وتقديم الدعم غير المعلن لانفصالي البوليساريو، وبعد انقطاع في العلاقات استمر نحو (6) سنوات، اتفق البلدان خلال عام 2014 على تطبيع العلاقات، وبعدها عينت طهران سفيرها في الرباط، في حين كلف المغرب سفيره في جمهورية أذربيجان، ليبدأ مهمته الجديدة سفيرا للرباط في طهران.

وستمرت العلاقة بين البلدين إلى حدود سنة 2018، حيث شهدت مسارا فارقا في تاريخ العلاقة بينهما حيث أعلنت طهران غلق سفارتها بالرباط، وبلغ السفير الإيراني بضرورة مغادرة التراب المغربي، على خلفية دعم إيران لجبهة البوليساريو الانفصالية، وإعلان قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وفي سياق متصل، شهد الاتفاق الموقع مؤخرا بين المملكة العربية السعودية وإيران بشأن استئناف العلاقات الثنائية، اهتماما إعلاميا ورسميا ليس فقط بحكم الثقل السياسي لطرفي الاتفاق، بل تأثيره الاستراتيجي على العديد من دول منطقة والعالم العربي والإسلامي، وكذا تأثيره المستقبلي على إعادة تشكيل المحاور والأحلاف وإفراز قواعد جديدة للعبة، ولقد تباينت ردود الأفعال الدولية والعربية من هذا الاتفاق، بين مرحب به بين متوجس منه، وأخر مازال يدرس تداعياته، بالنسبة للموقف المغربي مازال لما يتشكل بعد بشكل رسمي إلا أن هذا لا يمنع من مقاربة خيارات السياسة الخارجية المغربية تجاه هذا الاتفاق في ظل تباين الموقف المغربي وطبيعة علاقته مع الأطراف الموقعة على هذا الاتفاق.

الموقف المغربي من اتفاق السعودي-الإيراني

لا تخفي الرباط شعورها بالقلق الشديد إزاء التسارع الملحوظ في منطقة الشرق الأوسط خاصة بعد توقيع الاتفاق السعودي-الإيراني، بإشراف صيني ورعاية مباشرة، فلن يقف الأمر عند حدود السعودية التي كانت من أشد إعداء طهران في العالم العربي والإسلامي، فالتأكيدات السعودية والصينية وحتى الإيرانية نفسها والمؤشرات الواضحة تدل على أن دولا عربية أخرى على الطريق قريبا نحو تعزيز علاقتها مع طهران خاصة بعد تصاعد ردود الفعل المرحبة بالاتفاق.

إن الاتفاق هذا يضع، ضمنيا، رهانا كبيرا “محفوفا بالمخاطر” حول مستقبل السلوك الإيراني، ونيات طهران لضبط سلوكها الإقليمي. ويذكر هذا الاتجاه بأن إيران اعتادت تاريخيا أن تذهب إلى التهدئة كخيار تكتيكي مدفوع باعتبارات قصيرة المدى، دون التخلي عن الأهداف الاستراتيجية للنظام، والمتمثلة في استمرار الهيمنة والتوسع الإقليمي، وذلك عن طريق ادرع متمثلة في الجماعات الإرهابية والمليشيات الانفصالية.

خلاصة القول أن المغرب قد يكون من أبرز الأطراف المحتمل تضررها بعد الإعلان عن اتفاق استئناف العلاقات السعودية الإيرانية، ويبدو أن الرباط لم تكن مستعدة لهذا السيناريو، خاصة أنها كانت مهتمة طيلة السنوات الماضية بمحاولة تنبيه حول طموحات إيرانية التوسعية وسلوك الإيراني المتصاعد نحو زعزعه أمن واستقرار الدول العربية، كما أن هذا الاتفاق –قد يبدو- أنه مفاجئ المغرب ولم يكن بعلم مسبق به، بالرغم من كل ذلك، مازال هناك اتجاه في التقديرات المغربية فالرباط ترى أنه من المبكر الحكم على التداعيات الاتفاق السعودي الإيراني، وانعكاسه على المصالح المغربية، مما يجعل من الرباط تأخذ الوقت الكافي لصياغة بيان رسمي واضح يأخذ بعين الاعتبار محددات السياسة الخارجية المغربية ومصالحا الاستراتيجية وأمنها القومي.

السلوك الإيراني …. وأطماعها العسكرية والاستراتيجية 

لم تخفي إيران منذ نهاية ثورها على طموحها الاستراتيجي ونويها نحو فرض نفسها كقوة إقليمه، بمنطقة الشرق الأوسط، بل بتوسيع نفوذها إلى المحيط الأطلسي، هذا التوسع من شأنه أن يمنح طهران زعامة العالم الإسلامي في مواجهة المملكة العربية السعودية، كتوجهه وخيار بعيد مدى بالنسبة للفكر الاستراتيجي الإيراني.

النزعة العسكرية الإيرانية

قامت العقيدة العسكرية منذ نهاية الثورة الإيرانية على نزعة الاستعلاء العسكري والتفوق الاستراتيجي الإقليمي، حيث تعتبر إيران نفسها القوة الإقليمية الكبرى خاصة بعد تحقيق عديد من نقط الإيجابية لصالح الملف النووي الإيراني في مفاوضها مع الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، بل والمهيمنة في الخليج العربي، وهو ما يفسر المناورات والتدريبات ومساعدات العسكرية والمادية الإيرانية للجماعات الانفصالية في منطقة الخليج وشمال إفريقيا، والتي تعد بمثابة رسائل تهديد صريحة ومقصودة إلى دول المنطقة، وتعتبر طهران أن منطقة شمال إفريقيا بوابة لإتمام خطتها في التوسع الاقتصادي والامتداد السياسي والاستقطاب المذهبي.

الاختراقات الاستخباراتية

تسعي طهران إلى امتلاك عدد مهم من المعلومات الاستخباراتية الدقيقة لتحقيق التوفق الاستراتيجي الإقليمي، وهو ما يفسر الشغف والطموح الإيراني لتكثيف شبكات وخلايا التجسس في مسعى الحصولِ على معلومات عسكرية وأمنية واقتصادية، وملفات ومعلومات دقيقة عن الصفقات والقدرات العسكرية والاتفاقيات السرية والمنشآت العسكرية للدول العربية، ولم تخفي إيران برنامجها الرسمي والمخابراتي القائم على شبكة تجسس واسعة تشمل العديد من الدول العربية من بينها المغرب.

دعم الميليشيات والخلايا الارهابية وتصدير الأسلحة

على رغم من شروط مجلس الأمن أثناء موافقته على الاتفاق النووي المبرم بين إيران والدول الغربية في 2015، والذي يفرض حظرا شاملا على أي إمداد أو بيع أو نقل للسلاح بشتى أنواعه الخفيف والثقيل خارج الحدود الإيرانية دون موافقة من مجلس الأمن، وعلى الرغم من ذلك تواصل إيران إمداداتها العسكرية لأكثر من جبهة في المنطقة في انتهاك صارخ لقرارات مجلس الأمن. لم تكتف إيران بانتهاك القرارات الأممية، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك من خلال علاقتها المباشرة بدعم وتمويل الإرهاب، والإشراف على العديد من الميليشيات والأذرع المسلحة والتنظيمات الإرهابية الخطيرة في المنطقة، مثل جبهة البوليساريو وميليشيات الحوثي في اليمن، وحزب الله في لبنان…وغيرها، وفي هذا السياق إعلان المغرب وبناء على معلومات استخباراتية دقيقة توفرت لدى الرباط قيام حزب الله اللبناني بتدريب عناصر من الجبهة الانفصالية وتزويدها بالأسلحة عبر السفارة الإيرانية بالجزائر، مما جعل المغرب يوجهه أصبع الاتهام بشكل مباشر إلى إيران بزعزعت أمن واستقرار المملكة من خلال دعم مليشيات انفصالية.

مستقبل العلاقات المغربية-الإيرانية

في ظل هذه المسارات التاريخية المتذبذبة في العلاقات المغربية-الإيرانية، والتي ستستمر إن صح التعبير على نفس الوتيرة مستقبلا، فإننا سنبقى أمام ثلاث سيناريوهات:

-السيناريو الأول

تصحيح مسار هذه العلاقات نحو احتواء الأزمات التي ذكرت، وهو سيناريو مستبعد في الوقت الحالي في ظل استمرار سياسية الإيرانية الحالية نحو دعم المليشيات والجماعات الإرهابية، فإن الموقف المغرب في هذا الصدد واضح، كما جاء على تأكيد وزير الخارجية المغربي، أن العلاقات المقطوعة مع إيران ستظل على حالها إلى حين إثبات طهران عكس ما هو واضح من دعم الانفصاليين، ومساس بأمن الدولة.

-السيناريو الثاني

استمرار التوتر النسبي، وهذا يقضي باستمرار الوضع القائم بينهما، والذي يشوبه توتر وفتور، أو يحافظ على الحد الأدنى من العلاقات بين البلدين خاصة في ظل الاتفاق السعودي-الإيراني، وهو ما يمكن أن نطلق عليه بتقارب تكتيكي خاصة من قبل الرباط، في انتظار أي تغير في سياسية النظام الإيران، وفق ضمانات إيرانية بوساطة سعودية منتظره.

-السيناريو الثالث

استمرار القطع النهائي للعلاقات بين البلدين، خاصة إذا ما استمرت إيران في عدم الاستجابة للنداءات المغربية المتكررة إلى طي خلافاتها وسياستها التوسعية والعدائية ضده، بالأساس في علاقتها مع جبهة البوليساريو، ودعم الانفصال والضرب الوحدات الترابية لدول ذات السيادة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News