مجتمع

ثلاث حالات في ظرف شهر.. خبير يفسر ظاهرة انتحار سجناء الإرهاب بالسجون المغربية

ثلاث حالات في ظرف شهر.. خبير يفسر ظاهرة انتحار سجناء الإرهاب بالسجون المغربية

عرفت السجون المغربية في الآونة الأخيرة تسجيل ثلاث حالات انتحار وسط سجناء متابعين على خلفية قضايا إرهابية، من بينهم سجينين اعتقلا على خلفية مقتل السائحتين بإمليل، وحالة ثالثة لشخص متهم بالإرهاب في سياق جريمة قتل شرطي الرحمة وحرق جثته، وهي حالات أشخاص أٌثبتت التحريات الأمنية مبايعتهم لتنظيم داعش الإرهابي، ما طرح أسئلة حول أسباب تكرار مثل هذه الحوادث في ظرف وجيز لا يتعدى شهر.

وكانت إدارة السجون قد أعلنت تواليا انتحار السجين “خ. ع” بالسجن المحلي وجدة أواخر فبراير، ثم انتحار “م. ق” بالسجن المحلي رأس الماء في فاتح مارس الماضي، وذلك باستعمال قطعة قماش، وأخيرا انتحار سجين ثالث في أواخر مارس بسجن سلا، أسابيع قليلة بعد اعتقاله.

المثير في تواتر أحداث الانتحار هذه أنها لم تكن تسجل من قبل بنفس الحدة، مع العلم أن أعداد المعتقلين على خلفية الإرهاب كانت مرتفعة بشكل أكبر خلال السنوات الفارطة، وهو الأمر الذي دفع الخبير في علم النفس الاجتماعي عادل الحساني إلى مقاربة الظاهرة من زاوية أنها فكرة جهادية انتقلت للسجون ، معرجا على نشأة دافع الانتحار لدى الجهادي في السجن ، وأسباب عدم فعالية الوازع العقدي في حماية الجهاديين حاليا من الانتحار.

انتقال الظاهرة الانتحارية إلى السجون

أفاد الخبير في علم النفس الاجتماعي عادل الحساني في تصريح لـ “مدار21” أن “الانتحار هو ظاهرة جهادية قديمة انتقلت للسجون”، مضيفا أن “الفعل الانتحاري في البداية هو فعل إجرامي هدفه قتل الآخرين، لكن هو في النهاية عمل انتحاري ليس لأنه صفة متداولة إعلاميا أو توصيف قانوني أو نعت أو تنقيص من إيديولوجية معينة يصف أصحابها أنفسهم بالاستشهاديين بينما نصفهم بالانتحاريين، بل هو كوصف واقعي؛ انتحار”.

وأشار الحساني أنه “حتى في الأدبيات الجهادية يتحدثون عن الانغماسي الذي يضع نفسه وسط جيوش العدو ويقاتل حتى الموت، ثم الشكل الثاني الذي يطلقون عليه الاستشهادي، والمقصود به الذي يقتل نفسه تفجيرا من أجل تحقيق هدف هجومي وإرهابي، لكن في النهاية هذا انتحار وقتل للنفس”.

وأشار الخبير نفسه إلى أن “قضية قتل النفس عبر الهجوم على الآخرين أثيرت من طرف الشيخ القرضاوي لما أجاز العمليات الانتحارية بإسرائيل، على اعتبار أنها دولة ليس لها مشروعية دولية ومحتلة، ومن ثم أخذ الجهاديون شرعيتها، إضافة إلى وجود شرعية التترس التي تشرع قتل الأطفال والنساء في سبيل نجاح العمليات الإرهابية. كما أن العمليات الانتحارية أخذها الجهاديون منذ 2001 إلى غاية وفاة أسامة بن لادن كسبب شرعي في نظرهم لقتل أنفسهم ومعهم الأبرياء”.

وخلص الحساني إلى أن “ثقافة ودافع الانتحار فعل وثقافة جهادية غير جديدة وغير مستغربة في التفكير الجهادي، ومنسجمة مع نفسية الجهادي”.

دوافع الانتحار

يؤكد الخبير في علم النفس الاجتماعي أن “الموت إما مواجهة أو انغماسا أو انتحارا، أو كما يسمونه استشهادا، توجد له دوافع اجتماعية، لأن الجهاديين في ثقافتهم منذ الفترة التي ظهروا بها يرفعون شعار أن أوضاعهم الاجتماعية وأوضاع الأمة مزرية وأن الحل هو في إقامة الدولة الإسلامية بالطريقة والشكل الذي يراه شيوخهم، إذ يوجد ضغط اجتماعي وحالة ينبغي أن تصحح”.

ويلاحظ الخبير نفسه أن “غالبية الجهاديين تعليمهم محدود وظروفهم المادية غير متحسنة، خاصة الجيل الأول من الجهاديين قبل التحاق الطبقة المتوسطة، مسجلا أن مرد ذلك إلى التغير في وضع هذه الأخيرة، ذلك أن عدم تحسن الظروف المادية دفع إلى التحول من السلفية التقليدية إلى السلفية الجهادية، خاصة بالبلدان التي وقعت فيها ثورات، وعرفت نشاط منظمات جهادية في إطار قانوني، كما هو الحال بالنسبة لتونس ومصر”.

وأضاف المتحدث نفسه أن “الدافع الانتحاري محصن في الثقافة الجهادية، إضافة إلى الدافع ما قبل الانتماء للتيار الجهادي، ذلك أن الملاحظ من تدوينات الشباب المغاربة، الذين ماتوا سواء انتحارا أو انغماسا أو مواجهة مباشرة في قتالهم إلى جانب المنظمات الإرهابية بالعراق وسوريا، أنها كلها تتحدث عن الوضع الاجتماعي المزري الذي دفعهم إلى هذه الطريق”.

وأبرز الحساني أن الجهاديين “لديهم تجاه الموت والانتحار جهوزية كاملة، ما يجعله أمر غير مستغرب لأنهم استعدوا إليه نفسيا، وفي حالة إحباط مساعيهم وخططهم لتنفيذ عملياتهم يغيرون الخطة لكن الدافع النفسي الذي كان يسير بهم نحو الموت من أجل دافع مبجل يفتخرون به، هو دافع لا يتغير، وهو الذي يسمى في التحليل النفسي بدافع غرائز الموت، والتي منتهاها الانتحار وتجلياتها ما قبل الانتحار تبرز في العنف وإيذاء الذات والعنف تجاه الآخر والحزن والعزلة والانتماء لجماعات متطرفة والعزلة عن المجتمع، وغيرها من مشتقات الانتحار الأخرى”.

وفسر الحساني هذا السلوك الداعشي المتطرف بأن خلفه “حرمان عاطفي وجنسي وغياب للتواصل مع الأخرين وغيرها، مضيفا أن جميع التفاصيل التي تدفع أناس إلى الموت هي باقية، ما يجعل من الطبيعي يفكرون في قتل أنفسهم بالسجن علما أن مديرية السجون تمنع وسائل الانتحار من الدخول إلى الزنازن”.

تعطيل الوازع العقدي

وحول سبب عدم حماية الوزارع العقدي الجهادية من الانتحار، أشار الحساني إلى أن هذا السؤال يبقى مشروعا، ذلك أنه “من قبل كان المعتقلون الجهاديون بالآلاف في السجون ومع ذلك كانت هذه الظاهرة قليلة”، مشيرا إلى أنه “من قبل كان التيار الجهادي متواجدا بقوة ولديه انتصارات قوية في إحدى الفترات مع بروز الدولة الداعشية وغيرها من التنظيات، إضافة إلى انتشار خطابها على الأنترنيت حينها”.

وتابع الحساني في السياق نفسه أن “هؤلاء لا يوجد عندهم دافع للحياة، إضافة إلى لأنه ليس لديهم محفز إيديولوجي للحياة، من قبيل المناظرات التي كانت من قبل بين شيوخ السلفية والإخوان وغيرهم التي كانت تعطي للشباب الجهادي طاقة للتواجد والاستمرار، لكن يوجد هؤلاء في السجون محاصرون ومقيدون ويتابع أشباههم في المجتمع كذئاب شريدة منفرذة ومكتئبة ومنعزلة ما جعل دافع الموت أقوى من دافع الاستمرار لديهم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News