رأي

المغرب وروح “إعلان اليونسكو”

المغرب وروح “إعلان اليونسكو”

يعد “إعلان اليونسكو بشأن التنوع الثقافي” من الوثائق الأممية المرجعية الهامة في مجال حماية التنوع الثقافي والتعدد اللغوي و النهوض بهما.

يعكس هذا الإعلان العالمي المكانة والأهمية التي باب يوليها المجتمع الدولي للتنوع الثقافي عموما، نتيجة للوعي بكون القضايا الثقافية ليست مجرد سلع، فهي مرتبطة بالهوية والتقاليد والمعتقدات ونظم القيم.
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2002 تاريخ 21 يونيو يوما عالميا للاحتفاء بالتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، بعد أن اعتمدته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة( اليونسكو)في نفس التاريخ سنة 2001، وذلك اعترافا بـضرورة تعزيز الإمكانية التي تمثلها الثقافة بوصفها وسيلة لتحقيق الإزدهار والتنمية المستدامة والتعايش السلمي على الصعيد العالمي.

حرص المجتمع الدولي على الاحتفاء بهذا اليوم الأممي، والتحسيس بأهمية مضامين إعلان اليونسكو، خصوصا بعد اعتماد الأمم المتحدة في شتنبر عام 2015 لخطة التنمية المستدامة لعام 2030؛ إذ أصبحت قضايا التنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية ضمن الأهداف الكبرى التي تسعى الدول لتحقيقها.

تفاعل المغرب بشكل إيجابي مع إعلان اليونسكو من خلال المصادقة عليه، على اعتبار أنه من المجتمعات المتميزة بالتنوع الثقافي، ثم إنه بلد له إيمان قوي بكون التنوع الثقافي تراثا للإنسانية جميعا لا بد من الاعتراف به، إضافة إلى أنه يتناغم مع الخيارات الكبرى للدولة في مجال التعددية والانفتاح والحوار والتعايش، بفعل عوامل كثيرة منها موقعه الجغرافي المتميز كملتقى للثقافات والحضارات التي تعاقبت عليه، فضلا عما يتوفر عليه من امتدادات في إفريقيا جنوب الصحراء والبحر الأبيض المتوسط والمشرق العربي ودورها في تشكيل شخصيته الحضارية متعددة الثقافات. هذا بالإضافة إلى كون المغرب تجمعه شراكة متميزة مع هذه المنظمة الدولية النشيطة التي يوجد مقرها بالعاصمة باريس.

تأسيسا على ذلك، حرص المغرب على الإلتزام باحترام التنوع الثقافي وحوار الثقافات والقيم الأساسية الكونية، وانخرط في استثمار هذه الاتفاقية الدولية من خلال دمج الثقافة في السياسات العمومية المتعلقة بالتنمية المستدامة، والذي تجسد عبر مجموعة من المبادرات المشتركة بين المغرب واليونسكو آخرها الاتفاقية المتعلقة بصيانة التراث الثقافي غير المادي في المغرب وإفريقيا.

شكل دستور 2011 محطة متقدمة في وعي الدولة بأهمية التنوع الثقافي والتعدد اللغوي، حيث اعترفت الوثيقة الدستورية بشرعية التعدد والتنوع وبأهمية البعد الثقافي في تشكيل الهوية الجماعية وإبراز الشخصية الوطنية وتحقيق التنمية المستدامة. ومن هنا جاء الاعتراف باللغة الامازيغية كلغة رسمية وبالهوية المتعددة وبالانتماء إلى الفضاء المغاربي وبالعمق الإفريقي، بل والأكثر من ذلك تم الإقدام على مأسسة التعدد اللغوي والتنوع الثقافي مع الانفتاح على الثقافات الأخرى واللغات الكونية عبر مؤسسة المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.

وكذلك المبادرات المتعلقة بالنهوض بالتراث الثقافي اليهودي، والالتزام بصيانة الحسانية كأحد مكونات الهوية الثقافية الموحدة وحماية مختلف التعبيرات الثقافية المستعملة، والإنفتاح وتعلم اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم.

أعتقد ان المكتسبات النوعية التي ميزت دستور 2011 والتي حظيت بإشادة دولية هامة تندرج في إطار ترجمة روح “إعلان اليونسكو” وغيره من الوثائق الأممية التي تعتبر مرجعية في مجال التنوع الثقافي. وبذلك يكون “المغرب الثقافي” قد استفاد كثيرا مما جاءت به الوثيقة الدستورية من تطورات نوعية في جانبها المرتبط باحترام التنوع الثقافي، في انسجام مع رصيده التاريخي العريق وهويته الأصيلة القائمة على التفاعل الإيجابي بين مقومات الوحدة والتنوع والتشبت بالقيم الكونية، وفي تناغم مع المواثيق الدولية المرجعية في هذا الشأن.

لكن هذا المسعى لا يقتصر فقط على الدستور والقوانين واحترام المواثيق الدولية، بل يجب أن يتبلور في إطار سياسات عمومية ناجعة وبرامج ملموسة فعالة تتوجه نحو المستقبل وتستهدف التنشئة الإجتماعية في قطاعات الثقافة والتربية والإعلام، في ظل تنامي نزوعات التعصب الفكري وموجات التطرف الإيدبولوجي وتزايد ثقافة الحقد وخطاب الكراهية العنصري والعداء للآخر وكل أشكال التمييز.

-كاتب صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News