صحة

جدل ربح الصيدليات.. اختلالات بالقانون المحدد لأسعار الأدوية والحكومة تعتزم تنزيل إصلاح شامل

جدل ربح الصيدليات.. اختلالات بالقانون المحدد لأسعار الأدوية والحكومة تعتزم تنزيل إصلاح شامل

فجر تقرير المجلس الأعلى للحسابات الأخير جدلا كبيرا بسبب الأرقام التي أوردها حول هامش ربح الصيدليات من بيع الأدوية للمغاربة، والذي يصل إلى 57 في المئة، وهي النسبة نفسها التي يضعها المرسوم رقم 2.13.852 المتعلق بشروط وكيفيات تحديد سعر بيع الأدوية المصنعة محليا أو المستوردة للعموم، غير أن الصيادلة كان لهم رأي آخر، إذ أكدوا أن تقرير مجلس العدوي شابتها “مغالطات”، مؤكدين أن نسبة الربح الصافي هي 8 في المئة.

أمام هذا الجدل، أقرت الحكومة بوجود اختلالات في المرسوم المحدد للأسعار، مؤكدة عزمها على إصلاحها، بشراكة مع الصيادلة، مع جعلها تدفع باتجاه معالجة وضعية الفراغ داخل هيئات الصيادلة، الناتجة عن عدم إجراء الانتخابات في وقتها، من خلال إصدار مشروع مرسوم لإنتخاب مجلس وطني للصيادلة، لتحديد مخاطب رسمي، يساعد على تنزيل الإصلاح.

وبغاية تحديد المخاطب الرسمي للحكومة، تداول مجلس الحكومة الأخير وصادق على مشروع المرسوم بقانون رقم 2.23.195 بسن أحكام خاصة بتنظيم انتخابات المجلسين الجهويين للصيدلة بالصيدليات بالشمال والجنوب، قدمه خالد آيت طالب، وزير الصحة والحماية الاجتماعية.

وحول جدل أسعار الأدوية، قال مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، في ندوة صحفية عقب اجتماع المجلس الحكومي الأخير، إن الحكومة يجب أن تتتخذ مجموعة من القرارات في هذا الصدد، ذلك أن تنزيل ورش الحماية الاجتماعية يهم في جانب منه التكاليف التي ترتبط كذلك بأسعار الأدوية، موضحا أن منطلق الإجراءات الحكومية تبدأ من تنظيم انتخابات الصيادلة لتحديد المخاطب الرسمي.

وحول أرقام المجلس الأعلى للحسابات أوضح بايتاس أن الحكومة أنجزت دراسة حول تكاليف وأسعار الأدوية وهواش الربح، في إطار تنزيل الحماية الاجتماعية، مؤكدا بأن الدارسة الجديدة أنجرت مقاربة جديدة تتضمن ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات، راهنا تنزيل خطة إصلاح المرسوم الصادر أواخر سنة 2013 بمباشرة خطوة الانتخابات لتحديد المخاطب المهني.

جدل هامش الربح

التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم 2021، الذي تم رفعه للملك، كشف أن هامش ربح الصيدلي في المغرب المطبق على الأدوية التي يكون ثمن المصنع دون احتساب الرسوم أقل أو يساوي 166 درهما، يساوي 57 بالمئة بينما لا يتجاوز 25 بالمئة في تركيا، و5.58 بالمئة في البرتغال، و21.4 بالمئة في فرنسا و 6.42 بالمئة في بلجيكا.

ووفق تقرير المجلس المرفوع إلى الملك، فإن هوامش الربح تتراوح بين 47 بالمئة و57 بالمئة بالنسبة للأدوية التي يكون ثمن مصنعها دون احتساب الرسوم أقل أو يساوي 588 درهما، وبالنسبة للأدوية التي يزيد سعر تصنيعها عن 558 درهما، تتراوح هذه الهوامش بين 300 و400 درهم لكل علبة.

ومن جانبها، رفضت كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، ما جاء في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، معتبرة أن هذا التقرير تضمن مغالطات ومعطيات غير دقيقة بشأن منظومة تسويق وبيع الأدوية بالمغرب، مؤكدة أن نسبة هامش ربح الصيدلاني بالمغرب لا تتعدى 8 بالمئة وفق ما حددها مرسوم الأدوية.

وأكد رئيس كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب محمد لحبابي، أن تحليل المجلس الأعلى للحسابات، “جاء مجانبا للصواب في كثير من النقط لأنه تضمن عددا من المعطيات غير الدقيقة”، مضيفا أنه إذا كان التشخيص خاطئا منذ الوهلة الأولى فإن العلاج حتما سيكون خاطئا بالضرورة.

وخلافا لما جاء في تقرير “مجلس العدوي”، شدد الحبابي على أن نسبة هامش ربح الصيدلاني بالمغرب، لا تتعدى 8 بالمئة وهي النسبة التي أكدتها الإدارة العامة للضرائب سنة 2019، في أعقاب اتفاقية إبرائية وُقّعت مع نقابات الصيادلة، حيث تم تحديد متوسط هامش أرباح الصيادلة في 27 بالمئة، أما متوسط الربح الصافي فتم تحديده في 8 بالمئة على عكس ما ورد في تقرير المجلس الأعلى للحسابات.

وسجل الحبابي، أنه بالإضافة إلى عدم دقّة الأرقام التي تخص الدول التي أوردها المجلس في معرض مقارنتها بالمغرب، فإن هذه المقارنة “خاطئة”، لأن الدول المذكورة طورت قطاع الصيدلة، ووسعت دائرة مهام الصيدلي، بحيث لم يعد الأخير يعتمد فقط على هامش أرباح الأدوية، فقط بل إنه يستفيد من تعويضات إضافية مختلفة تفوق قيمتها الهامش الربحي الكلاسيكي، وهو ما لم يشر إليه التقرير مطلقا، حسب رئيس كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب.

هامش الربح “الحقيقي”

ومن جهته قال أمين بوزوبع، الكاتب العام لكونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، خلال ندوة صحفية ردا على أرقام المجلس الأعلى للحسابات، أن هامش الربح الذي حدده المجلس في 57 في المئة، وهو الهامش الذي تم أخذه من من المرسوم الوزاري المتعلق بمسطرة تحديد أسعار الدواء رقم 2.13.852، يدخل فيه ثلاثة متدخلين أساسيين، إذ يتضمن ضريبة القيمة المضافة وهذا هامش الدولة وهناك هامش ربح شركات توزيع الأدوية ثم هامش ربح الصيدليات، ما يعني أن المجلس الأعلى للحسابات قفز على باقي الهوامش.

وتابع المتحدث نفسه أن هذا المرسوم “يشمل أربعة شرائح من الأدوية والتي عندما يتم وضع معدل إجمالي لها كلها نجد أن هناك هامش ربح 27 في المئة، وهي النسبة التي يقر بها جميع المحاسبين باعتباره هامش الربح الخام للصيادلة، وهذا ما أقرته المديرية العامة للضرائب في الاتفاقية الإبرائية التي وقعتها مع قطاع الصيدليات”.

وأشار بوزوبع إلى أن “هامش الربح الخام المحدد في 27 في المئة يتم حذف منه نفقات التسيير وباقي المصاريف ليصبح الهامش النهائي لربج الصيدلي في الأخير هو 8 في المئة، وهو ما أقرته المديرية العامة للضرائب كربح صاف للصيادلة”.

وحول المقارنة التي أجراها المجلس الأعلى للحسابات مع دول أخرى في ما يخص هامش ربح الصيدلي، قال بوزوبع أنها تتضمن مغالطة كبيرة، لأن النموذج الاقتصادي للصيدليات المغربية يختلف تماما عن النموذج المعتمد بدول أخرى، مضيفا أن الصيدليات المغربية تعتمد في تسيير المقاولة الصحية على هامش ربحها في الأدوية فقط، بينما يتم في دول أخرى الاعتماد على هذا الهامش بالإضافة إلى هامش التعويضات والخدمات الصحية التي تقدمها.

وفي هذا السياق أكد بوزوبع أنه “تم الحديث سابقا على ضرورة توسيع صلاحيات اشتغال الصيدليات لتقديم مجموعة من الخدمات التي تقدمها الصيدليات في الدول الغربية، حتى يتم رفع الضغط الكبير عن المستشفيات المغربية التي تواجه إشكالا كبيرا سواء في البنية التحتية أو الموارد البشرية، وهذا أمر معلوم لدى الجميع”.

وأورد أنه بالنسبة لنموذج الصيدليات الفرنسية، التي كما جاء في التقرير لديها هامش ربح 21 في المئة، فإن 50 في المئة من أرباح هذه الصيدليات يأتي من التعويض عن الخدمات الصحية، ما يعني أن لها هامش ربح 42 في المئة، مقابل 27 في المئة عند الصدليات المغربية، وهذا ما يفسر حالة الهشاشة والإفلاس التي تعيشها الصيدليات المغربية ويتخبط فيها الصيدلاني المغربي.

وفي السياق نفسه، أكد بوزوبع أنه “لا مجال للمقارنة لأن رقم معاملات الصيدليات الفرنسية يساوي 10 أضعاف رقم المعاملات للصيدلية المغربية، مشيرا إلى أن المواطن المغربي يستهلك ما معدله 500 درهم سنويا، مقابل 5000 درهم استهلاك المواطن الفرنسي، ولهذا لا تجوز المقارنة”.

الشركات الكبرى هي المستفيدة

وبدوره، شارك عزيز غالي، الصيدلاني ورئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في هذا النقاش، حيث أوضح في تصريح لـ”مدار21″ أن الأرقام التي أدلى بها المجلس الأعلى للحسابات بشأن ربح الصيادلة غير صحيحة، مؤكا أن المستفيد الأكبر من الربح هي الشركات الكبرى المصنعة للأدوية.

وفسر غالي جدل احتساب الربح قائلا أن “ثمن الأدوية بالمغرب الذي يكون مسجلا على علب الأدوية (PPV) يختلف عن الرقم الذي قدمه مجلس الحسابات، لأن هذا الأخير تحدث عن هامش الربح (PFHT) وهو ثمن الدواء لدى المصنع دون فرض الضريبة، وبالتالي فثمن البيع النهائية يساوي هذا الأخير إضافة إلى هامش ربح الموزع 11 في المئة زائد هامش ربح الصيدلي زائد الضريبة على القيمة المضافة”.

وفي السياق نفسه، أضاف غالي أن المجلس الأعلى للحسابات تحدث عن هامش ربح الصيدلي من (PFHT) وليس من الثمن المسجل على الأدوية، وبالتالي عندما يبيع الصيدلي دواء بـ100 درهم لا يكون هامش ربح الصيدلي هو 57 درهما، بل إن الربح لا يتعدى في هذه الحالة 33.80 درهما.

وقال غالي إن هامش الصيدلي يختلف بحسب شريحة الأدوية المقصودة، فهو بالنسبة للأدوية المترواح ثمنها بين 10 و278 درهما دون احتساب الضريبة فهامش الربح الخام للصيدلي هو 33.90 في المئة، وبالنسبة لشريحة الأدوية المتراوح ثمنها بين 278 درهما و929 درهما يصبح هامش الربح هو 29.70 في المئة، وبالنسبة للشريحة الثالثة التي تضم الأدوية المتراوح ثمنها بين 931 درهما و2099 درهما يكون هامش ربح الصيدلي هو 300 درهما وليس 57 في المئة، ثم الشريحة الرابعة التي تتراوح أثمنتها بين 2544 درهما و89 ألفا و716 درهما باعتباره أغلى دواء في الصيدليات يكون هامش ربح الصيدلي هو 400 درهم فقط.

وأورد أن هذه الأرقام توضح أن هامش الربح الذي تحدث عنه مجلس الحسابات لا يوجد ضمن شرائح الدواء الأربع، ويؤكد بالمقابل أن المستفيد الأكبر هو الشركات الكبرى المصنعة للأدوية، وهي التي يجب فتح النقاش بشأنها، على اعتبار أن هي المسؤولة على غلاء أثمنة الأدوية وليس الصيدلي.

توسيع خدمات الصيدلاني

وأشار الحبابي، في ما يخص هامش الربح مقارنة بدول أخرى، إلى أن بلجيكا التي وردت في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، بلغت فيها هذه التعويضات لتطوير مهنة الصيدلة سنة 2020 ما يصل إلى 81.4 بالمئة من مجموع أرباح الصيادلة البلجكيين، في حين أن الهامش الربحي في الأدوية عكس ما جاء في تقرير لا يتعدى 18 بالمئة.

وأوضح أن الأمر يتعلق بتعويضات متنوعة تخص النصح والإرشاد ودعم الأدوية الجنيسة، يتم الحصول عليها من طرف صناديق الإئتمان، ناهيك على أن الصيدلاني له الحق في تتبع المرضى المصابين بالأمراض المزمنة كالسكري والضغط الدموي والربو وغيرها، بالإضافة إلى تعويضات عن الكشوفات السريعة على غرار اختبارات كوفيد-19، وهي الحقوق والامتيازات التي لا تتوفر للصيادلة المغاربة.

وسجل الحبابي أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات “لم يأت على ذكر هذه المعطيات”، لافتا إلى أنه “أكثر من ذلك أصدر مجلس المنافسة في سنة 2020 مذكرة، كشف من خلالها الإكراهات التي تحول دون تطور قطاع الصيدلة بالمغرب، ومنها حصر مهمة الصيادلة في صرف الأدوية للمرضى وحرمانهم من أية محاولة للرفع من أداء المهنة والاستفادة من مداخيل جديدة.

واعتبر رئيس كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، أنه لو تم منح الصيادلة بالمغرب هذه الامتيازات والمهام الجديدة التي يستفيد منها الصيدلاني بجميع دول الجوار باستثناء المغرب، فإن ذلك سينعكس على تطوير قطاع الصيدلة بالمغرب مع ضمان العيش الكريم، خاصة أن هناك 3 آلاف صيدلاني على عتبة الإفلاس.

وخلص الحبابي، إلى أنه طوال السنوات الأخيرة، كنا دائما نطالب وزارة الصحة، بتوسيع مهام الصيدلاني وتطوير القطاع والاقتداء بالنماذج الناجحة عبر العالم، مؤكدا أن كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، تجدد رفع هذا المطلب، لأنه “لا يمكن منطقيا أن نظل مقيدين إلى يومنا هذا بنصوص قانونية يرجع البعض منها إلى 1922 ناهيك أن بيع الأدوية أصبح يتم جهارا على قارعة الطريق”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News