سياسة

أزمة “التأشيرة”.. هيئات تُدين تجاهل الاتحاد الأوروبي لعنصرية فرنسا وتُحذر من استغلال البيانات

أزمة “التأشيرة”.. هيئات تُدين تجاهل الاتحاد الأوروبي لعنصرية فرنسا وتُحذر من استغلال البيانات

احتجّت هيئات حقوقية وسياسية ومدنية ضد ما وصفته بـ”الوضع المذلّ والمهين” للمواطنات والمواطنين المغاربة الذين يتقدمون بطلب الحصول على تأشيرات لدى السلطات الفرنسية، مطالبة هاته الأخيرة، والدول الأوروبية بإعادة النظر في هذه الإجراءات “المخْزيّة”.

وأدانت الهيئات المذكورة، ضمن عريضة توصل “مدار21” بنسخة منها، “هذه الأجواء من الانحدار والنكوص إلى الوراء، الذي يعيد إرساء تدابير القمع العنصري ضد المهاجرين وبلدانهم الأصلية في شأن العودة الطوعية”، معبرة عن رفضها “بشدة كل أشكال التضييق والممارسات المتسلطة، وكذلك الإجراءات التأديبية والعقابية في مقابل العودة القسرية”.

وأكد المصدر ذاته أن القرار المتعلق بتقليص 50 بالمئة من عدد “تأشيرات شنغن” على حساب المغاربة، الذي اتخذته الحكومة الفرنسية منذ شتنبر 2021، “لم يتم تغييره قيد أنملة”، خلافا لما جاء في تصريحات وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية كاترين كولونا، حول هذا الموضوع يوم 15 دجنبر 2022 بمناسبة زيارتها للمغرب.

وأعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية، ضمن تصريحات أدلت بها للصحافة المغربية، عن استئناف التعاون القنصلي الكامل بين الرباط وباريس، الذي سيتيح النهوض بمستوى التبادل الإنساني بين بلدينا ليبلور التداخل المتجذر بين مجتمعينا وتمثل هذه المبادلات في الحاضر كما في المستقبل قاعدة للعلاقة الثنائية والمحرك الأساسي لتوثيق تلك العلاقة باستمرار”.

نتائج مخيبة للآمال

وكشف العريضة، التي وقعتها 9 هيئات إلى جانب الهيئة الوطنية للشباب والديمقراطية، التي تضم في عضويتها 16 شبيبة حزبية، أن السلطات الفرنسية، لجأت إلى شركة مناولة لتجميع طلبات التأشيرات نيابة عن الإدارة الفرنسية، وأن هذه الشركة الوسيطة لا تتقاضى أي مقابل من الدولة الفرنسية، بل من طرف طالبي التأشيرات أنفسهم، معتبرا الاستعانة بمقدمي خدمات في هذا الإطار، يريح الإدارة الفرنسية، ويجعل من طالبي التأشيرة يتحملون كل تجاوز وقصور منها.

وانتقدت الهيئات الحقوقية والسياسية، تضخم وتعقد الإجراءات، وتعدد الفئات والفئات الفرعية المنظمة، “ما يُثقل عبء مسطرة إجراءات طلب التأشيرة، ويجعلها قديمة ومبهمة وقابلة للاحتيال والتلاعب من أعوان شركة المناولة أثناء معالجة وفحص الطلبات”.

وأوضحت أنه يتم دفع ثمن الرسوم الإدارية عند تقديم كل طلب، سواء تم الحصول على التأشيرة أو لم يتم الحصول عليها، بدل أن يكون الدفع في حالة الحصول عليها فقط، مشيرة إلى أن طالب التأشيرة مجبر على أن يتحمل التكاليف، ولا يتم تعويضه في حالة الرفض، بل ويتم فرض مصاريف مضاعفة عليه بدون موجب حق، وتحت ذريعة أن هذه التكاليف يتم استخدامها لدراسة ملفات الطلبات، بينما مقدمو خدمة طلبات التأشيرات، يتقاضون ثمن رسوم معالجة الملفات.

وسجل المصدر ذاته أن تكلفة التأشيرة المرتبطة بالتكاليف الملحقة بها (رسوم الشركة المكلفة بدراسة طلبات التأشيرات، رسوم طلب الموعد، تكاليف حجز الفندق، تكاليف حجز التذاكر، تكاليف التأمين) كل هذه التكاليف وغيرها تبقى باهظة ومبالغ فيها، مؤكدا أن آجال الحصول على موعد التأشيرة لا تنتهي، وتفتح الباب واسعا للسماسرة الذين يعملون على حجز مواعيد، قبل توفيرها للمرتفقين مقابل مبالغ مالية كبيرة.

واعتبرت الهيئات المذكورة، أن معايير الرفض غير مبررة بشكل كاف، فقانون الاتحاد الأوروبي ينص على وضع علامة على الخانات في الاستمارة الموحدة لتعليل رفض منح التأشيرة، مع تحديد الحالات التي يمكن فيها تبرير هذا الرفض.

وقالت الهيئات الحقوقية إن هذا التحديد لم يمنع خدمات القنصلية من أن تأتي بمبررات واهية غير موجودة في القانون لتملأ بها خانات رفض منح التأشيرة، مردفة أن ذلك هو “ما حصل فعلا في حالات تخص طلبة ومستخدمين مؤهلين، والمسافرين من رجال أعمال مستوفين لجميع شروط منح التأشيرة ولكنهم قوبلوا بالرفض”.

 رهائن حرية التنقل

وبُحجة أن الدولة المغربية، لا تقوم بما يكفي فيما يتعلق بالعودة الطوعية لمواطنيها ولمواطني عدة دول عبروا أراضيها، أشارت الهيئات المذكورة، إلى انخراط الدولة الفرنسية في نوع من أنواع المساومة غير المقبولة لا أخلاقيا ولا إنسانيا، ترمي إلى ثني السلطات المغربية عن مواجهة محاولات الابتزاز الرامية إلى تنزيل اتفاقيات إعادة القبول “ACR” التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي.

وأعلن المتحدث باسم الحكومة الفرنسية غابريال أتال (Gabriel Attal) يوم 30 شتنبر 2021، أنه “قرار صارم، إنه قرار غير مسبوق، لكنه قرار أصبح ضروريا بسبب أن هذه الدول حقيقة ترفض استعادة رعاياها الذين لا نريد ولا يمكن لنا إبقاءهم في فرنسا”.

واعتبرت الهيئات المدنية و السياسية أن “هذا الإجراء الانتقامي والرجعي والذي يمكن تصنيفه بـ”العقوبة غير المقبولة” يحمل في طياته انتهاك حق أساسي، وهو حرية تنقل الأشخاص، معتبرة أن “قسْوة التصريح تفضح التخوفات من ملف الهجرة لدى الحكومة الفرنسية، واستعدادها لأن تقوم بأي ضغط كيفما كان، على المهاجرين وعلى بلدانهم الأصلية”.

ورأت الهيئات، أن الدعم الذي أعلنه الاتحاد الأوروبي، ودول الأعضاء، للمدافعين ونشطاء حقوق الإنسان غير متناغم مع سياسات منح التأشيرة التي يطبقها الاتحاد حاليا، بسبب أن المدافعين عن حقوق الإنسان يعانون هم أيضا من هذا الوضع الذي يعيق تنقلهم الدولي لصالح القضايا الانسانية والكونية المشتركة.

وأوضح المصدر ذاته، أنه إذا كان تصريح وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية كاترين كولونا، يوم 05 أكتوبر 2022 بمجلس الشيوخ الفرنسي، ردا على سؤال حول تقييد إصدار التأشيرات إلى مواطني الدول المغاربية قد ورد فيه أن: “الإجراءات التقييدية يتم تطبيقها مع الحرص على إعطاء الأولوية للطلبة ورجال الأعمال والفنانين”، إلا أن الحقيقة تكمن في أن تعميم التدابير والإجراءات العنصرية والمهينة لم تسلم منها أية فئة.

وأشارت إلى أنه في غشت 2022، تعرضت الجولة الأوروبية لمغني الراب المغربي، وهو الفنان الأكثر استماعا على “Spotify” في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لشبح خطر رفض تأشيرته، مضيفة أنه بتاريخ 11 يناير 2022 عبرت المغنية المغربية الشهيرة منال بنشليخة عن “صدمتها” بعد أن رفضت السلطات الفرنسية منحها التأشيرة.

واعتبر المصدر نفسه، أن رفض منح التأشيرات للفنانين لا ينتهك فقط حق حرية التنقل، بل هو أيضا انتهاك صارخ لحرية التعبير والتلاقح الثقافي بين الضفتين، باعتبار أن التعاون الثقافي والعلمي والتقني بين البلدين، يندرج ضمن الأولويات التي حددتها اللجنة الوزارية للتعاون الدولي والتنمية (CICID) والمبادئ التوجيهية التي تم وضعها خلال الاجتماعات الرفيعة المستوى بين رئيسي الحكومتين.

تهديد المعطيات الشخصية

وأكدت الهيئات المدنية والسياسية أن الاستعانة بمقدم خدمات خارجي لمعالجة ملفات طالب التأشيرة، لا يضمن بشكل كامل وموثوق حماية وأمن البيانات الشخصية وخاصة البيانات الحيوية (البيوميترية)، معتبرة أن هذه الإجراءات “تنتهك في العمق أحكام القانون 08-09 وتطرح تساؤلات جدية، حول مستوى الموثوقية والأمان لهذه العملية، وأيضا الضمانات المحيطة بحماية البيانات الشخصية الخاصة بطالبي التأشيرات”.

وكانت اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، استدعت يوم 6 يناير 2022 شركة TLS Contact (المتعهدة بجمع طلبات التأشيرة نيابة عن التمثيليات الدبلوماسية الأوروبية المعتمدة في المغرب)، وأكدت هذه الأخيرة، بأنه كل خمس دقائق يتم إرسال منتظم للصور المستخرجة من كاميرات المراقبة إلى مؤسستين حكوميتين مقرهما في الخارج.

ورأت الهيئات المذكورة، أنه “إذا كان طالبي التأشيرات يعتقدون بأن حقوقهم تم المساس بها، فإن منصة TLS Contact لا تكلف نفسها عناء القيام بأي تواصل كيفما كان نوعه، حول مسطرة إجراءات الشكاية مع المكلف بحماية المعطيات أو مع أي من القائمين على السلامة والمراقبة”.

تجاهل الاتحاد الأوروبي

وطالبت الهيئات المغربية الاتحاد الأوروبي بإعلان موقفه من هذه “الحالة المأساوية”، نظرا لأن الأمر يتعلق بتأشيرة شنغن، والتي تسمح لحاملها بالدخول إلى كامل أراضي الدول الأوروبية الموقعة على اتفاقية شنغن، والسماح للدول الأخرى الأعضاء لمنح تأشيرات تعطي الحق أيضا في الدخول إلى الأراضي الفرنسية.

وكانت المفوضية الأوروبية، أكدت بشأن الميثاق الجديد للهجرة واللجوء أنه “يمكن لكل دولة عضو إخبار المفوضية عند مواجهتها مشاكل كبيرة ومستمرة في إطار التعاون مع أحد بلدان العالم الثالث في شأن العودة الطوعية، فإن ذلك يحتم إجراء تقييم مخصص (ad hoc) على ضوئه يمكن للمفوضية أن تقترح تطبيق الإجراءات التقييدية للحصول على التأشيرة، وفي حالة حسن التعاون فإنها تقترح اعتماد تدابير مواتية ونهجا إيجابيا في هذا الصدد”.

ورغم أن مشروع الميثاق لا يزال قيد المناقشة، إلا الهيئات السياسية والحقوقية المغربية، اعتبرت أن الموقف الأوروبي من هذا الموضوع “تم التعبير عنه بكل وضوح، وأن القراءة الأوروبية للتصرفات الفرنسية العدائية هي متوقعة ومعروفة سلفا”، داعية في المقابل كل القوى الديمقراطية المناضلة في مجال حقوق الإنسان في المغرب، وفي فرنسا وأوروبا، وفي جميع أنحاء العالم للتحرك والتعبئة للتنديد وفضح هذه السياسة.

يشار إلى أن الهيئات الحقوقية والسياسية والمدنية الموقعة على البيان، هي معهد بروميثيوس للديمقراطية وحقوق الإنسان، والمنتدى المغربي للصحافيين الشبا، والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، وحركة بوصلة للمبادرات المواطنة، وجمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة، والوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وجمعية الشباب لأجل الشباب، إضافة إلى شابات من أجل الديمقراطية، ومنتدى الحداثة والديمقراطية، والهيئة الوطنية للشباب والديمقراطية، التي تضم في عضويتها 16 شبيبة حزبية.

هذا، وعلى الرغم من رسائل الترحيب المتبادلة بين المغرب وفرنسا لوضع حد لأزمة بين البلدين استمرت لأشهر، إلا أن تداعياتها أرخت بظلالها على العلاقات الاقتصادية.

وكانت الحكومة الفرنسية، أعلنت في 28 شتنبر من السنة الماضية، تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس، بدعوى “رفض الدول الثلاث إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين من مواطنيها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News