دولي

بعد انتهاء “شهر العسل” بين قصري الإليزيه والمرادية.. هل تُلغى زيارة تبون المبرمجة إلى باريس؟

بعد انتهاء “شهر العسل” بين قصري الإليزيه والمرادية.. هل تُلغى زيارة تبون المبرمجة إلى باريس؟

على الرغم من التفاؤل الذي ظهر بعد اجتماعهم، شهر غشت الماضي، يبدو أن العلاقات الفرنسية الجزائرية ستقوض مرة أخرى وتعود إلى النقطة الصفر، بعد أن طفت على السطح قضية ترحيل المعارضة الجزائرية أميرة بوراوي من تونس نحو فرنسا بعد تدخل دبلوماسي من هذه الأخيرة.

وأشعلت القضية خلافا دبلوماسيا بين الجزائر وفرنسا، بعد أن سحب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون سفير بلاده من فرنسا، وهي الخطوة التي تأتي بعد أسابيع قليلة من زيارة سعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، إلى باريس وتوقيعه اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، غير أن “شهر العسل” بين قصر الإليزيه وقصر المرادية سرعان ما انقلب إلى مأتم عند أول اختبار.

وسبق للرئيسين الفرنسي والجزائري، أن أجريا مكالمتين هاتفيتين رفيعتي المستوى، مشيدين بـ”الصداقة” التي تجمع بين البلدين، وهي المكالمات التي توجت بإعلان الرئاسة الجزائرية عن زيارة مرتقبة لرئيس البلاد عبد المجيد تبون، إلى فرنسا في ماي القادم، هي الأولى من نوعها له منذ وصوله الحكم في 2019، لكن هذه الزيارة باتت قاب قوسين من الإلغاء بسبب المستجدات الأخيرة.

في نهاية غشت 2022، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجزائر، حيث ترقب الجميع أن تطوي الزيارة صفحة الخلاف العميق بين المستعمِر والمستعمَر السابقين، لكن التصريحات الرسمية حول التعاون بين البلدين سرعان ما تلاشت، حيث اتضح أن الصراعات الخفية بين البلدين لا تزال قائمة.

وفي الوقت الذي برز الخلاف بين الجزائر وباريس إلى السطح مع قضية المعارضة أميرة بوراوي، يتضح أن هذه الحادثة ليست سوى الشجرة التي تخفي غابة من العوائق وسوء الفهم الذي يقوض العلاقات الثنائية مرة أخرى، وذلك بالرغم من العديد من جهود تحسين العلاقات من قبيل استئناف إجراء تسليم المواطنين غير الشرعيين الجزائريين أو إنشاء لجنة المؤرخين الفرنسيين والجزائريين، وكذا التعاون العسكري (الجيش وأجهزة المخابرات)، إضافة إلى التعامل مع الوضع في مالي.

وتطرح أسئلة كبيرة حول مستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية، وما إذا كان مصير الزيارة الرئاسية لعبد المجيد تبون إلى باريس سينتهي إلى الإلغاء، لا سيما وأن مثل هذه الزيارات تسبقها بالضرورة العديد من الترتيبات الضرورية والاجتماعات، وهو الأمر الذي لن يتأتى في ظل ما سيخيم على العلاقات من جمود بسبب ما أفرزته قضية أميرة بوراوي.

ويذكر أن أميرة بوراوي، التي أشعلت الأزمة بين البلدين، صحافية وطبيبة ومعارضة جزائرية تبلغ من العمر 46 عامًا وحاصلة على الجنسية الفرنسية، معروفة منذ مشاركتها في حركة “بركات” في عام 2014، حيث قادت حملة ضد الولاية الرابعة للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وحاولت عدة مرات مغادرة البلاد في الأشهر الأخيرة لزيارة ابنها المستقر في فرنسا، لكن بدون جدوى.

وسُجنت أميرة بوراوي في العام 2020 بتهم عديدة ثم أطلق سراحها في 2 يوليوز 2020. وهي تواجه حكما بالسجن لمدة عامين بتهمة الإساءة للإسلام بسبب تعليقات أدلت بها على صفحتها على موقع “فيسبوك”.

وشكل هروب المعارضة الجزائرية إلى فرنسا مصدر قلق جزائري، أشعل أزمة بين قصر الإليزيه وقصر المرادية، حيث احتج عبد المجيد تبون على تدخل فرنسا لتهريب المعنية، في وقت كانت تستعد دولة تونس لتسليمها إلى الجزائر بعد أن دخلت ترابها بطريقة غير شرعية هربا من قمع النظام الجزائري.

وبعد أن اعتقلت أميرة بوراوي، يوم الجمعة لدخولها الأراضي التونسية بطريقة غير شرعية، وتعرضها للتهديد بتسليمها إلى الجزائر، تمكنت من ركوب طائرة متجهة إلى ليون مساء الإثنين، بفضل تدخل الدبلوماسية الفرنسية لدى السلطات في تونس.

ووضعت الناشطة الجزائرية البالغة قيد الحبس الاحتياطي ومثلت الاثنين أمام القاضي الذي قرر متابعتها في حالة سراح وتأجيل قضيتها إلى 23 فبراير. وعلى الرغم من قرار الإفراج، تم نقلها إلى مركز شرطة حدودي وكان من المنتظر ترحيلها إلى الجزائر العاصمة في رحلة على السابعة من مساء الإثنين، وفقا للمحامي.

وأفاد بيان للخارجية أن الجزائر أصدرت مذكرة احتجاج رسمية، عبّرت فيها عن إدانتها الشديدة لانتهاك السيادة الوطنية من قبل موظفين دبلوماسيين وقنصليين وأمنيين تابعين للدولة الفرنسية، شاركوا في عملية تسلّل غير مشروعة لرعية جزائرية، يعتبر تواجدها على التراب الوطني ضروريا بقرار من القضاء الجزائري.

واعتبرت الجزائر في المذكرة الرسمية ذاتها، أن هذا التطوّر غير المقبول من الجانب الفرنسي، سيلحق ضررا كبيرا بالعلاقات الجزائرية الفرنسية.

وأفاد محامي الناشطة الفرنسي فرانسوا زيميراي أن موكلته تحت حماية السلطات الفرنسية، بينما أوضح محاميها التونسي هاشم بدرة أن موكلته “حرة وبصحة جيدة”.

ونوه زيميراي بـ”تحرك السلطات الفرنسية” من أجل موكلته التي كانت تخضع لمنع من مغادرة البلاد وتواجه عقوبة السجن لعامين في الجزائر، مؤكدا أن “موكلتي تعرضت لمحاولة خطف واحتجاز من جانب سلطات إنفاذ القانون في تونس بناء على طلب السلطات الجزائرية”.

وأورد “أعلنت بعد ظهر اليوم أنني لن أتردد في تقديم شكوى لدى نيابة باريس بتهمة الخطف والاحتجاز إذا لم يتم الإفراج عنها فورا، علما بأن القانون الفرنسي ينص على اعتبار الاعتقال التعسفي من جانب سلطة إنفاذ القانون جريمة. وهذا يندرج في اختصاص المحاكم الفرنسية حين يتم ارتكاب هذه الجريمة في الخارج بحق مواطن فرنسي”.

وبالمقابل أفادت “الشروق” الجزائرية، في روايتها التي لم تؤكدها مصادر رسمية إلى حدود اللحظة، أن “المعارضة الفارّة من العدالة” تم إجلاؤها إلى فرنسا عبر تونس، بتنسيق مع السفير الفرنسي في تونس، حيث كان في انتظارها بمطار ليون عقيد في المخابرات الفرنسية، قام بالتنسيق والتخطيط والتحضير لتسفيرها نحو فرنسا بطرق غير قانونية.

وأوردت رواية “الشروق” إنه “وفور وصول أميرة بوراوي، إلى مطار ليون، وبعد مراقبة وثائق سفرها من قبل الشرطة الفرنسية للمطار رفضت هذه الأخيرة التأشير على وثائقها ومنحها ترخيصا بدخول الأراضي الفرنسية، وقررت إعادتها إلى الوجهة التي قدمت منها وهو الفعل المتعامل به في حال عدم توافق ظروف المسافر مع الشروط المتعامل بها في البلد المستقبل”.

وتابعت الجريدة الجزائرية أن “قرار الرفض الصادر عن شرطة المطار بليون، أثار الشكوك والتساؤلات حول السبب الذي يكون قد حال دون الموافقة على دخول بوراوي التراب الفرنسي بتاريخ السابع من شهر فبراير الجاري، مع العلم أن المعنية كانت قبل دخول فرنسا قد سافرت إلى تونس بطريقة غير شرعية”، مضيفة أن “عملية الرفض سرعان ما تم القفز عليها بعد أن تدخل العقيد في المخابرات الفرنسية الذي كان ينتظر الناشطة في مطار ليون، حيث أنهى كل المعاملات وتمكن من إخراجها من المطار رغم قرار الشرطة الفرنسية التي رفضت المصادقة الرسمية على وثائق دخولها”.

وحول التهم الموجهة للمعارضة الجزائرية، قالت الصحيفة نفسها أن “أميرة بوراوي كانت قد تمت متابعتها قضائيا من قبل العدالة الجزائرية في قضية تتعلق بازدراء الدين الإسلامي، كما أن لديها قضايا أخرى تخص الحق العام، وصدرت بحقها قرارات قضائية تمنعها من مغادرة التراب الوطني”، وهي التهم التي يعدها حقوقيون مجرد غطاء من طرف السلطات الجزائرية لمعاقبة المعارضة.

وتشن الجزائر منذ انطلاق الحراك الجزائري، وقبله، حملة اعتقالات واسعة في حق النشطاء والمعارضين السياسيين، انتقاما منهم على انتقاداتهم للنظام الجزائري، وهي الحملة التي همت نشطاء سياسيين والعديد من الصحافيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News