رأي

إقحام الجزائر للسياسة في الكرة يستوجب العقاب

إقحام الجزائر للسياسة في الكرة يستوجب العقاب

تقوم العلاقات الدبلوماسية بين الدول على أساس رضائي وبالاتفاق بينها، حيث تنص المادة الثانية من اتفاقية فيينا  للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 على أن “إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول وإيفاد بعثات دبلوماسية دائمة يتم بالتراضي بين الأطراف”.

إن قيام العلاقات الدبلوماسية بين الدول وتبادل البعثات الدبلوماسية بينها يتم من أجل ممارسة مجموعة من المهام والوظائف والتي تتمثل أساسا، كما تشير إلى ذلك المادة 3 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، في؛ تمثيل الدولة المعتمدة لدى الدولة المعتمد لديها. وحماية مصالح الدولة المعتمدة وكذلك مصالح رعاياها لدى الدولة المعتمد لديها. والقيام  بالتفاوض مع حكومة هذه الأخيرة.

ويدخل ضمن مهام البعثة الدبلوماسية الاستعلام بكل الوسائل المشروعة و إطلاع الدولة المعتمدة بظروف وتطور الأحداث في الدولة المعتمد لديها وتقديم تقارير عن ذلك لحكومة الدولة المعتمدة. وكذلك العمل على  توطيد علاقات الصداقة وتنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية.. بين الدولة المرسلة والدولة المستقبلة للبعثة الدبلوماسية.

إن قيام العلاقات الدبلوماسية بين دولتين لا يعني أنها أبدية ولن تتوقف، فاستمرار هذه العلاقات رهين أيضا بإرادة الدول، كما أن  تجميدها أو إنهاءها أو قطعها وارد في أية لحظة، خاصة حينما يتوفر سبب معقول لذلك. وأسباب قطع العلاقات الدبلوماسية عديدة من بينها مثلا قيام الحرب بين دولتين توجد في كل منهما تمثيليات دبلوماسية دائمة، كما يمكن أن يأخذ قطع العلاقات الدبلوماسية العديد من الصور والأشكال.

تتعدد أيضا آثار قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول ومع ذلك يمكن أن نسجل ملاحظتين في غاية الأهمية:

الملاحظة الأولى: أن قطع العلاقات الدبلوماسية لا يؤدي بشكل اتوماتيكي إلى قطع العلاقات القنصلية، وهذا ما أكدته  الفقرة الثالثة من المادة الثانية من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لسنة 1963، حيث أشارت إلى” أن قطع العلاقات الدبلوماسية لايتضمن بصورة حكمية قطع العلاقات القنصلية”.

هذا ما ذهبت فيه العلاقات الجزائرية المغربية حين بادر “النظام” الجزائري إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب. حيث أكد  وزير الخارجية الجزائري “لعمامرة” بأن: “قطع العلاقات الدبلوماسية لا يعني أن يتضرر المواطنون الجزائريون والمغاربة، القنصليات تباشر عملها بصفة طبيعية”. وأضاف “نطمئن المواطنين الجزائريين في المغرب والمغاربة في الجزائر أن الوضع لن يؤثر عليهم. قطع العلاقات يعني أن هناك خلافات عميقة بين البلدين لكنها لا تمس الشعوب”!!.

من جانبها، أوضحت وزارة الخارجية المغربية أن المملكة المغربية “ستظل شريكا موثوقا ومخلصا للشعب الجزائري وستواصل العمل، بكل حكمة ومسؤولية، من أجل تطوير علاقات مغاربية سليمة وبنّاءة”.

بَيدَ أن ما وعد به النظام الجزائري- عبر تصريح “لعمامرة”- من تطمينات يتناقض مع الواقع كما تُجسد  ممارسات هذا النظام وسلوكه، ويظهر ذلك على ثلاثة مستويات:

المستوى الأول: أن العلاقات التجارية والاقتصادية.. لا تجرى بشكل مباشر وعادي، بل وضعت الجزائر عراقيل واضحة أمامها، فالمبادلات التجارية، على ضعفها، تسلك طرق أخرى وعبر خطوط بحرية وجوية تمر بدول أخرى، قبل أن تتم بين البلدين!.

المستوى الثاني: أن تنقُّل مواطني البلدين/والأجانب بين المغرب والجزائر يتطلب السفر عبر مطارات دول أخرى قبل الوصول إلى  البلدين!.

المستوى الثالث: أن تنقل الوفود والبعثات الرياضية والجمهور  الرياضي لا يتم عبر خط مباشر بين المغرب والجزائر، مما يعني إضرار السلطات الجزائرية بالشعبين(الجمهور المغربي والجزائري) وذلك عكس “التطمينات” والالتزامات التي قدمها النظام الجزائري في موضوع مصير العلاقات بين الشعبين، المغربي والجزائري- بعد قطع العلاقات الدبلوماسية.

الملاحظة الثانية: إن قطع العلاقات الدبلوماسية، لا ينهي بذاته حالة السلم بين الدولتين صاحبتي الشأن،  وتظل هذه الحالة قائمة قانونيا،  طالما أن النزاع الذي أدى إلى قطع العلاقات لم يتطور إلى صدام مسلح بين الطرفين.

وعلى ذلك فلا يمكن أن تترتب على مجرد قطع العلاقات الدبلوماسية نتائج مماثلة  لتلك التي تتبع قيام الحرب فعلا بين الدولتين المتنازعتين،  ولا تتأثر الالتزامات السابقة ارتباط كل منهما بها قبل الأخرى بقطع العلاقات مثلما تتأثر بحالة الحرب، إذ تظل المعاهدات المبرمة بينهما سابقا سارية المفعول ويظل الالتزام بما يخص رعايا كل من الدولتين واجب النفاذ في الحدود المقررة له.

إن توتر العلاقات المغربية الجزائرية، في الواقع، لم يصل إلى مستوى النزاع المسلح حتى يترتب  عنه إلغاء اتفاقيات التعاون الثنائية، لذلك فهذه الأخيرة-خاصة تلك التي تعنى بحقوق مواطني البلدين- يستوجب الأمر تفعيلها، مادام أن قطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر لم ينتج عنه قيام حالة الحرب، فهذه الأخيرة يمكنها أن تعطل اتفاقيات التعاون القائمة بين البلدين و لا يمكن التعامل بحسبها، وفق القانون الدولي، إلا بتوقيع اتفاقات جديدة، في الموضوع محل التعاون، بين الدولتين المتحاربتين.

وعليه،من الناحية القانونية، فالنظام الجزائري، اليوم، في وضعٍ يعتبر فيه منتهك ليس فقط للاتفاقيات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان وحرية التنقل والهجرة..، بل في حالة خرق للمقتضيات القانونية والالتزامات الناشئة عن الاتفاقيات المبرمة بين المغرب والجزائر، وبالخصوص في شقها المتعلق بحقوق مواطني البلدين في التنقل بكل حرية.. بينهما.

وإذا كان قطع العلاقات الدبلوماسية يعَدُّ مسألة تدخل في النطاق السيادي للدول، ومع ذلك فإن سلكه يقتضي تقديم مبررات معقولة، من أجل الحفاظ على  الاستقرار في العلاقات الدولية، فسيادة “سوء النية” سيدخل العلاقات الدولية في شك ويصبح العبث بالقانون الدولي وبالاتفاقيات الدولية أمر وارد، و في وضعٍ كهذا يكون احتمال اندلاع النزاعات والحروب قائم. وهذا سياق سيخلف،دون شك، ضحايا وضياع لمختلف الحقوق.. .

إن قطع العلاقات الدبلوماسية قد يتم بشكل منفرد أو يُبَاشَر بشكل جماعي، ويكون أيضا في إطار المنظمات الدولية، كما هو الأمر حينما تطبق قرارات تنص على عقوبات جماعية، كما تشير إلى ذلك المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد على إجراءات عقابية.. من بينها”.. قطع العلاقات الدبلوماسية..” مع الدولة إذا ما ارتكبت عدوانا أو إخلالا للسلم والأمن الدوليين أو تهديدا لهما.

ارتباطا بما سبق، هل من المعقول والمنطقي أن يشمل قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب مسائل تتعلق ب”لعبة” كرة القدم؟

ماهي القراءات الممكنة في موقف النظام الجزائري المتمسك برفض الترخيص لطائرة الخطوط الملكية المغربية بالتنقل عبر خط مباشر من المغرب نحو الجزائر في ظل قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؟

من المجازفة حصر الجواب في هذا الموضوع، في وجهة نظر واحدة، وهذا ما يجعلنا ننظر إليه  من خلال الزوايا التالية:

الزاوية الأولى: إذا أخذنا في الاعتبار أن مسائل الرياضة تدخل في نطاق الصلاحيات التي  تباشَر في جزء منها من طرف البعثات القنصلية(باعتبار هذه الأخيرة هي المسؤولة عن منح تأشيرة وجواز السفر، كما تؤكد على ذلك المادة5 من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لسنة 1961)، وإذا افترضنا أن العلاقات القنصلية بين المغرب لا تزال قائمة، فإنه من البديهي ومن الواجب على النظام الجزائري أن يسمح كما وعد على نفسه ألا يعرقل السير العادي لكل ما يدخل في نطاق عمل البعثات القنصلية سواء ما يخص التجارة أو ما يتعلق بتنقل المواطنين  أو الوفود الرياضية، ومنها تسهيل التنقل بين المغرب والجزائر برا وجوا وبحرا دون قيود.

الزاوية الثانية: البعثة الرياضية، بعثة لا تدخل في نطاق البعثات الدبلوماسية الخاصة التي تنطَبِق عليها اتفاقية البعثات الخاصة للأمم المتحدة، فهذه الأخيرة  تخضع لنظام الحصانات والامتيازات التي يرتبها القانون الدبلوماسي بشكل عام، باعتبار رئيسها(البعثة الدبلوماسية الخاصة) يتمتع بصفة تمثيل الدولة. عكس البعثة الرياضية(كرة القدم) التي تخضع لقواعد القانون الدولي الأخرى بما فيها لوائح “الفيفا” والاتحاد الافريقي لكرة القدم والتي تفترض الحياد في مثل هكذا نوع من البعثات( الرياضية/كرة القدم).

الزاوية الثالثة: كرة القدم حسب قوانين “الفيفا” والاتحاد الافريقي يجب أن تبقى “بعيدة” ومنفصلة عن السياسة.هذا ما لم يقوم به النظام الجزائري  الذي أدخل قصدا وعن سابق إصرار وترصد أمور ذات طابع سياسي في الشأن الكروي، أين يتجلى ذلك:

-إن قطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر يدخل ضمن المسائل السياسية، واتخاذ “النظام” الجزائري لقرار يمنع تحليق الطائرات المغربية فوق أجوائها يعتبر قرار سياسي بطبيعته، وهو ناتج عن “توقفٍ” في العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين.

– منع تحليق الطائرات المغربية فوق الأراضي الجزائرية مسألة “سيادية” تدخل في نطاق الشأن السياسي الداخلي للجزائر، ومع ذلك لا بد من مراعاة أمرين في غاية الأهمية أثناء اتخاذ قرار من هذا القبيل:

الأول: لايجب أن يتم قرار منع تحليق الطائرات، خاصة المدنية بمعزل عن القانون الدولي، خاصة ما تكفله الاتفاقيات الدولية والمعاهدات الدولية  كاتفاقيات  شيكاغو لسنة 1944للطيران المدني وما تحفظه للدول وكذا الأفراد من حقوق، للمواطنين والأجانب، والذين يريدون التنقل من وإلى  البلدان التي توجد في حالة قطع للعلاقات الدبلوماسية. ولا يمكن إلا أن نذكر في هذا السياق بحقوق الجماهير(كرة القدم ) التي يمكن أن تتنقل إلى الجزائر والتي يفترض أن توفَّر لها كافة التسهيلات والحماية في ذلك.

وعليه فاتخاذ إجراء قطع العلاقات الدبلوماسية، خاصة حينما يكون من جانب واحد(كما فعلت الجزائر)يعد عملية تعسفية، وهي عملية تزداد تعسفا وخطورة  حينما تمتد لشؤون كرة القدم، لذلك فإغلاق الجزائر منافذها البحرية والجوية والبرية مع المغرب، هو بمثابة “انتهاك خطير لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان”. فالعلاقات بين الدول وفق ميثاق الأمم المتحدة تبنى على حسن النية، وليس من حق الدولة في حال قطعها علاقات دبلوماسية مع دولة أخرى أن تمس حقوق مواطنيها(وحقوق مواطني الدول الأخرى) بفرض عقوبات جماعية عليهم.

الثاني: أن من حق دولة منع تحليق طائرات دولة أخرى فوق أراضيها لكن هذا الأمر يصح في حالتين:

الحالة الأولى: إذا كانت هناك عقوبات من طرف منظمة الأمم المتحدة ضد دولة ما، تهدد السلم والأمن أو تقوم بأعمال العدوان، ففي هذه الحالة إذا اتخذت المنظمة الأممية عقوبات ضد هذه الدولة فعلى الدول الأخرى تقديم العون للأمم المتحدة لردع الدولة التي تهدد السلم والأمن الدولي وتقديم كافة المساعدات لها بما فيها منع تحليق طائرات الدولة/المعتدية  فوق اراضيها.

الحالة الثانية: إذا كانت الرحلات تدخل في إطار ثنائي لا يدخل فيها أي طرف ثالث، خاصة إذا كان هذا الطرف منظمة دولية تعنى بشؤون كرة القدم.

لكن إذا كان الأمر يرتبط بشؤون كرة القدم  في إطار “الفيفا” و اتحاداتها ك” الكاف”، فلا يحق لأي دولة أن تمنع تنقل الطائرات أو تغلق الأجواء في وجه الفُرق والمنتخبات لأسباب سياسية، فهذا الأمر فيه مخالفة لقوانين “الفيفا” المنظمة للعبة، فالاتحاد الدولي لكرة القدم مالبث يذكر في كل مرة بضرورة الفصل بين السياسة وكرة القدم، ويصر بشكل مستمر ودائم على أن “تُديرُ اتحادات كرة القدم في كل الدول شؤونها بصورة مستقلة ولا يسمح بأي تدخل حكومي في هذه الشؤون”.

لذلك تذكر “الفيفا” في كل مرة ب”مبدأ الفصل بين السياسة وكرة القدم”،كمثال على ذلك بيان(سابق) على الموقع الرسمي للفيفا يقول”ردا على حالات مختلفة من التدخل السياسي، نطالب بإظهار الاحترام للشؤون الداخلية للمنظمة، ووقف التدخل السياسي في شؤون كرة القدم”.

كما أكد “جياني إنفانتينو”، رئيس “الفيفا”، ما مرة على عدم قانونية إقحام السياسة في الرياضية، مؤكداً أن الجمع بينهما لا يتوافق مع قانون اللعبة وتوجيهات «الفيفا». وقال في العديد من التصريحات، “..أنه ينبغي عدم الزج بالسياسة في كرة القدم أو الزج بكرة القدم في السياسة”.

إن الجزائر ذهبت ضد كل ما تفترضه “الفيفا”، من حياد في مجال كرة القدم، وفرضت حظرا على انتقال المنتخب الوطني المحلي إلى الجزائر  عبر خط مباشر بسبب قرار سياسي يمنع تحليق الطائرات المغربية في الأجواء الجزائرية.

ورغم أن المغرب طالب بحل هذا المشكل، عن طريق مراسلة الجامعة الملكية المغربية ل “الكاف” تطالب فيها بضرورة فتح خط جوي مباشر في وجه طائرة الخطوط الملكية المغربية التي ستنقل المنتخب المغربي، لأقل من 23 سنة بين العاصمة المغربية الرباط ومدينة قسنطينة الجزائرية المحتضنة لمبارياته في منافسات بطولة الشان، فإن الجزائر رفضت هذا الطلب، مما يعني أن الجزائر أقحمت موضوع سياسي” قطع العلاقات الدبلوماسية”- الذي ترتب عنه حظر الطيران المغربي فوق الأجواء الجزائرية- في موضوع “كروي” ضدا على قوانين “الفيفا” وتوجيهاتها بإلزام الحكومات بعدم التدخل في شؤون الكرة!.

أكثر من ذلك فالاتحاد الافريقي تنص قوانينه”على ضرورة تسهيل ظروف المنتخبات المشاركة في البطولات التي تشرف على تنظيمها” وهذا ما ذكر به المكتب المديري للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم

في مراسلة للكونفدرالية الإفريقية للعبة ذاتها بخصوص “احترام بنود دفتر التحملات لاستضافة البطولات الإفريقية فيما يخص تسهيل ظروف المنتخبات المشاركة في بطولة “الشان”.

وفي حالة عدم إقرار خط جوي مباشر إلى مدينة قسنطينة، التي ستستضيف مباريات النخبة المغربية في هذه البطولة، عبر رحلة مباشرة انطلاقا من العاصمة الرباط بطائرة خاصة للخطوط الملكية المغربية الناقل الرسمي للمنتخبات الوطنية، فقد قرر المكتب المديري بالإجماع عدم المشاركة في هذه البطولة.

في محاولة للالتفاف على قوانين “الكاف” كان رئيس “لجنة التنظيم الجزائرية” لبطولة “الشان”، قد قال”..إنه لا يوجد أي بلد أخطرَ الهيئة التي يقوم عليها بغيابه عن الدورة، .. أن الدولة المنظمة ليست ملزمة بضمان تنقل الفرق المشاركة من الخارج”، ثم أضاف ” أن لوائح الاتحاد الأفريقي لا تلزم مستضيف البطولة بضمان تنقل الفرق المشاركة من خارج البلاد، وقال “نحن ملزمون فقط بضمان تنقل الفرق داخليا بين الولايات”!!

في الواقع تصريح من هذا القبيل يدخل في نطاق الحمق والجنون الذي أصاب كل من يعبر عن “وجهة نظر” النظام الجزائري!، فكيف لك أن تغلق المجال الجوي في وجه طائرة المنتخب المغربي وتقول أن الجزائر مسؤولة فقط “داخليا بين الولايات”؟!

بكل بساطة السؤال هنا أليس الفضاء الجوي لهذه “الولايات” يدخل ضمن السيادة الإقليمية للجزائر؟ من المسؤول عن هذا الفضاء؟ كذلك كيف يمكن للطائرة المغربية- التي تنقل فرَضًا المنتخب الوطني لكرة القدم- أن تصل إلى الداخل الجزائري وهي ممنوعة عليها أن تدخل أجواء الفضاء الجوي الجزائري؟

لنفترض، مثلا، أن كل الدول المحيطة بالجزائر قَطعت علاقاتها الدولية مع المغرب وحَظَرت أجواءها عن الطائرات المغربية أنذاك كيف يمكن للطائرة المغربية أن تصل إلى الجزائر لمشاركة الوفد الذي تقِلّه في تظاهرة رياضية- الشان- تجرى في إطار الاتحاد الأفريقي الذي تمنع قوانينه؛ أولا تقديم الاتحادات الوطنية كل التسهيلات الضرورية للمنتخبات المشاركة، وثانيا تمنع إقحام السياسة في كرة القدم؟!!

إن رفض “النظام” الجزائري الترخيص للطائرة المغربية التي كانت من المفترض أن تنقل المنتخب المغربي نحو قسنطينة  هو قرار سياسي اتخذته السلطات الجزائرية هدفه عرقلة السير العادي للمنتخب المغربي، من أجل عدم الوصول في ظروف مريحة إلى حيث يشارك في المنافسات الخاصة ب”الشان” المنظمة بالجزائر.

فهذا الموقف الجزائري فيه خرق لمقتضيات”القانون الدولي” التي تُعنى بتنظيم شؤون كرة القدم سواء تلك التي تخص “الفيفا” أو تلك التي تعني الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، ومن ثمة فسلوك الجزائر في الواقع يجب أن تترتب عنه عقوبات على الاتحاد الجزائري لكرة القدم.

في هذا السياق يجدر التذكير  بأن إقحام السياسة في مجال كرة القدم كان ممنوعا منذ القِدم، في قوانين كرة القدم، فبالرغم أن الفيفا أحينا تتعاطى بمعايير مزدوجة فيما يخص مبدأ “عدم إقحام السياسة في كرة القدم”(كما هو الأمر في تجميد عضوية روسيا في “الفيفا”لأسباب سياسية/العدوان على أوكرانيا)، فإن الثابت والقاعدة الآمر في شؤون الرياضة/كرة القدم هو الفصل بين السياسة وشؤون الكرة، والاتحادات (وحتى اللاعبين ) التي تتجاوز هذا المبدأ (الحياد) تتعرض لعقوبات مختلف تتراوح بين الغرامات المالية وتجميد العضوية وتعليقها وتوقيفها.

فمثلا خلال عام 1958، عاقب الاتحاد الدولي لكرة القدم، المنتخب المغربي، بسبب لعبه، لمباراة تضامنية، ضد فريق “جبهة التحرير الوطني الجزائري لكرة القدم، الذي لم يكن معترفا به آنذاك من قبل قوانين “الفيفا”.حيث جمدت  هذه الأخيرة عضوية المغرب بسبب التضامن مع منتخب “جبهة التحرير الجزائرية”.

سبق أيضا ل”الفيفا” أن اتخاذ عقوبات وصل بعضها إلى عقوبة الإيقاف بحق اتحادات محلية على خلفية التدخل السياسي، كمثال على ذلك:قيام الـ”فيفا” عام 2014، بتغريم الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم بمبلغ 30 ألف فرنك سويسري، بسبب وقوف اللاعبين أمام لافتة كُتب عليها “جزر فوكلاند أرجنتينية “(الجزر متنازع عليها بين الأرجنتين وبريطانيا) باللغة الإسبانية، خلال مباراة ودية أُقيمت في العاصمة الأرجنتينية.كما تم إيقاف الاتحاد الكويتي عام 2015. أعلن الا تحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)  2017  أنه  أوقف الاتحاد “المالي” لكرة القدم بسبب التدخل الحكومي في إدارة شؤون اللعبة.. .

لذلك فإذا ما تأكد رسميا رفض الجزائر(إلى حدود اللحظة ليست هناك مراسلة رسمية أو اشعار من اتحاد الجزائر  للكاف ولايوجد سوى ما تتداوله الصحافة في هذا الموضوع) الترخيص للطائرة المغربية لنقل الفريق الوطني مباشرة إلى الجزائر، فإن على “الفيفا” وكذا الاتحاد الأفريقي لكرة القدم أن يتخذا ما يلزم من الإجراءات والعقوبات ضد اتحاد الجزائر لكرة القدم، لمخالفته القوانين المنظِّمة والمرتبطة بلعبة كرة القدم، وكل ما يرتبط بها، وفي مقدمة هذه العقوبات(التي قد تصل إلى توقيف العضوية في المنظمين “الكاف”و “الفيفا”) رفض طلب الجزائر للمنافسة حول تنظيم بطولة كأس إفريقيا لسنة 2025، لكون الجزائر أصبحت غير مؤهلة لتنظيم تظاهرات من هذا القبيل، بسبب عدم احترامها ل”دفتر التحملات” الخاصة ب”الكاف” وضوابط “الفيفا” ذات الارتباط بتنظيم  منافسات كرة  القدم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News