اقتصاد | سياسة

المجلس الاقتصادي يُعري “فشل” السياسات الحكومية في الحد من الاقتصاد غير المنظم

المجلس الاقتصادي يُعري “فشل” السياسات الحكومية في الحد من الاقتصاد غير المنظم

كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي و البيئي، عن قصور ومحدودية السياسات العمومية المعتمدة لحد الآن في التقليص بشكل ملموس من الاقتصاد غير المنظم، وذلك بسبب طابعها المشتت وغياب استراتيجية وطنية منسجمة ومندمجة .

وسجل المجلس ضمن تقرير له في إطار إحالة ذاتية، أن “أغلب التدابير المتخذة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بوصفها سياسة ذات طابع عرضاني، كانت ترمي أساسا إلى الحد من الفقر ومكافحة الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي والنهوض بالأنشطة المدرة للدخل، لكن دون أن تنصب بالضرورة على تشجيع مسلسل الانتقال إلى القطاع المنظم، باستثناء بعض التدابير التي همت فئات معينة مثل الباعة المتجولين”.

وأوضح التقرير الذي ناقش مضامينه أمس الاثنين مجلس المستشارين بحضور رئيس المجلس الاقتصادي أحمد رضا الشامي ورئيس الغرفة الثانية النعم ميارة، أن “بعض السياسات، على أهميتها، لا تعالج سوى جوانب معينة من إشكالية الاقتصاد غير المنظم”، مشيرا إلى أنه  “على سبيل المثال تنصب الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي، وبرنامج انطلاقة بشكل أكبر على الجوانب المتعلقة بالتمويل والادخار وتقليص تداول النقد”.

ولفت تقرير مجلس الشامي المعنون بـ ” مقاربة مندمجة للحد من حجم الاقتصاد غير المنظم بالمغرب”، إلى أن بعض التدابير المعمول بها في هذا المجال، تتضمن مقتضياتٍ قانونية ومسطرية قد تحول دون أن تحقق الأثر المتوقع منها، من قبيل الشروط التقييدية المفروضة على وضع المقاول الذاتي.

وأشار المصدر ذاته، إلى في بعض الأحيان تُطرح مشاكل في التنسيق والالتقائية بين تدابير ومبادرات مختلف السلطات العمومية، على غررا القرار المتخذ بشأن إغلاق معبري سبتة ومليلية في وجه أنشطة التهريب، مؤكدا أن” إغلاقهما كان أمرا ضروريا، غير أن هذا الإغلاق كان ينبغي أن يتم التحضير له بشكل أفضل من خلال توفير بدائل مستدامة لليد العاملة الهشة المتواجدة هناك التي تتعيش من التهريب”.

من جهة أخرى، توقف تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي، عن العوامل التي تيسر الولوج إلى الاقتصاد غير المنظم وتحافظ على جاذبيته، معتبرا أن “التغاضي عن الأنشطة غير المنظمة وكذا الإشكاليات المطروحة على مستوى فعلية القانون، يؤدي إلى استمرار الاقتصاد غير المنظم، ويسمح لوحدات إنتاجية غير منظمة وكذا لمقاولات مهيكلة تمارس أنشطة مستترة أو غير مشروعة، بجني الأرباح بكيفية غير مشروعة مع استغلال يد عاملة ذات وضعية هشة وتشغيلها خارج نطاق القانون، والتهرب من أداء أي التزام والقيام بمنافسة غير شريفة للمقاولات العاملة في القطاع المنظم.

واعتبر المجلس الاقتصادي، أن الحجم المهم للتداول والأداء نقداً  في المعاملات في المغرب من بين العوامل التي تساهم في تنامي أنشطة الاقتصاد غير المنظم والأنشطة غير المشروعة في اقتصادنا (تبييض الأموال، التهريب). مسجلا  أن وضع الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي من شأنه أن يحد من هذه الظاهرة على المدى الطويل.

وأكد مجلس الشامي، أن الاقتصاد غير المنظم، ما يزال يوفر بالنسبة لبعض الفاعلين مرونة واستقلالية أكثر في الاشتغال، حيث  يعتبر حوالي 75 في المائة من رؤساء الوحدات الإنتاجية غير المنظمة أن مزاولة نشاط في إطار غير منظم تنطوي على مزايا. وتتجسد هذه المزايا حسب 42.5 في المائة منهم في المرونة في ساعات العمل، فيما يراها 18 في المائة منهم في الاستقلالية.

في المقابل، أوضح التقرير، أن من ضمن العوامل التي تعيق الولوج إلى الاقتصاد المنظم وتقلص من جاذبيته ،ضعف مستوى تأهيل شراح واسعة من الساكنة النشيطة الذين يفتقرون للحد الأدنى من المهارات التي تتطلبها فرص الشغل المتاحة في القطاع المنظم، مما يؤدي إلى لجوء هؤلاء إلى الاشتغال في الاقتصاد غير المنظم .

وأشار المصدر ذاته، إلى وجود مشاكل في تنظيم المهن تعيق تحديثها وإدماجها في القطاع المنظم، فضلا عن ضعف تمثيلية الفاعلين العاملين بالاقتصاد غير المنظم (المشغِّلون)، وأحيانًا التعدد المفرط للمتحدثين باسم بعض القطاعات، وهي عوامل تضعف من جهود إسماع صوتهم وإيصال حاجياتهم وانتظاراتهم إلى السلطات العمومية أو تعيق الحوار بين الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين.

وقال المجلس الاقتصادي، إن المنظومة الجبائية تعتبر غير متلائمة بالقدر الكافي مع قدرات معظم الوحدات الإنتاجية غير المنظمة، وهو ما يضعف من جاذبية القطاع المنظم: ضغط ضريبي أعلى مما هو عليه في العديد من البلدان ذات الدخل المتوسط، وموزع بطريقة غير منصفة، معتبرا أن إطلاق المساهمة المهنية الموحدة سنة 2021 يمكن أن يشكل خطوة إلى الأمام لتيسير إدماج الوحدات الإنتاجية غير المنظمة في القطاع المنظم.

وسجل المجلس وجود منظومة للحماية الاجتماعية غير دامجة بالقدر الكافي وغالبا ما تعتبر مرتفعة التكلفة مقارنة بقدرات بعض الفاعلين بالاقتصاد غير المنظم، دون إغفال تعقد مسلسل التفاوض مع كل مهنة على حدة، لافتا إلى  أن إرساء الواجبات التكميلية المواكبة للمساهمة المهنية الموحدة، فضلا عن إطلاق ورش تعميم التغطية الاجتماعية من شأنه أن يمكن تسريع ولوج هذه الفئات من العاملين بالاقتصاد غير المنظم إلى الحماية الاجتماعية.

وخلص مجلس الشامي، إلى وجود صعوبات في الولوج إلى التمويل رغم الجهود التي بذلت في السنوات الأخيرة، حيث يشير مسؤولو القطاع المالي، -وفق جاء في التقرير- إلى أن المشاريع المعروضة عليهم للتمويل يعوزها أحيانا ما يكفي من الجودة والإحكام، في حين يشير المقاولون في الاقتصاد غير المنظم لاسيما المستقلون والحرفيون، وحتى المقاولون الذاتيون وكذا المقاولات الصغيرة جدا العاملة في القطاع المنظم إلى أن الولوج إلى التمويل البنكي يشكل أحد المعيقات الرئيسية التي تواجههم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News