صوت الجامعة

هَجْر الطلبة للمكتبات وهيمنة “البوليكوبات” على الدرس الجامعي يسائل ميداوي

هَجْر الطلبة للمكتبات وهيمنة “البوليكوبات” على الدرس الجامعي يسائل ميداوي

في خطوة تعكس إلحاحا متزايدا على إصلاح منظومة التعليم العالي بالمغرب، وجه النائب البرلماني عمر أعنان سؤالًا كتابيًا إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عز الدين الميداوي، حول ما وصفه بـ”التدهور المتواصل لوضعية المكتبات الجامعية وتراجع أدوارها الأساسية في دعم التكوين ونشر المعرفة، خاصة في ظل هيمنة المطبوعات (البوليكوبات)”.

وسلط أعنان الضوء، في سؤاله الذي توصلت جريدة “مدار21” الإلكترونية بنسخة منه، على ما يشبه القطيعة المتزايدة بين الطلبة ومكتبات مؤسساتهم الجامعية، مشيرًا إلى أن هذه الأخيرة أصبحت فضاءات صامتة مخصصة فقط للمراجعة الفردية أو التحضير للامتحانات، دون أي استثمار فعلي للرصيد الوثائقي المتوفر داخلها.

واعتبر البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن الإقبال على استعارة الكتب والمراجع بات شبه منعدم، كما أن بحوث نهاية التكوين لا تُستغل في الغالب إلا لأغراض شكلية، من قبيل النسخ أو الاقتباس المباشر، في غياب لأي تفاعل نقدي أو تطوير فكري من طرف الطلبة.

ويعكس هذا الواقع، بحسب أعنان، خللًا بنيويًا في العلاقة بين الطالب والكتاب، وبين الجامعة والمعرفة، خاصة في ظل هيمنة نمط تعليمي يُختزل في المطبوعات الدراسية التي يقدمها عدد من الأساتذة (البوليكوبات)، والتي تحولت إلى المرجع الوحيد للتحضير للامتحانات، بدل أن تكون مجرد أرضية أولية تحفز على البحث والاستكشاف الشخصي.

وتحدث النائب عن غياب لافت لتوجيهات بيداغوجية من طرف بعض الأساتذة، الذين لا يضعون بين أيدي طلبتهم لوائح مراجع موثوقة، ولا يشجعونهم على ارتياد المكتبة واستثمار مواردها المتنوعة.

كما نبّه إلى أن هذا الوضع لا يُضعف فقط وظيفة المكتبات الجامعية، بل ينعكس بشكل مباشر على جودة التكوين الأكاديمي، ويؤثر سلبًا على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتبار أن الطلبة الذين لا يتوفرون على بيئة معرفية محفزة داخل الجامعة يجدون أنفسهم في وضع غير متكافئ أمام زملائهم الذين قد يتوفرون على بدائل معرفية خارج الجامعة، سواء عبر الوسائط الرقمية أو الموارد الخاصة.

وفي سياق متصل، أشار أعنان إلى بعض المبادرات التي تم اتخاذها على مستوى عدد من المؤسسات الجامعية، والتي همّت إحداث مكتبات رقمية في إطار تكييف العرض المعرفي مع التحولات الرقمية وتلبية حاجيات الجيل الجديد من الطلبة.

ورغم أهمية هذه الخطوة، إلا أن فعاليتها تظل محدودة، حسب تعبيره، إذا لم يتم إرفاقها برؤية تربوية واضحة تدمج المكتبة، سواء الورقية أو الرقمية، في صلب العملية التعليمية، وتربطها بشكل مباشر بالأنشطة البيداغوجية والتقييمية.

وشدد النائب البرلماني على أن الرهان اليوم لم يعد فقط على توفير بنية تحتية أو محتوى معرفي، بل على بلورة تصور متكامل يعيد الاعتبار لدور الأستاذ كفاعل مركزي في توجيه الطلبة نحو مصادر التعلم، وتقوية مهاراتهم في البحث والتنقيب، وتحفيزهم على الانخراط الواعي في دينامية التكوين الجامعي.

وأبرز أن الأستاذ مدعو، أكثر من أي وقت مضى، إلى تقاسم الروابط الرقمية والمصادر الأكاديمية مع الطلبة، ودمج المكتبة ضمن آليات الاشتغال اليومي داخل الفصل الدراسي وخارجه.

وفي ختام سؤاله، دعا عمر أعنان الوزير الوصي إلى توضيح الرؤية التي تعتمدها الوزارة للنهوض بوضعية المكتبات الجامعية، والإجراءات العملية التي تعتزم اتخاذها لإعادة الاعتبار لهذه المؤسسات المعرفية، بما يعزز دورها في دعم جودة التعليم العالي، ويعيد للجامعة المغربية مكانتها كفضاء منتج للفكر والمعرفة.

وتأتي هذه المطالب البرلمانية في سياق وطني يتسم بتعدد النقاشات حول إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي، وسط دعوات أكاديمية ومجتمعية إلى تجديد المنظومة برمتها، بما يضمن الارتقاء بجودة التكوين وتحقيق العدالة المعرفية بين جميع الطلبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News