اجتهادات قضائية تنزع عن المقاول الذاتي صفة الأجير وتعترف بالتواصل المهني بالواتساب

حسم قرار لمحكمة النقض الجدل المتعلق بالعلاقة المؤطرة للتعاون بين مقدمي الخدمات من المقاولين الذاتيين والمقاولات المشغلة، معتبراً أن إبرام عقد “تقديم خدمات” بين مقاول ذاتي ومقاولة لا يمكن اعتباره عقد شغل.
ويثير هذا الموضوع الكثير من الجدل بعدما تبيّن أن عدداً من المقاولات العمومية والخاصة فضلت الالتفاف على قانون الشغل المغربي، عبر توظيف أجراء بعقود “مقاولين ذاتيين”، حارمة إياهم من العديد من الحقوق والامتيازات التي يضمنها القانون السالف، بحيث يدفع الهروب من مثالب البطالة العديد من الشباب للقبول بهذه الصيغة المجحفة.
وكان هذا التحايل قد دفع الحكومة منذ سنتين، في إطار قانون المالية 2023، إلى إقرار تدبير جبائي جديد ينص على تحميل المقاول الذاتي أداء 30 في المئة من رقم معاملاته الذي يفوق 80 ألف درهم مع نفس الزبون، بعد أن دأب المقاولون الذاتيون على أداء 1 في المئة كضريبة على رقم معاملاتهم ربع السنوية.
ويتم تحصيل هذه الضريبة عبر الحجز من المنبع، بعدما تم إجبار المقاولين الذاتيين على إحداث حسابات بنكية خاصة بالمقاول الذاتي ومنعهم من التعامل مع “زبنائهم” عبر حساباتهم البنكية الشخصية.
وخلفت هذه التدابير الجديدة حالة من التذمر في صفوف المقاولين الذاتيين، الذين طالبوا برفع الرقم إلى 100 ألف درهم على الأقل برسم قانون المالية 2025، وهو ما ووجه برفض الحكومة، كما عمدوا لمناقشة وضعياتهم مع “الزبون/المشغل” لتوضيح الإطار التعاقدي وترقيته إلى عقد شغل، بعدما أصبحت القيود الجديدة خانقة على نظام المقاول الذاتي.
وفي هذا السياق، توصلت المحاكم المغربية بالعديد من القضايا طرفاها المتنازعان مقاولة مشغلة وأجير في ثوب “مقاول ذاتي”، ومن بين النماذج على ذلك، ما كشف عنه الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، بمناسبة افتتاح السنة القضائية لسنة 2025 – أول أمس الأربعاء بالرباط.
وأكد المسؤول ذاته أن قرار الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض، عدد 887/1 بتاريخ 29/10/2024 في الملف الاجتماعي عدد 2995/5/1/2024، قد قضى بكون “العقد المبرم مع مقاول ذاتي ليس عقد شغل لانعدام عنصر التبعية فيه بين صاحب المقاولة والمقاول الذاتي”.
“واتساب” أداة تواصل معترف بها داخل المقاولة
وفي سياق متصل بميدان الشغل، كشف عبد النباوي عن اجتهاد قضائي آخر يعترف بتطبيق “واتساب” بوصفه أداة كفيلة بإشعار المشغل بالتغيب المرضي، وذلك وفقاً لقرار الغرفة الاجتماعية عدد 46/1 بتاريخ 23/01/2024 في الملف عدد 237/5/1/2023).
وقال خلال المناسبة ذاتها: “قضت الغرفة الاجتماعية أن تغيُّب الأجيرة عن العمل ستة أيام خضعت خلالها لعملية جراحية لاستئصال ورم من الدماغ، أعقبتها بشهادتين طبيتين مدتهما 34 يوماً، وجهتهما إلى المشغلة عن طريق تطبيق واتساب الذي تم الاعتياد على استعماله في المراسلات من طرف المقاولة”.
وأضاف “فتوصل بهما الإطار المسؤول في المقاولة، مما يفيد علم هذه الأخيرة بسبب الغياب الذي لم تنازع فيه، مما يجعل ادعاء المشغلة بكون الأجيرة قد غادرت عملها بصورة تلقائية ودون إشعار، ناقصَ التعليل الموازي لانعدامه ويعرض القرار الاستئنافي للنقض”.
وتفاعلا مع الموضوع، أكد المحامي والخبير في قانون الشغل، ياسر السملالي، أن القرار يأخذ بعين الاعتبار كون المقاولة المعنية تلجأ بشكل منتظم لاستخدام تطبيق “واتساب” في عملية التواصل مع أجرائها، وهو أمر اعتُبر حاسماً في الحكم.
وشدد الخبير على أن هذا الاجتهاد القضائي يعتبر تحولا في مجال الاعتراف بالأدوات الرقمية في العلاقات الشغلية، ويذكر بأهمية تكييف الممارسات القانونية مع الأدوات الرقمية الحديثة التي صار حضورها في الفضاء المهني متزايداً.
كما قال إن هذا القرار يفسح المجال لتفكير أشمل في موضوع تطور وسائل التواصل داخل المقاولات، والكيفية التي ينبغي للقانون أن يواكب بها هذه التحولات لضمان حقوق الأجراء مع أخذ حاجيات المقاولات في الاعتبار.