تحديات تحول دون ترشيد استخدام الموارد المائية في النشاط الفلاحي

أجمع مختصون في الشأنين الفلاحي والمائي على أن القطاع الفلاحي يستحوذ على حوالي 80 في المئة من الاستهلاك المائي بالمغرب، ما يستلزم تركيز سياسات ترشيد الموارد المائية حول هذا القطاع.
ودخل المغرب منذ بضع سنوات في حالة “إجهاد للموارد المائية”، ما دفع الحكومة لإعداد برنامج وطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، واتخاذ سلسلة من التدابير الصارمة لترشيد استخدام هذا المورد الحيوي.
وأكد المهندس الزراعي، محمد علي حاتمي، خلال ندوة افتراضية من تنظيم مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير، حملت عنوان “تعزيز الأمن المائي والغذائي”، اليوم الأربعاء، أن التحديث الفلاحي الذي عرفه المغرب منذ بداية القرن الجاري أدى إلى تداعيات إيجابية على القطاع الفلاحي، وأخرى سلبية على مستوى المياه.
واتسم هذا التحديث، وفقا للمتحدث، بالتركيز على تقنية الري بالتقطير، التي حظيت بدعم عمومي كبير، ما أتاح للمغرب التمركز في مكانة مرموقة على مستوى سلسلة الخضراوات، وزيادة مردوديته الفلاحية.
بيد أن هذه التقنية ساهمت أيضا في تضاعف المساحة المسقية، فأدى ذلك إلى نتيجة عكسية في ما يتعلق باستنزاف المياه.
من جانب ثانٍ، أضاف الخبير أنه لم تتم مواكبة الفلاحين تقنياً بالشكل المطلوب، فلوحظ سوء استخدام لهذه التقنيات الحديثة، مُحيلاً على دراسات اكتشفت تباينا شديداً في فعالية تقنية التقطير بين الضيعات الفلاحية المختلفة، وكون بعضها يستهلك من المياه ما لا يقل عن استهلاك الري السطحي أو “التقليدي”.
ويعد استخدام المياه العادمة في النشاط الفلاحي أحد الحلول الممكنة لتخفيف الضغط على الموارد المائية التقليدية، غير أن هذا الحل يصطدم بالعديد من التحديات وطنيا.
بهذا الصدد، لفتت سلمى بوغراني، المديرة العامة لمؤسسة “Green Watech” المتخصصة في معالجة وتدوير وإعادة استخدام المياه العادمة، إلى أن المجال القروي يفتقر للبنيات التحتية الضرورية لتحصيل ومعالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها في النشاط الفلاحي، مبرزة أن “هناك غياب شبه كلي لأنظمة التجميع”.
وأشارت إلى أنه في سنة 2023، تم تجميع حوالي 450 مليون متر مكعب من المياه العادمة، وهو ما يعادل 85 في المئة من إنتاج الحواضر، غير أن هوة كبيرة تفصل بين حجم المياه المُجمّعة وما تتم معالجته منها.
“المعالجة على مستوى مدينة الدار البيضاء مثلاً ليست متقدمة على النحو الكافي لإعادة استخدام كل المياه المجمعة” تؤكد المتخصصة، موضحة أن هذه المياه توجه خصوصا لسقي المساحات الخضراء داخل المدن بدل استخدامها في النشاط الفلاحي، المستهلك الأول للمياه وطنيا.
ولا يخفى على الخبراء أن العجز الحاصل في انفتاح الفلاحين المغاربة على التكنولوجيات الفلاحية الحديثة يعد “كعب أخيل”، على مستوى ترشيد استخدام المياه.
ومن جانبه، أبرز حمزة الرخا، مؤسس شركة “SOWIT” المتخصصة في تطوير الحلول التكنولوجية في مجال الفلاحة الدقيقة، أن التكنولوجيات الحديثة قادرة على توفير تقييمات ومعلومات دقيقة تساهم في إحراز تقدم في التقنيات الزراعية واتخاذ القرارات الذكية مائيا.
وقال إن التحدي يتجلى في تحسيس الفلاحين بأهمية هذه التكنولوجيات، وضرورة اللجوء إليها في اتخاذ قراراتهم، باعتبار أن الفاعل هو سيد القرار النهائي على هذا الصعيد.
ولفت الرخا مثلاً إلى إمكانية اللجوء لتقنية “الري الناقص”، القائمة على تقليص حجم المياه المستخدمة في الري، ومعاينة رد فعل الزراعات، ما من شأنه في العديد من الحالات الكشف عن حاجيات مائية أقل لبعض الزراعات من الحجم المستخدم فيها عادة.
وشدد على أن العديد من الضيعات الفلاحية بالمغرب، على النقيض تماما، توجد في نطاق “الري الفائض”، مستخدمة أكثر من حاجتها الفعلية من المياه.
لكن هذه المقاربة التجريبية تتطلب، وفقا للمتحدث ذاته، بعض المخاطرة، “لأن لدى الفلاحين العديد من الاعتبارات والتحديات المالية والاجتماعية، تجعل إقناعهم بخوض هذا النوع من التجارب، والمخاطرة بعدم تحقيق أي ربح سنوي أمرا عسيرا”.