رأي

الأسرة ومراعاة حقوق الطفل الروحية عند الزواج

الأسرة ومراعاة حقوق الطفل الروحية عند الزواج

حسن الاختيار ضمان لسلامة النشأة والإعمار

حماية النسب هي أساس حماية الطفل ،وحماية هذا الأخير تبتدئ من “تخيروا لنطفكم” و”تزوجوا الودود الولود” و”إياكم وخضراء الدمن …المرأة الحسناء في المنبت السوء” و”تنكح المرأة لأربع  لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها ،فاظفر بذات الدين تربت يداك” و”إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير…” الحديث.

هذه النصوص وغيرها تؤكد ابتداء حماية حقوق الطفل غيبيا وظاهريا وتحمي له حقوق الأداء الكاملة والناقصة وكذلك حقوق الوجوب، ومن ثم يتم التكامل بين مقتضى الغريزة ومقتضى الشرع ،مقتضى النسب ومقتضى البنية الاجتماعية وتكاتفها والعصبية وإيجابياتها،كما نجد الدلالة عليها في النصوص القرآنية و الحديثية كقوله تعالى”زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب” و”المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا..”، “آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا”.

فلقد حرص الإسلام على حفظ البنوة الشرعية ليس في مجرد حقوقها المادية المترتبة عن الميراث والنفقة والرضاع والحضانة أو حتى الانتماء الديني بالتقليد الأسري المحض وإنما في حقوقه الروحية التي قد يولد وهو مزود بأنوارها وإشعاعاتها التي ترسخت في ذاته منذ عالم الذر حيث يقول الله تعالى “وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريا تهم وأشهدهم  على أنفسهم ألست بربكم ؟قالوا بلى!شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا  إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ؟”. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه …” الحديث.

وللحيلولة دون تأثير الشيطان ومكايده على المولود وخاصة في باب الإيمان والحقوق الروحية للإنسان فإن الشرع بين لنا هذه الإجراءات الضرورية في الدعاء، لتحقيق هذا المكسب  الذي يعد في الإسلام لب المكاسب وأثمنها قبل المواريث والتفاخر بالأحساب والأنساب يقول الله تعالى “هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها،فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به ،فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركا فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون”.

عن ابن عباس قال  النبي صلى الله عليه وسلم :”أما لو أن أحدهم يقول حين يأتي أهله :بسم الله ،اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما  رزقتنا ثم يقدر بينهما في ذلك أو قضي ولد لم يضره شيطان أبدا”.

حماية  الحقوق الروحية  للطفل أولوية وجودية

ففي الآية والأحاديث دلالات واضحة على حماية حقوق الطفل روحيا سواء قبل ولادته أو عندها بإسماعه ابتداء الآذان والإقامة ،إذ قد تكون هناك لدى الأبوين رغبة في الولد وإلحاح في طلبه فيلجآن إلى الدعاء ، لكن ما أن يتحقق لهما هذا الطلب حتى يتغير القصد وتبدأ الأوهام و الانفلات العقدي يحوم حول قلبيهما في نسبة الخلق إلى غير الله تعالى من مخلوقاته وحصرها في الأسباب المادية أو الطبيعية المسخرة وغيرها ؛ مما قد ينفلت إليه وهم الإنسان في نسبة الخلق والإبداع، بينما حقيقة تلك الأسباب الظاهرية في التوليد كما سبق وبينا ليست إلا وسائل جعلها الله تعالى مترتبة بعضها عن بعض لتحقيق تلك الخلقة ،كما أنها بدورها مخلوقة ،ومن ثم فالمخلوق لا يخلق وإنما هو بخلقته واستعداده للتشكل والتشكيل الخلقي خاضع لمشيئة الله وإرادته،ومن هنا جاء الاستفهام الإنكاري في الآية الموالية من قوله تعالى :”أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون”.

فلقد ذهب بعض المفسرين إلى أن المقصود في هذه الآيات بالخطاب كما يروى عن الحسن البصري:هم اليهود والنصارى، رزقهم الله أولادا فهودوا ونصروا “،وهذا من أحسن التفاسير كما – يعلق ابن كثير-وأولى ما حملت عليه الآية”.

إذن فحماية الطفل روحيا أولا قبل أن تصبح قضائيا وفقهيا ،وذلك لحفظ العلاقة النسبية بينه وبين والديه وهي  مبنية على الوحدة الدينية التي تربط الفرع بأصله ،كما تحدد الانتفاع المادي بين الطرفين على سبيل الميراث وتبادل المنافع سواء في الحياة أو بعد الممات  قد يفهم هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم :”لا يتوارث أهل ملتين”.

ومن هذا البعد فقد كانت حقوق الطفل الروحية عند الصوفية خاصة  أوفر منها عند أهل الظاهر والفتوى من الفقهاء الذين يرون أن  الإسلام في حق الصبي الصغير الرضيع هو بحكم التبع فقط ، وأما عندنا كما يقول الشيخ ابن عربي الحاتمي فهو”بالأصالة والتبع معا،فهو ثابت في الصغير بطريقتين وفي الكبير بطريق واحد وهو  الأصالة لا التبع ،فالإيمان أثبت في حق الرضيع،فإنه ولد على فطرة الإيمان وهو إقراره بالربوبية لله تعالى على خلقه حين الأخذ من الظهر الذرية والإشهاد،قال تعالى “وإذ أخذ ربك من بني آدم  من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟قالوا بلى”. فلو لم يعقلوا ما خوطبوا ولا أجابوا ،يقول ذو النون المصري: كأنه الآن في أذني، وما نقل إلينا انه طرا أمر اخرج الذرية عن هذا الإقرار وصحته، ثم إنه لما ولد ولد على تلك الفطرة الأولى ،فهو مؤمن بالأصالة، ثم حكم له بإيمان أبيه في أمور ظاهرة فقال: “والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ” يعني إيمان الفطرة”ألحقنا بهم ذريا تهم “فورثوهم وصلي عليهم إن ماتوا وأقيمت فيهم أحكام الإسلام كلها مع كونهم على حال  لا يعقلون جملة واحدة ،ثم قال “وما ألتناهم من عملهم من شيء”يعني أولئك الصغار ما أنقصناهم شيئا من أعمالهم،وأضاف العمل إليهم ،يعني قولهم:بلى. فبقي لهم على غاية التمام ما نقصهم منه شيئا ،لأنه لم يطرأ عليهم حال يخرجهم في فعل ما من أفعالهم عن ذلك الإقرار الأول”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News