سياسة

حذف محكمتي مكناس.. عريضة تستهدف إسقاط مرسوم الخريطة القضائية

حذف محكمتي مكناس.. عريضة تستهدف إسقاط مرسوم الخريطة القضائية

في تطور جديد للجدل الذي أثاره قرار حذف محكمتين بمدينة مكناس من التنظيم القضائي بعد نقل اختصاصات المحكمة الابتدائية التجارية والمحكمة الابتدائية الإدارية بالمدينة الإسماعيلية إلى فاس، تقدم مستشار استقلالي بجماعة مكناس بعريضة طعن لدى محكمة النقض بالرباط لإلغاء المرسوم 2.23.665 القاضي بتحديد الخريطة القضائية للمملكة في مواجهة رئيس الحكومة ووزير العدل والوكيل القضائي للمملكة.

والتمست العريضة من محكمة النقض بالرباط التصريح بإلغاء المرسوم رقم 2.23.665 الصادر عن رئيس الحكومة في 10 نونبر 2023 بتحديد الخريطة القضائية للمملكة والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 7260 بتاريخ 28 دجنبر 2023 في شقه المتعلق بحذف المحكمتين الإدارية والتجارية بمكناس من الخريطة القضائية وإحداث المحكمة الابتدائية بالحاجب.

ودافع وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، عن قرار حذف المحكمتين الابتدائيتين التجارية والإدارية بمدينة مكناس وتوطينهما بمدينة فاس، الذي أثار جدلا كبيرا بعد صدور الخريطة القضائية بالجريدة الرسمية، مؤكدا أن “الحذف سيحقق التوازن في التوزيع الجغرافي للمحاكم المتخصصة حسب الجهات مع اعتماد مركز الجهة كمقر للمحاكم المتخصصة”.

وأوضح وهبي في جواب عن سؤال برلماني حول أسباب حذف المحكمتين مع ملتمس التراجع عنه، أن القرار جاء على أساس وجود مدينتي فاس ومكناس بنفس الجهة، إذ تتوفر جهة واحدة على محكمتين ابتدائيتين تجاريتين وإداريتين، في حين هناك جهات أخرى تعاني من الخصاص في هذا النوع من المحاكم، مسجلا أنه لتجاوز هذا الإشكال “تم التفكير في حذف المحكمتين الابتدائيتين التجارية والإدارية بمكناس، مع الإبقاء على المحكمتين الابتدائيتين التجارية والإدارية بفاس، لتحقيق المبدإ العام المتمثل في وجود محاكم متخصصة بمركز الجهة”.

وبالمقابل، ذكرت عريضة الطعن، التي وضعها محاميان بهيئة الرباط، أن المحكمتين المذكورتين تم حذفهما من الخريطة القضائية بموجب المرسوم المطعون فيه، “في تنكر للإرث القضائي الذي خلفه اجتهاد المحكمتين المتميز على المستوى الوطني مشكلتين بذلك عنصر ارتقاء جودة القضاء المتخصص بالمغرب”.

العريضة التي قُدمت بطلب من نائب رئيس جماعة مكناس محمد البوكيلي، باعتبار المرسوم الطعين أضر بمصالحه الاقتصادية والإدارية للاعتبارات القانونية والواقعي، اعتبرت أن حذف المحكمتين، فيه “استصغار للمكانة التاريخية وللوضعية الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية التي تعرفها مدينة مكناس”.

وسجل المصدر ذاته أن الدائرة القضائية للمحكمتين كانت تغطي 6 أقاليم سكانية بما يقارب 11 بالمئة من التراب الوطني، وبعدد إجمالي للسكان يقارب 3 ملايين نسمة بما يقارب 8 بالمئة من ساكنة المغرب، وهي المعطيات التي لم يراعها المرسوم في حذفه للمحكمتين مخالفا بذلك مقتضيات المادة 20 من قانون 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي الذي دعا إلى مراعاة المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية والجغرافية عند تحديد الخريطة القضائية للمملكة.

وذهبت عريضة الطعنة الرامية إلى إسقاط مرسوم تحيين الخريطة القضائية، إلى أن من أهم مرتكزات إصلاح منظومة القضاء هي تقريب الخدمات القضائية للمرتفقين تماشيا مع التوجيهات التي أكدها الملك محمد السادس، في خطابه التاريخي المخلد لثورة الملك والشعب بتاريخ 20 غشت 2009.

وأشارت إلى أن الإصلاح الذي دعا إليه الملك في العديد من المناسبات يرتكز على فكرة رئيسية مفادها تحقيق نجاعة العدالة من خلال ضمان جودة الخدمات المقدمة للمتقاضين والتي على رأسها تقريب القضاء منهم، معتبرة أن حذف المحكمتين فيه “انتكاسة لمكسب كان يستفيد منه أكثر من 3 ملايين مواطن هم ملزمون اليوم بالتنقل إلى مدينة فاس، وما يقتضيه ذلك من تهجير لعدد من المصالح والمهن القانونية والقضائية بمدينة مكناس، إلى مدينة فاس”.

ونبهت العريضة إلى أن هذه الأخيرة (فاس) التي كانت تغطي المحكمتان التجارية والإدارية بها دائرة قضائية من 7 أقاليم بساكنة تفوق 4 ملايين مرتفق، وبعد المرسوم ستضاف لها 6 أقاليم أخرى  بساكنة تفوق 3 ملايين مرتفق.

وكشفت الوثيقة نفسها، أن المحكمتين الإدارية والتجارية بفاس من المنتظر أن تستقبلا دعاوي ونزاعات 8 ملايين مواطن تقريبا، وهو رقم كبير لا يعكس التعاطي الإيجابي مع مفهوم النجاعة القضائية كما حدد مؤشراتها الملك محمد السادس، مما سيؤثر حتما على نجاعة المحكمتين في فض النزاعات على مستوى إطالة أمد التقاضي بسبب كثرة الملفات المعروضة على المحكمتين.

ولفت المصدر نفسه إلى “أننا أمام قضاء متخصص أهم خصائصه سرعة البث المحددة في كثير من الأحيان بنصوص قانونية، وهذا ما يجعل حذف محكمتي مكناس الإدارية والتجارية يتعارض مع مفهوم النجاعة القضائية على الأقل في مستوى تقريب خدمات القضاء والمواطن وعلى مستوى تقليل أمد التقاضي”.

وأوضحت العريضة الموضوعة أمام محكمة النقض، أنه بالرجوع إلى المادة الثانية من قانون 38.15، نجدها قد ألزمت الجهة واضعة المرسوم باستطلاع رأي المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والهيئات المهنية المعنية، مشيرة إلى أن التقرير السنوي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية لسنة 2022 تطبيقا للفصل 113 من الدستور الذي جاء فيه “يضع المجلس الأعلى للسلطة القضائية بمبادرة منه تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة ويصدر التوصيات الملائمة بشأنها”.

وسجلت عريضة الطعن أن هذا التقرير الذي عرض على أنظار الملك محمد السادس، تضمن توصية بإحداث محكمة استئناف إدارية بمكناس مع الإبقاء على المحكمة الإدارية بها، ومخالفة المرسوم لما ورد بالتقرير، منبهة إلى “عدم الأخذ بعين الاعتبار آراء الفاعلين الأساسيين في قطاع العدالة وفق ما تقتضيه المادة 2 من قانون التنظيم القضائي”.

ومن جهة أخرى، تضمن المرسوم، حسب نص عريضة الطعن، إحداث محكمة ابتدائية بالحاجب وحدد لها اختصاصها المكاني يمتد على تراب إقليم الحاجب، ولم يجعلها المرسوم من المحاكم المستثناة من مقتضياته بموجب المادة السادسة منه، إلى حين تعيين مسؤولين قضائيين.

وأكدت العريضة أنه بالرغم من أنه لا وجود لأي محكمة  ابتدائية بالحاجب بل يوجد بها مركز قاض مقيم تابع لنفوذ المحكمة الابتدائية بمكناس، وأن البناية التي ستخصص لهذا الغرض لا زالت في طور البناء، إلا أن المرسوم اعتبرها محكمة قائمة الذات بولايتها العامة واختصاصها المكاني ومسؤوليها القضائيين والإداريين، دون أن يكون لها  في الواقع أي وجود.

واعتبرت عريضة الطعن أن ذلك “يطرح عمليا تنازع الاختصاص بين المحكمتين الابتدائية بمكناس التي ما زالت تستقبل النزاعات المرتبطة مكانيا بإقليم الحاجب، وينعقد الاختصاص فيها بحكم المرسوم لمحكمة الحاجب”، موضحة أنه “ما يفرض التصريح بعدم الاختصاص المكاني وإحالة الملفات على المحكمة الابتدائية بالحاجب الموجودة في المرسوم فقط وهو ما يعتبر خطأ جسيما موجب للقول بإلغاء المرسوم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News