رأي

حول كأس إفريقيا 2023

حول كأس إفريقيا 2023

تجري في هذه الأيام بساحل العاج، من 13 يناير إلى 11 فبراير 2024، بطولة إفريقيا للأمم في نسختها الرابعة والثلاثين. تعتبر هذه البطولة من أهم الأحداث الرياضية التي ينتظرها عشاق كرة القدم الإفريقية، سواء من داخل القارة الأفريقية نفسها أو من باقي دول العالم، خاصة تلك التي تتابع أندية القارة السمراء وتسعى للتعاقد مع اللاعبين الموهوبين لتعزيز صفوفها ورفع مستوى فرقها. وبالتالي، تزيد فرصها في المنافسة على الألقاب، سواء في المسابقات المحلية أو القارية أو الدولية. ولا تقتصر جهود هذه الأندية على ذلك فحسب، بل تقوم أيضًا بإرسال مبعوثين للبحث عن المواهب الشابة في كرة القدم، حيث تعتبر إفريقيا وأمريكا اللاتينية المزودين الرئيسيين للأندية الأوروبية باللاعبين الموهوبين. وفي الآونة الأخيرة، أصبحت هاتين القارتين تزودان أيضًا البطولات الخليجية باللاعبين بعد جذب نجوم كبار من بطولات القارة العجوز.

وشهدنا في الآونة الأخيرة تنافسًا كبيرًا بين دول الخليج في جذب هذه النجوم الكروية، حيث قدمت لها عروضًا مالية مغرية وسخية لجعل المنافسات الكروية أكثر جاذبية. وهذا يهدف إلى جذب جماهير جديدة واستمالة محبين جدد لهذه النجوم، وبالتالي تشجيع السياحة الرياضية في هذه البلدان وإنعاش التنمية الاقتصادية. وتعتبر كأس إفريقيا للأمم فرصة كبيرة لهؤلاء اللاعبين الأفارقة لإظهار مواهبهم وقدراتهم في المنافسة، وبالتالي تحقيق نتائج إيجابية وتقديم قيمة مضافة عند انضمامهم إلى أندية الخليج العربي.

إنها بالفعل كأس أفريقية تُقام في القارة الأفريقية، وتتمتع بطقوسها الخاصة التي لا تضاهى في أي تظاهرة كروية في قارات أخرى. إنها كأس الألوان الأفريقية وكأس الأهازيج الأفريقية وكأس الرقصات الأفريقية المميزة. تتميز هذه البطولة بإيقاعات إفريقية تُغني بها جميع شعوب القارة الأفريقية، بغض النظر عن اللون والعرق والجنس واللغة والانتماء الوطني. إنها رمز واحد يوحد الكرة الأفريقية على مدار فترة البطولة.

يتم التحضير لكأس الأفريقية بشكل مبكر من قبل البلد المضيف، حيث تقوم اللجنة الخاصة داخل الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بفرز الترشيحات ودراستها وفقًا للمعايير المتعارف عليها، ثم تعلن عن الفائز بتنظيم الدورة. يتم تقديم الدعم المادي والمعنوي للبلد المضيف وفقًا لدفتر تحملات جد محددة. وتوجد لجان متخصصة سواء من داخل الكاف أو من داخل اتحاد كرة البلد المنظم لمتابعة سير الأمور وفقًا لمنهجية محكمة، حتى يكون كل شيء جاهزًا قبل حفل الافتتاح الرسمي للمنافسة التي ينتظرها الجمهور الأفريقي والعالمي بفارغ الصبر.

إنها بالتأكيد تظاهرة كروية إفريقية، حيث يتأهل كل بلد بعد مراحل اقصائية صعبة ومرهقة وطويلة، يسعى فيها كل منتخب لإثبات جدارته في التأهل ورغبته في المنافسة بشكل جدي، ولما لا، الفوز بالكأس الثمينة. يتنافس كل منتخب من أجل بلاده، ومن أجل إسعاد جماهيره التي تدعمه سواءً بحضورها الميداني أو متابعة مبارياته عبر شاشات التلفزيون التي تتنافس بدورها للحصول على حقوق بثها للجماهير المحبة لكرة القدم الإفريقية في جميع أنحاء العالم. وتتم هذه العملية من خلال إعداد بلاطوهات مزينة بألوان إفريقيا التقليدية، بالإضافة إلى وجود محللين متخصصين وفنيين ولاعبين سابقين وحكام ومسيرين يخبرون جيدًا تفاصيل كرة القدم الإفريقية وتاريخها، بالإضافة إلى معرفتهم بأخبار ومسارات اللاعبين الحاليين والسابقين، وأيضًا فهمهم لفرص كل منتخب في الفوز في هذه المباراة أو تلك، وفرصهم في التأهل للمراحل النهائية أو حتى الفوز بالبطولة.

إنها بالفعل منافسة وتظاهرة وعرس أفريقي بامتياز، فلماذا يسعى البعض إلى تجريدها من هذه الهوية الجميلة وإخراجها من جغرافيتها وتاريخها؟ لماذا يسعى البعض إلى تجزئة هذا الكل الأفريقي وإدخال هويات لا تضيف شيئًا آخر لأفريقيا الموحدة سوى التفرقة؟ علما أنها موجودة أصلا في إفريقيا (اللغة العربية والدين الإسلامي). إفريقيا هي إفريقيا بكل لغاتها ولهجاتها ومعتقداتها الدينية والثقافية. لماذا يعمل البعض إذن على تحميلها أكثر من طاقتها، أو بالأحرى تحميل بعض المنتخبات أكثر من طاقتها وزيادة الضغط عليها أكثر من ضغوط جماهيرها وعشاقها، من خلال منحها مهمة أخرى وجديدة وأكثر ثقلاً، وهي تمثيل العالم العربي والإسلامي برمته، علمًا أن بلدان هذين العالمين لم تُكلف بتلك المسؤولية أحدا، على الأقل علانية، ولم تتحمل تكاليف السفر والتدريبات التحضيرية التي تسبق المنافسة، أو دفع أجور الطاقم التقني والفني للمنتخب، ولم يسمع نشيدها الوطني أو يرفع علمها عند بداية كل مقابلة  يخوضها فريق عربي أو مسلم، وغيرها.

دعونا نتجرد من هذه العواطف المزيفة التي لا تقدم ولا تؤخر، لنبقى في أفريقيا لأننا أفارقة في الأصل والنهاية، متجذرون فيها ومتأصلون فيها. نحن أفارقة حتى النخاع بسبب ازديادنا وعيشنا وتواجدنا في مجالها وفضائها. دعونا نعيش الحدث من الداخل ولا نشاهده من الخارج، دعونا نستمتع بالأجواء الجميلة التي يخلقها كل لقاء. دعوا هؤلاء اللاعبين يركزون على عملهم من أجل تحقيق مهمتهم بأفضل طريقة حتى لو خسروا كفرق وطنية، فهذا يدخل ضمن قوانين اللعبة والمنافسة في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، إفريقيا هي الفائزة قبل وبعد المباريات، لأنها تشكل خلال شهر كامل وجهة لعشاق كرة القدم من جميع أنحاء العالم. إفريقيا تعتبر قارة فريدة من نوعها بسبب تنوعها البشري والثقافي والحضاري. هي فرصة أخرى أمام إفريقيا لتبرز قدراتها وكفاءاتها، لكنها فرصة أيضا أمامها لتعرف وتتقاسم مع العالم القيم الإنسانية والحضارية التي تزخر بها.

ما نشاهده عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام التي تنتصر لقوميات أكل عليها الدهر وشرب، لا يمكن أن يجد له مكانًا بين لاعبي هذه البلدان التي يرغب البعض في تمثيلها لتعويض نواقصها. فمعظم هؤلاء اللاعبين ولدوا وترعرعوا في بلدان أوروبية لا علاقة لها بهذا الخطاب القومي المزيف، وبالتالي فإنهم لن يستوعبوه ولن يدخلوا ملاعب المنافسة بهذه الروح التي يرغب البعض في أن تكون قتالية من أجل قضية غير موجودة من الأصل. بل  ويقول البعض أن البطولة تنتهي عندما تخرج البلدان العربية من المنافسة أو على الأقل تفقد، أي البطولة،  جاذبيتها. وهذا تفسير خاطئ لأن خروج منتخبات بلدان شمال إفريقيا من المنافسة القارية لا يعني سوى تفوق منتخبات بلدان إفريقيا جنوب الصحراء ، ليس إلا. وسنظل كأفارقة نتابع ونتفرج وندعم ونشجع منتخبنا الإفريقي المفضل إلى نهاية المنافسة. الآن ربما ستكون المنافسة إفريقية صرفة بعد أن خرجت منتخبات يعتبرها البعض أقل إفريقية بحكم الموقع ولون البشرة واللغة والدين.

لنترك إفريقيا حيث هي الآن، فهي في مكانها الطبيعي. إفريقيا، تلك القارة العظيمة، التي كانت محط أطماع الإمبراطوريات الغربية في الماضي ولا تزال تستحوذ على اهتمام الشركات العالمية الكبرى حتى اليوم، وذلك بسبب تاريخها العريق ومؤهلاتها وثرواتها. إفريقيا بكل تنوعها وتحدياتها، بدكتاتورياتها وديمقراطياتها، بأدغالها وغاباتها وحيواناتها، بلغاتها المتنوعة، بطموحاتها وأحلامها وتطلعاتها وإنجازاتها، بإخفاقاتها وتحدياتها، بصراعاتها الداخلية والخارجية. إفريقيا تمتلك ثروات طبيعية وبشرية هائلة، وتتقدم في بعض المجالات وتتأخر في أخرى. إنها نفس إفريقيا التي ولدنا فيها وترعرعنا فيها، وسنعيش  فيها ونموت فيها، ونحن فخورون بانتمائنا إليها.

إفريقيا قارة واسعة وشاسعة تستوعب الجميع وتتسع للجميع، وهي مفتوحة ومنفتحة على محيطها العام والخاص. وإفريقيا ترحب بجميع المبادرات والثقافات واللغات والأجناس. يجب علينا أن نكون واعين بهذه الحقيقة وأن نؤمن بها ونضعها في أذهاننا عندما يحاول الآخرون إخفاءها عنا وترويج حقائق غير صحيحة. في هذه الحالة، يمكننا أن ننظر إلى جميع الاعتبارات والتصنيفات من خارج القارة، لأن قارتنا في النهاية جزء من هذا العالم الكبير، ولا يمكننا أن ننغلق على أنفسنا ونعيش في عزلة. لذلك، فإفريقيا ترحب بالانتماءات التي تجمعنا في تكتلات تتقاطع فيها مصالحنا، ونشترك معها في الدين واللغة والثقافة وأشياء أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News