رأي

منتدى التعاون العربي الروسي: أفق جديد للعلاقات بين الجانبين

منتدى التعاون العربي الروسي: أفق جديد للعلاقات بين الجانبين

يأتي المنتدى العربي الروسي التي استضفته مدينة مراكش المغربية في إطار حرص المملكة على تدعيم وتطوير أواصر العلاقات التاريخية المتميزة بين العالم العربي وروسيا، فضلا عن المساهمة الفعالية في جهود تعزيز آليات العمل المشترك لتحقيق المصالح المشتركة، حيث هدف المنتدى إلى تعزيز الحوار السياسي الممتد بين الجانبين، إلى جانب التشاور والتنسيق حول أبرز القضايا السياسية الدولية والاقليمية ذات الاهتمام المشترك، وسبل تعظيم آفاق التعاون في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ إلى جانب بحث مساعي الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

لقد تأسس التعاون العربي الروسي، على تعظيم المنافع والمصالح المشتركة ومواجهة التحديات التنموية، وتقديم أولويات حفظ الأمن والسلم الدوليين وصيانة النظام الدولي، المرتكز على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وإيجاد حلول سياسية سلمية للأزمات الدولية والإقليمية، وتعزيز حوار الحضارات وتقارب الثقافات والتعاون في مواجهة تحديات التغير المناخي وانتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة خطر الإرهاب والأفكار المتطرفة.

على تلك الأسس، يكتسب المنتدى العربي الروسي، رمزية وأهمية خاصة لاسيما في هذا التوقيت الدقيق، الذي يشهد متغيرات إقليمية، وأزمات عالمية متعاقبة، تلقي بتحديات بالغة الخطورة. فأمام التحديات الجسام، ترتفع أهمية استدعاء كافة قدرات التعاون الكامنة، بين الأصدقاء والأشقاء لاسيما إذا كانت قائمة، على أسس صلبة للتفاهم والتنسيق، كتلك القائمة بين العالم العربي وروسيا.

لعل من أخطر ما يواجهه العالم – وبخاصة الدول العربية – اليوم، هو أزمة الغذاء وتبعاتها وهو ما يدفعنا لتوثيق الشراكة “العربية / الروسية”، في مواجهة هذا التحدي عبر تعزيز أطر التعاون متعدد الأطراف، لتطوير الاستجابة الدولية السريعة والفعالة، لحاجات الدول العربية والعمل في إطار التعاون لتطوير الزراعة والصناعات الغذائية ونقل وتوطين التكنولوجيا، وبناء القدرات وتحسين البنية التحتية ونقل تكنولوجيا الزراعية ونظم الري الحديثة المستدامة.

ولقد أثقلت هذه الأزمات كذلك، كاهل الدول العربية وموازناتها الحكومية وهو ما يتطلب دفع المجتمع الدولي، لتخفيف عبء الديون على الدول، التي تعاني من ارتفاع فاتورة استيراد الغذاء والطاقة مع العمل على تعزيز النظام التجاري متعدد الأطراف، القائم على القواعد إعادة صياغة أطر حوكمة الاقتصاد الدولي، والمؤسسات الماليـة الدوليـة، لتكون أكثر عدالـة وشفافيـة فتشمل الجميع، ولا تستبعد الدول النامية وتكون أكثر استجابة، للتحديات التي تواجهها تلك الدول وأن يعاد تركيز مهامها، على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأبرزها “القضــاء علــى الفـقـر”.

إن انعقاد هذا المنتدى، بمثابة علامة انطلاق جديدة، للتعاون الاقتصادي بين العالم العربي وروسيا حيث إن هذه الاخيرة، ورغم كونها بالفعل الشريك التجاري الرئيسي، لعدد كبير من الدول العربية فضلا عما يجمعها، من تعاون استثماري جوهري إلا أن آفاق التعاون بين العالم العربي وروسيا، لازالت رحبة وبإمكانها تحقيق المزيد، في مجالات اقتصادية وتنموية وتكنولوجية عدة.

وإن آفاق التعاون العربي الروسي، وفرص تطويرها لا تقتصر فقط على الشق الاقتصادي والتنموي بل تمتد إلى الآفاق السياسية والثقافية، فقد كانت السياسات الروسية المتوازنة، تجاه مختلف القضايا العربية بشكل عام، وتجاه القضية الفلسطينية بشكل خاص ودعم الجانب الروسي للحق الفلسطيني المشروع، في إقامة الدولة الفلسطينية، على خطوط الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها “القدس الشرقية” محل تقدير واحترام بالغين في العالم العربي. ورفض البيان الختامي الصادر عن القمة العربية الروسية بشدة مخططات إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، لضم أي جزء من أرض دولة فلسطين المحتلة، واعتبرا تنفيذها وحربها الأخيرة في قطاع عزة تصعيدا خطيرا لسياساتها وممارساتها العدوانية، وانتهاكا خطيرا بحق الشعب الفلسطيني، وانتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

في سياق متصل شدد البيان المشترك الصادر عن المنتدى على أهمية تضافر الجهود الدولية والإقليمية لإيجاد حلول سياسية للأزمات والقضايا الإقليمية، وفقا لقرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات والمرجعيات ذات الصلة، وأكدا في هذا الإطار على سلامة ووحدة أراضي الدول العربية، خاصة في ليبيا، وضرورة تعزيز أمنها وسيادتها على أراضيها ومواردها الطبيعية، وشدد البيان على ضرورة الالتزام بالاتفاق السياسي الليبي الموقع بمدينة الصخيرات عام 2015، ورفض الحل العسكري، والدعوة إلى دعم مسار المصالحة الوطنية الشاملة، التي يرعاها المجلس الرئاسي الليبي وجهوده في تحقيق الاستقرار السياسي، وأهمية وقف القتال وتعزيز فرص الحل السياسي ورفض التدخلات الخارجية في الدول العربية ودعم جهود الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في هذا الشأن.

كما أعرب البيان المشترك عن إدانته لجميع الأعمال الإرهابية بكافة أشكالها ومظاهرها وأيا كان مرتكبوها، وحيثما ارتكبت، وأيا كانت أغراضها. والعمل على مكافحة الفكر المتطرف والإرهاب والتحريض عليه واقتلاع جذوره وتجفيف منابعه المالية، ورفضا ربط الإرهاب بأي عرق أو دين أو جنسية أو حضارة، وتعزيز الحوار والتسامح والتفاهم بين الثقافات والشعوب والأديان، مع دعوة الدول إلى الامتناع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم الصريح أو الضمني إلى الكيانات أو الأشخاص الضالعين في الأعمال الإرهابية، بما في ذلك تمويل الإرهاب، أو توفير ملاذات آمنة لهم، مع ضرورة تعزيز التعاون العربي الروسي لمنع ومكافحة الإرهاب والتطرف على الصعيدين الدولي والإقليمي. وفي هذا الصدد ثمن المنتدى جهود المملكة المغربية في مكافحة الإرهاب والتي تجسدت في دورها وجهودها خلال رئاستها للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب؛ كما رحيب المشاركين في المنتدى باستضافة المملكة المغربية لمكتب الأمم المتحدة لمحاربة الإرهاب وتثمينهم لدورها وجهودها خلال رئاستها للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب (2021-2023). إضافة إلى اختيار المملكة المغربية لاستضافة الدورة 93 للجمعية العامة للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الأنتربول) بمراكش سنة 2025.

إن هذا التقارب في الرؤى والمنطلقات، يشجع على المزيد من التنسيق، إزاء مختلف القضايا الدولية والإقليمية، ذات الأولوية لكل من العالم العربي وروسيا واستنادا على قاعدة احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية الأمر الذي سيمكن من تعزيز التعاون لبحث سبل معالجة الأزمات، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وغيرها من الملفات الإقليمية، وفي مواجهة قضايا الإرهاب بكافة صوره وأشكاله وإنهاء معاناة الشعوب، وإحلال الأمن والسلام، وتقديم أولويات التنمية على الصراع. مع أهمية زيادة تعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية العربية الروسية القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة لمستقبل أفضل، بما يحقق التنمية المشتركة والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك.

*باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News