اقتصاد

أقصبي يرد على الجواهري ويكشف أخطاء التقويم الهيكلي ويرفض تلميع وجه المؤسسات المالية

أقصبي يرد على الجواهري ويكشف أخطاء التقويم الهيكلي ويرفض تلميع وجه المؤسسات المالية

تشبث صندوق النقد الدولي بإجراء اجتماعاته السنوية بالمغرب، رغم الزلزال الذي ضرب نواحي مراكش في الثامن من شتنبر، وهو مستجد يعيد إلى الواجهة خرجة والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، بداية الشهر نفسه، على موقع صندوق النقد الدولي ضمن عدد خاص من مجلة “التمويل والتنمية”.

عبد اللطيف الجواهري تحدث خلال “البودكاست” عن كواليس سياسة التقويم الهيكلي، وكيف أن المغرب اكتشف فجأة عدم توفره على العملة الصعبة، قبل أن يقوم الملك الحسن الثاني بـ”حَرْكة” لإعادة التوازن، غير أن خرجة والي بنك المغرب لم ترق كثيرين بسبب حديثه بإيجابية عن هذه المرحلة الصعبة من تاريخ المغرب، ما فهم منه أنه تلميع لوجه صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية تزامنا مع الاجتماعات السنوية.

الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي من بين هؤلاء الذين انتقدوا الطريقة التي تحدث بها والي بنك المغرب عن “مرحلة مظلمة وصعبة جدا من تاريخ المغرب أدت إليها سياسات الحكام، بمن فيهم المسؤول الذي يتحدث اليوم مع المؤسسة المسؤولة عن سياسة التقويم الهيكلي، كأنما يتحدثون عن ذكريات”، مضيفا أن “الغريب أنه حتى بعد مرور ثلاثين سنة ما يزال مسؤولونا غير مدركين لخطورة ما قاموا به”.

تفاصيل غريبة

وتابع أقصبي، في حديث مع جريدة “مدار21″، أن “الطريقة التي تحدث بها الجواهري تُسوق ما تم القيام به وكأنه إنجاز، في حين أن البلاد تم إدخالها إلى النفق المسدود، من خلال تطبيق الوصفة نفسها التي كان يطبقها البنك الدولي على جميع الدول مهما كان وضعها أو ظروفها، وهذا باعتراف الجواهري نفسه، وبالتالي لم يكن هناك شيء خارق تم القيام به لإنقاذ البلاد خلال تلك الفترة، حتى يتم التباهي به اليوم بعد مرور ما يناهز 40 سنة”.

ويضيف الخبير الاقتصادي أن “والي بنك المغرب كشف تفاصيل غريبة خلال هذا الحوار، منها أنه ذهب لواشنطن، بصفته وزيرا للمالية، ليدرك حينها وجود ما يُطلق عليه (نادي باريس) و(نادي لندن)، في حين أن هذه الأمور معروفة عند طلبة السنة الأولى للعلوم الاقتصادية خلال دراستهم المديونية”، متسائلا “عما إن كان بالفعل يعي هول خطورة ما يقول ومسؤوليته فيما حدث، ومسؤولية النظام حتى نكون واضحين”.

وأفاد أقصبي بأن والي بنك المغرب “أخبرنا أنه تم إعداد قانون مالية تعديلي، وهذا لا يدخل في خانة الإنجاز هو الآخر، إذ يتم إعداده من خلال تغيير في الأرقام ورفع ميزانية قطاعات وتخفيض أخرى”، مشيرا إلى أن هذه الأمور “كانت تتم بدون استشارة وغيرها، إذ تمت الأمور بينه وبين الملك وأشخاص معدودين على رؤوس الأصابع، في غياب للتشاور والديمقراطية”.

أسباب الأزمة

وردا عن سؤال أسباب الوصول إلى إعلان سياسة التقويم الهيكلي سنة 1983، قال أقصبي إن “تعقد الوضع انطلق منذ سنوات السبعينيات إذا أردنا التوقف في التاريخ الحديث”، مسجلا أن “الخلل في المالية العمومية والخلل في العلاقات المالية مع الخارج واختلال الميزان التجاري بدأ مع وهم ارتفاع أسعار الفوسفاط سنتي 1973 و1974 وقبلها ارتفاع أسعار النفط، إذ اعتقدت حكومات تلك الفترة وكأن المغرب أصبح بلدا نفطيا ولديه مداخيل فبدؤوا يرفعون من النفقات”.

وأبرز أن “ارتفاع أسعار الفوسفاط لم يدم طويلا، ومنذ 74 و75 بدأت الأمور تنهار، وهنا المسؤولية الكبيرة للحكومة والحكام الذين كان يجب عليهم مؤازة انخفاض المداخيل، سواء الخارجية (العملة الصعبة) أو الداخلية بالنسبة للميزانية، بإصلاحات ضرورية، وعلى رأسها الإصلاح الضريبي”، مضيفا أن “الغريب في الأمر هو أن هذا الإصلاح لم يتم القيام به إلى اليوم ولا زال مطلوبا”.

وأفاد أنه كان من اللازم “القيام بإصلاح ضريبي أواسط السبعينات من أجل وضع نظام ناجع، ومعنى ذلك أن يتمكن من رفع مداخيل الخزينة وأن يكون عادلا، لكن عكس ذلك لجؤوا إلى الحل السهل الذي لا يتطلب مواجهة لوبيات أو غيرها وهو المتعلق باللجوء إلى المديونية، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك ما هو أسهل من الذهاب إلى السوق المالية الدولية أو بلدان نادي باريس ونادي لندن للاقتراض، لأن السوق الدولية كانت مملوءة بالنقود”.

وأفاد أقصبي أنه “بدل الإصلاحات تم اللجوء إلى الاقتراض بشروط مجحفة، ذلك أن سعر الفائدة كان مرتفعا، إضافة إلى أن الاقتراض تم على المستوى القصير وليس البعيد، ثم جاء الارتفاع في سعر الدولار”، مشددا على أن “غياب الإصلاحات الضرورية، والمديونية بشروط مجحفة وغير عقلانية، أدى إلى عدد من المشاكل منذ 1978، ثم جاء بعدها الترقيع فقط مؤخرين الإصلاح إلى ما بعد 1983 حيث كانت الصدمة، بسبب افتقار المغرب للعملة الصعبة”.

وعاد أقصبي إلى كلام الجواهري قائلا إن “المسؤولين هم الذين دفعوا المغرب إلى تلك الكارثة”، مضيفا أنه لا يعقل أن ينتظر وزير المالية قدوم نائب والي بنك المغرب لإخباره بأن الأموال لم تعد موجودة، لأنه هذا يدل على اللا مسؤولية”، مضيفا أن الجواهري لم يكن عليه نسيان أنه “يتحدث عن فترة اعتبرها البنك الدولي في تقرير خلال بداية التسعينات بأنها (العشرية المفقودة)، لكن لم تغير المؤسسات المالية الدولية سياساته فيما بعد، حيث باتت اليوم تتفنن في المخارج، إذ لا حديث اليوم عن التقويم الهيكلي، بل عن (خط السيولة والائتمان) و(خط القرض المرن)”.

إصلاح على حساب الصحة والتعليم

ويشرح الخبير الاقتصادي أقصبي أن “إصلاحات سياسة التقويم تقوم على ركيزتين، أولها تراجع الدولة عبر الخوصصة وغيرها من الإجراءات لفتح المجال للقطاع الخاص ولمنطق السوق، ثم الركيزة الثانية متمثلة في الاندماج بالعولمة والانفتاح الاقتصادي وعلى الواردات وتشجيع الصادرات وطلب الاستثمار من الخارج”، مفيدا بأن هذا الأمر هو الذي أدى إلى الأزمة.

وأردف نجيب أقصبي أن هذا الوضع “يفضي إلى توجه الدولة إلى تقليص نفقاتها الاجتماعية في التعليم والصحة وغيرها، ثم من جهة أخرى الخوصصة التي سببت الكوارث”، مضيفا أنه “لا زلنا نعيش تبعاتها إلى اليوم، والدليل مع شركة لاسامير التي تم خوصصتها أواخر التسعينات”.

وفيما يخص تحرير الواردات، أفاد أقصبي أن ذلك “أدى إلى فشل وإفلاس عدد من المقاولات الصغرى والمتوسطة وغزو السوق الداخلية بالبضائع الأجنبية، والارتفاع المهول لعجز المالية وعجز ميزان الأداءات وغيرها”، مضيفا أن اليوم “نفس الأمور مستمرة ولم نستفد من الدروس”.

الجائحة.. لحظة حقيقة

وبشأن الدروس التي استفاد منها المغرب، استحضر أقصبي مثال الجائحة، إذ تم الانطلاق خلالها من قطاع الصحة إذ اتضح هول الخصاص داخله، مؤكدا أن الأمر لا يتوقف على الصحة فقط، بل إن الجميع وقف عند هول النقص في الخدمة العمومية بصفة عامة، وهذا الخصاص هو نتيجة لما يناهز 40 سنة من السياسات الغير ملائمة.

وأشار المتحدث نفسه إلى أنه بالرغم من الإجراءات التي جاءت بها سياسة التقويم الهيكلي انتهت سنة 1993 إلا أن نفس منطق تراجع الدولة والخوصصة والعولمة هو الذي استمر إلى يومنا هذا ولم تتم مراجعتها، مضيفا أن الجائحة أبانت “حماقة الرهان على الانفتاح والعولمة وما كان يقال أن العالم أصبح قرية صغيرة وأن الأمن الغذائي غير مطروح لأن السوق الدولية ستوفر لنا، لكن الجائحة كانت لحظة حقيقة”.

ويرى أقصبي أن الجائحة “عرت الحقيقة، وبات الجميع، بمن فيهم المسؤولون المسببين للوضع، يتحدث عن السيادة، في حين كان يتم انتقادنا بشدة عندما كنا نتحدث عن السيادة قبل خمس سنوات.. لكن الجميع الآن يقول بالخدمة العمومية ويشتكي من تقصير القطاع الخاص، هذا الأخير الذي رغم كل ما قدم إليه من إعفاءات وامتيازات لا يتعدى ربع حجم الاستثمار، ما دفع النموذج التنموي الجديد إلى أن يأمل ارتفاعه إلى الثلثين سنة 2035”.

وأضاف الخبير الاقتصادي نفسه أنه “في سنة 1983 قاموا بسياسات أبانت عجزها وفشلها بعد 40 سنة”، مضيفا أن “الأمر لا يتعلق بسياسة يمينية أو يسارية بل يتعلق فقط بالحس السليم”.

وانتهى أقصبي إلى أن السؤال الذي كان ينبغي أن يطرح على عبد اللطيف الجواهري هو “ما هي الدروس التي استخلصوها كحكام؟ وما تقييمه لوضع المغرب بعد هذه السياسات؟”، مضيفا أن “عجز الميزانية أصبح عجزا عضويا تتم التغطية عليه بالمديونية، والمديونية تأتي بالمديونية دائما، مما أدخلنا إلى دوامة لن تنتهي”.

وخلص أنه “ليس العيب هو ارتكاب الخطإ بل هو التمادي والإصرار على تكراره إلى اليوم”، موضحا أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أمرهما كاد ينتهي خلال العشرية الأولى من هذا القرن باعتراف من الدول التي أنشأت هذه المؤسسسات لأن لا وظيفة لهما غير ممارسة دور الدركي على الدول النامية”، مشيرا إلى أن “عمل هذه المؤسسات دائما لصالح القوى العظمى، وأن التطبيل للاجتماعات التي ستتم قريبا بالمغرب عبث”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News