سياسة

لماذا لا تظهر ملامح النموذج التنموي الجديد بقطاعات حكومية يشرف عليها وزراء ساهموا بإعداده؟

لماذا لا تظهر ملامح النموذج التنموي الجديد بقطاعات حكومية يشرف عليها وزراء ساهموا بإعداده؟

بعد ما يناهز سنتين عن مباشرة حكومة عزيز أخنوش عملها، وأكثر منها عن إصدار تقرير النموذج التنموي الجديد، الذي يتطلع إلى بناء دولة قوية ومجتمع قوي خلال الخمسة عشرة عاما المقبلة، لا تزال ملامح هذا النموذج في العمل الحكومي والسياسات القطاعية غير واضحة، ما يطرح تساؤلات خاصة على الوزراء الذي سبق أن شاركوا في صياغة التقرير.

ونظرا لما حمله تقرير النموذج التنموي الجديد من آمال كبيرة، فقد ضمت التشكيلة الحكومية الحالية أعضاء من لجنة النموذج التنموي، من بينهم رئيس اللجنة، شكيب بنموسى، الذي عين وزيرا للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، إضافة إلى عبد اللطيف ميرواي الذي يشغل منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وليلى بنعلي، التي تم تعيينها وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة.

المتابع للشأن العام لا يلمس بشكل واضح ملامح النموذج التنموي الجديد في السياسات القطاعية، ما يساءل أسباب هذا الغياب، وما إن كانت مرتبطة بعجز هؤلاء الوزراء، خاصة ممن صاغوا التقرير، في تنزيل التوصيات، أم أن الأمر مرتبط بطبيعة هذه التوصيات من الأصل، والغلاف الزمني الذي تتطلبه.

وأمام عدم ظهور إجراءات ملموسة تحمل بصمة النموذج التنموي، خاصة بالقطاعات الحكومية الثلاثة المذكورة، تطرح أسئلة حول جدوى التقرير من الأصل، إن كان سيُلحق بالأرشيف دون تفعيله، وهي الأسئلة التي تبددها بين الفينة والأخرى إشارات الوزراء إلى حضور هذا التقرير ضمن مرجعية العمل الحكومي والسياسات القطاعية.

حضور الالتزام وغياب الملامح

في هذا السياق، أوضح المحلل السياسي وأستاذ القانون العام في جامعة محمد الخامس عبد الحافظ ادمينو أنه “من ناحية الالتزام السياسي فالنموذج التنموي موجود، فبالعودة إلى البرنامج الحكومي الذي قدمه رئيس الحكومة أمام البرلمان، والذي على أساسه نال الثقة، فهو تستند مرجعيته إلى الدستور والخطابات الملكية وكذلك النموذج التنموي، وبالتالي فالوزراء على مستوى البرامج القطاعية لابد أن يقوموا باستحضاره”.

أدمينو الذي تحدث إلى جريدة “مدار21″، أشار إلى أنه بالعودة كذلك إلى “مختلف العروض التي قدمها الوزراء بمناسبة تقديمهم الميزانيات القطاعية أمام البرلمان، يتضح أن في جميع الوثائق المرجعية التي يتم اعتمادها توجد وثيقة النموذج التنموي كمرجعية للعمل الحكومي والبرامج القطاعية للوزارات”.

وتابع المحلل السياسي أن النموذج التنموي الجديد هو “رؤية أكثر منه إجراءات حكومية، غير أن هذه الرؤية مرتبطة بعدد من الالتزامات”، موضحا أن “مسألة الأخذ بها تحتاج إلى عمل دقيق وعلمي ومرتبط بكافة التي الإجراءات التي تم اتخاذها بالبرامج المختلفة وهذا الأمر غير ممكن إلا بدراسة مدققة”، مشددا أن “مدى قياس الالتزام يتطلب الرجوع إلى مختلف البرامج والمشاريع التي اشتغل عليها هؤلاء الوزراء”.

وزراء النموذج التنموي

وفي هذا السياق أوضح أدمينو أن خطة التحول التي تم إقرارها على مستوى التعليم العالي مثلا تتضمن مستندات النموذج التنموي خاصة ما يخص الرقمنة، وما يتعلق بالاهتمام بالانفتاح واللغات، مؤكدا أنه بالعودة إلى هذه الخطة يتضح أن العديد من ركائز النموذج التنموي الجديد حاضرة بشكل أو بآخر في برامج الوزارات والقطاعات الحكومية.

وحول طريقة تدبير وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي لملف السيادة الطاقية التي يحث عليها تقرير النموذج التنموي، ما يتضح مع استمرار طرح ملف “لاسامير” وجدل تحرير أسعار المحروقات وارتفاع أسعارها، أكد أدمينو أنه على مستوى هذه الوزارة توجد صعوبات بسبب التقلبات التي عرفها العالم.

وتابع أن برنامج الوزارة يضم مشاريع تهم الاستقلالية الطاقية والطاقات البديلة، لكن إكراهات التحول على المستوى العالمي، وما حمله من غلاء موارد الطاقة والتوجه نحو الطاقات البديلة والاهتمام بالتحولات المناخية، ستخلق نوعا من عدم القدرة للوفاء بالالتزامات المحددة داخل الأجندة الزمنية.

وقال أدمينو في السياق نفسه أن مثل هذه الأمور طبيعية يمكن أن تحدث في قطاعات مختلفة، والتدبير الحكومة لأن التدبير موجه أصلا لمثل هذه المخاطر، وحتى النموذج التنموي الجديد يؤكد على أن التدبير يجب أن يتم على أساس هذا النوع من المخاطر بما يقلل من فرص الابتعاد عن الأهداف التي حددها النموذج التنموي الجديد.

برامج عابرة للزمن الحكومي

وعلى مستوى الموارد البشرية التي أكد النموذج التنموي الجديد على ضرورة تقوية رأسمالها، وأمام المشاكل المستمرة بقطاع التربية الوطنية، الذي يترأسه الوزير شكيب بنموسى الذي كلف أيضا برئاسة النموذج التنموي، أفاد أدمينو أن هذا النموذج حدد له أفق سنة 2030 ولا يتعلق بتدبير لسنة أو سنتين ولكن يجب على الوزراء استحضار هذه الأهداف”.

وفي السياق ذاته أورد أنه مثلا مجال التعليم العالي وما يتعلق بفتح الفرص أمام الطاقات المغربية المقيمة بالخارج والرفع من كفاءة الموارد البشرية المغربية هو مشروع لا يمكن تنزيله في سنة و سنتين، لأن مثل هذا المشروع عابر للزمن الحكومي، مضيفا أنه لابد أن يكون البدء بعدد من المشاريع والإجراءات منذ هذه المرحلة لتحقيق هذا التصور.

وأوضح أن قطاع التربية الوطنية اليوم يوجد بها نقاش لا يرتبط فقط بالنظام الأساسي الجديد ولكن أيضا بنظرة تدبير الموارد البشرية في هذا القطاع، وما يرتبط بنوعيتها وتكوينها وتحفيزها، وما يرتبط كذلك بالكفاءات التي يحتاجها التعليم في المستقبل، خاصة مع التحول الجاري على مستوى الذكاء الاصطناعي ونحو الرقمنة الذي يفرض تكوين هذه الموارد، والذي ليس ضروريا أن يتم تطبيقها في الوقت الحالي، لكن ينبغي العمل على الوصول إليها مع الأفق الزمني للنموذج التنموي الجديد.

وحول الرهانات الملقاة على وزارة الادماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، أكد أدمينو أن هذه الوزارة مهمتها ليس التشغيل بطريقة مباشرة، لكن توفير الجو العام لخلق فرص الاستثمار، والسهر على ضمان التزام المغرب بضمان حقوق الشغيلة وتطبيق مدونة الشغل، وتحضير عرض تكويني وتوجيه مراكز التكوين المهني لتحضير الأطر والموارد البشرية والكفاءات للتحضير لهذه التحولات التي يعرفها المغرب، وأن تضمن الربط بين التكوين والتأطير وطبيعة التحديات التي تواجه الاستثمار وسوق الشغل في ارتباط بالتحولات التي يعرفها المغرب.

وانتهى أدمينو إلى أن النموذج التنموي ليس عبارة عن تدبير إجراءات حكومية بقدر ما أنه مبادئ موجهة للسياسة الحكومية، والتي من الضروري على الحكومة الحالية أن تستحضره في البرامج التي تشتغل عليه، مضيفا أن ينبغي استحضار كذلك أن المغرب لا يشتعل فقط بالبرنامج الحكومي، ولكن هناك أيضا برامج ومخططات عابرة للزمن الحكومي مثل “الجيل الأخضر” و”المغرب الأزرق” و”أليوتيس” وغيرها، وبالتالي على الحكومة التي تعمل على تنزيلها أن تكيفها مع أهداف النموذج التنموي الجديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News