أمن وعدالة

الداكي: التشبّع بمبادئ النزاهة والشرف يرفع منسوب ثقة المتقاضين في العدالة الجنائية

الداكي: التشبّع بمبادئ النزاهة والشرف يرفع منسوب ثقة المتقاضين في العدالة الجنائية

أكد الحسن الداكي رئيس النيابة العامة، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، أن العدالة الجنائية من الأسس التي تحقق الأمن المجتمعي من خلال ملاحقة مرتكبي الأفعال الإجرامية والبحث معهم، وصولا إلى إصدار حكم يحقق الردع الخاص والعام ويمكن من جبر الأضرار التي تطال الضحايا والمجتمع. معتبرا أن نجاح العدالة الجنائية يمر لزاما عبر تحسيس الأجهزة المكلفة بإنفاذ القانون، وباقي مساعدي العدالة بدورهم الإيجابي الذي ينبغي أن يضطلعوا به باعتبارهم فاعلين أساسيين فيها.

ولفت المسؤول في كلمة له، اليوم الأربعاء بطنجة، خلال دورة تكوينية حول “العدالة الجنائية وآليات تجويدها بين متطلبات تحقيق النجاعة وتعزيز القيم والأخلاقيات المهنية” والمنظمة من طرف رئاسة النيابة العامة بشراكة مع المديرية العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي، إلى أن البحث الجنائي من ضمن الآليات القانونية التي تؤثر في العدالة الجنائية إيجابا أو سلبا، وأحد مداخل المحاكمة الجنائية العادلة التي تعد من المبادئ السامية التي أقرتها أهم المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الانسان، والتي تبناها الدستور المراجع لسنة 2011 وقانون المسطرة الجنائية من خلال المحاضر التي تنجز بشأنه تبعا لشكاية المتضررين من الفعل الجرمي.

وتنعقد هذه الدورة التكوينية الخامسة، في إطار استكمال سلسلة الدورات التكوينية الجهوية التي انعقدت بكل من فاس و مراكش و الدار البيضاء وأكادير، ومن المرتقب أن يستفيد منها حوالي 1000 مشارك و مشاركة من بينهم مسؤولون قضائيون عن النيابات العامة و قضاة التحقيق بالمحاكم الابتدائية و محاكم الاستئناف ومسؤولو الشرطة القضائية التابعون للإدارة العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي و ضباط الشرطة القضائية العاملون بالدائرة القضائية لمحاكم الاستئناف بكل من طنجة وتطوان والحسيمة والرباط والقنيطرة، وتهدف إلى تدارس ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك في إطار المقاربة التشاركية التي تتبناها رئاسة النيابة مع الرئاسة المنتدبة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في كل ما يخدم مصلحة العدالة ويساهم في الرفع من قدرات المنتمين لها.

وأشار الداكي أن أهمية البحث الجنائي، يلقي على عاتق المكلف به التزامات تفرض عليه التمتع بالموضوعية والحياد، والحرص على حسن استقبال المشتكين والضحايا والتواصل معهم تكريسا لحق تيسير الولوج إلى العدالة، ومراعاة كافة الضمانات القانونية المخولة للمشتبه فيهم كإشعارهم بالجريمة المنسوبة إليهم، والحق في التزامهم الصمت، و الحق في المساعدة القانونية ومؤازرة الدفاع، واحترام مدة الوضع في الحراسة النظرية وضوابط تمديدها، والتقيد بالقواعد الناظمة لتفتيش المنازل والأمكنة، والحرص على مراعاة الإجراءات الشكلية المتطلبة قانونا في البحث الجنائي لتفادي تعرضها للبطلان.

وتابع :”لا شك في أن احترام هذه الإجراءات إلى جانب كونها التزاما قانونيا صرفا، فإن خرقها يعد مدخلا لتقديم مجموعة من الدفوع الشكلية من طرف هيئة الدفاع أمام المحكمة المعروضة عليها القضية، والتي قد تقضي ببطلان المحاضر أو الإجراء المعيب مما يضعف المحضر كوسيلة للإثبات لا سيما أمام الحجية التي تتمتع بها في الجنح، فضلا عن اعتمادها أساسا لرفع تظلمات أو شكايات أمام القضاء الوطني أو في شكل بلاغات فردية أمام المؤسسات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الانسان مع ما قد ينجم عن ذلك من تداعيات سلبية تؤثر على صورة العدالة بالبلاد”.

كما أن خرقها، وبحسب رئيس النيابة العامة، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، يقوض كل المجهودات الجبارة التي يتم بذلها في سبيل تكريس حماية الحقوق والحريات وتفعيل شروط المحاكمة العادلة وفق ما نص عليه دستور المملكة والمواثيق الدولية ذات الصلة بالموضوع، مشددا على أهمية البحث الجنائي في إذكاء المقومات الأساسية للعدالة الجنائية، باعتباره من بين المؤشرات التي يَرْكَنْ إليها كل متتبع لها بما في ذلك الدفاع وأطراف الخصومة لتقييمها، “وهذا ما يتطلب منا جميعاً تشخيص واقع إنجاز الأبحاث الجنائية، من خلال القيام بدراسة دقيقة له، من أجل رصد المكتسبات والممارسات الجيدة وتثمينها، والوقوف على الصعوبات والمعيقات والبحث عن الطرق المثلى لمعالجتها. انطلاقا من التجارب المهنية التي راكمتموها كأجهزة مكلفة بإنفاذ القانون”.

واعتبر أن الأبحاث الجنائية أحد المرتكزات التي تنبني عليها المحاكمة الجنائية العبادلة، لا سيما في الجنح وذلك انطلاقا من الحجية التي أضفاها المشرع المغربي عليها في هذا الإطار بموجب المادة 290 من قانون المسطرة الجنائية، وهو ما يجعل الباحث ملزما بإجراء البحث والتحري بشكل مهني واحترافي وبمصداقية تامة وحياد عن كل المؤثرات، وأن يأخذ مسافة بينه وبين الأطراف المتنازعة، مع ضرورة إبراز شخصيته على مستوى إدارة البحث من خلال طريقة الاستماع وانتقاء الأسئلة الهادفة والمثمرة وتقنيات المواجهة والبحث عن الأدلة والتفاعل الإيجابي مع كل المعطيات التي قد تفيد البحث وتفادي الإجراءات التي قد تعرقل حسن سيره أو تعطل مساره، انتهاء بتحرير محضر يتضمن كل ما تم القيام به والذي من شأنه أن يكون نموذجيا ومرجعا يمكن الاستئناس به في الممارسة العملية لضباط الشرطة القضائية.

دعا الداكي إلى ضرورة أن يكون الأشخاص المكلفين بالأبحاث الجنائية، وكذا المشرفين على سيرها، وأمام اعتماد أساليب جديدة في ارتكاب الجريمة، وظهور أشكال مستحدثة من الجرائم بسبب التقدم التكنولوجي والتقني الهائل الذي عرفه العالم، مواكبته من خلال تحسين مهاراتهم وقدراتهم في مجال الأدلة العلمية و الرقمية والخبرات التقنية وكيفية أخذ العينات من مسرح الجريمة حفاظا على آثارها، وذلك بالنظر لأهمية ذلك في فك شفرة الجرائم المعقدة التي ترتكب باستعمال وسائل تقنية وعلمية يصعب الكشف عنها بواسطة طرق الإثبات التقليدية، مذكرا بأن القضاء المغربي أصبح يعتمد في العديد من أحكامه على الدليل العلمي لإثبات بعض الجرائم التي قيدها القانون بشكليات معينة كما هو الحال بالنسبة لجريمة الخيانة الزوجية التي اشترط القانون لإثباتها إما حالة التلبس أو الاعتراف، حيث ذهب في هذا الإطار إلى السماح بإثباتها بمقتضى التسجيلات المثبتة بالكاميرات، كما اعتمد أيضا الخبرة الجينية كوسيلة لإثبات جرائم أخرى كجرائم العرض.

كما يرى الداكي، أن الرفع من جودة الأبحاث الجنائية وتحديث آليات وأساليب اشتغالها وتأهيل المكلفين بإنجازها لا يمكن أن يسهم في النهوض بالعدالة الجنائية بالبلاد ما لم يتعزز بإذكاء ثقة أفراد المجتمع فيها بما في ذلك أطراف الخصومة الجنائية، “وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بتحلي كافة الأجهزة المتدخلة في إنتاج العدالة الجنائية بقيم المروءة والنزاهة والأخلاق المهنية، وذلك تكريسا لمبدأ تخليق الحياة العامة، مستشهدا برسالة الملك الموجهة إلى المشاركين في الندوة الوطنية حول دعم الأخلاقيات بالمرفق العام التي نُظمت بالرباط بتاريخ 29/10/1999 والتي جاء فيها “… وإن تصاعد الاهتمام الدولي خلال السنوات الأخيرة بمشكلة الفساد الإداري ليضاعف من اجتهادنا لتحقيق مانحن بصدده من ربط المفهوم الجديد للسلطة بمفهوم الخدمة العامة وصيانة الحقوق وحفظ المصالح واحترام الحريات والقوانين. وفي ذلكم تلبية لما يحض عليه ديننا و أخلاقنا وتنص عليه مواثيق الأمم المتحدة من ضرورة العمل على تلافي مخاطر الرشوة واللامبالاة والإهمال عمدا أو جهلا أو ما إليهما مما يحول دون توفير أسباب النماء والتقدم..”.

واسشتهد كذلك، بنص الخطاب الملكي في 30 يوليوز 2013، والذي جاء فيه “ومهما تكن أهمية هذا الإصلاح، وما عبأنا له من نصوص تنظيمية، وآليات فعالة، فسيظل “الضمير المسؤول” للفاعلين فيه، هو المحك الحقيقي لإصلاحه، بل وقوام نجاح هذا القطاع برمته). وخطاب الملك إلى القمة 31 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي المنعقدة بنواكشوط يوم 01 يوليوز 2018، الذي قال فيه إن “مشكلة الفساد لا يمكن اختزالها فقط في بعدها المعنوي أو الأخلاقي، فالفساد ينطوي أيضاً على عبء اقتصادي، يُلقي بثقله على قدرة المواطنين الشرائية، لا سيما الأكثر فقراً منهم. فهو يمثل 10 بالمائة من كلفة الإنتاج في بعض القطاعات الاقتصادية.. الفساد في الانحراف بقواعد الممارسة الديمقراطية، وفي تقويض سيادة الحق والقانون؛ كما يؤدي إلى تردي جودة العيش، وتفشي الجريمة المنظَّمة، وانعدام الأمن والإرهاب”.

وقال الداكي إنه تفعيلا للتوجهات الملكية، بادر المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى وضع مدونة للأخلاقيات القضائية حددت مجموعة من قواعد السلوك التي ينبغي على القضاة إما الالتزام بها أو تفاديها في حياتهم المهنية وسلوكهم الشخصي بما يحافظ على هيبة القضاء وحرمته ويسهم في إذكاء ثقة المواطن في العدالة. مؤكدا أن هذه المدونة تتقاطع بخصوص ما تضمنته من مبادئ أخلاقية مع مدونة قواعد السلوك التي وضعتها المديرية العامة للأمن الوطني بالنسبة لموظفي الأمن الوطني وأيضا مع ميثاق الأخلاقيات والسلوك الذي وضعته قيادة الدرك الملكي بالنسبة لمنتسبيها، حيث أن جل قواعد السلوك فيها تنصب في مجملها على قيم أخلاقية ومهنية نبيلة من قبيل النزاهة والتجرد والشرف والحياد التي ينبغي التحلي بها خلال مباشرة المهام المذكورة كل من موقعه.

وفي السياق ذاته، أضاف :”إذا كانت مدونات وقواعد السلوك تشكل إطاراً مرجعياً لفرض الأخلاقيات المهنية، فإن دور أجهزة الرقابة الإدارية وهيئات التفتيش في هذا المجال يبقى أساسياً ومحورياً للإسهام في فرض احترام وتفعيل هذه القواعد والانضباط لمبادئها دون أن نغفل دور الرقمنة التي أصبحت تشكل في وقتنا الراهن إحدى الآليات المعززة للشفافية والنزاهة، وهو ما يقتضي منا التفكير الجماعي لإيجاد حلول مبتكرة بغية تعزيز الربط المعلوماتي بين مختلف أجهزة العدالة الجنائية والمعنيين بها، والعمل على التسريع من وتيرة رقمنة الخدمات”.

وسجل الحسن الداكي، أن التشبع بمبادئ النزاهة والشرف وبباقي القيم الأخلاقية، يظل من بين المداخل الأساسية للرفع من منسوب ثقة المتقاضين وتحقيق رضاهم على العدالة، وضمانة من ضمانات تحقيق شروط المحاكمة العادلة، إضافة إلى تعزيز القيم الأخلاقية في الممارسة المهنية، الذي يبقى من بين المتطلبات الأساسية لتنزيل خلاصات تقرير النموذج التنموي الجديد بهذا الخصوص، وذلك بهدف تبوئ عدالة المغرب المكانة التي تستحقها وتكون في مستوى ما يتطلع إليه الملك محمد السادس، مؤكدا أن تعزيز علاقات التعاون والتنسيق بين المسؤولين عن النيابات العامة وعن مصالح الشرطة القضائية بشكل وثيق ومتواصل وصريح هو الكفيل الأساسي بتفعيل مبادئ هذه القيم والأخلاقيات المهنية سواء من خلال عقد لقاءات تواصلية أو دراسية محلية أو جهوية أو من خلال اعتماد مقاربة تشاركية لمواجهة بوادر كل انحراف أو إخلال قد تبدو معالمه أحياناً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News