ثقافة | فن

فاعلون سينمائيون يعدّدون “معيقات” تحويل السينما المغربية إلى رافعة نهضوية بمعرض الكتاب

فاعلون سينمائيون يعدّدون “معيقات” تحويل السينما المغربية إلى رافعة نهضوية بمعرض الكتاب

ناقش متدخلون في الشأن السينمائي المغربي بالمعرض الدولي للكتاب بالرباط، جهود المغرب خلال العقدين الأخيرين لتطوير السينما على المستويين المؤسسي والمادي، متسائلين عن سبل جعل هذا الحقل رافعة نهضوية حقيقية.

“لا نهضة في السينما”

وقال المخرج المغربي عز العرب العلوي إن السينما تؤدي دائما أدوارا متعددة سواء على المستويين الجهوي أو المحلي، مبرزا أن المغرب يراهن على أن تكون هذه السينما قاطرة، لذلك أسس لها العديد من القوانين المحفزة وأعاد قراءة الحقل السياسي بما يعطي دفعة قوية للقطاع السينمائي.

وأضاف العلوي، خلال افتتاحه ندوة حول “نهضة السينما بالمغرب”، أن “النهضة في السينما لها تعدد وبالتالي حينما نريد أن نقارب هذه التيمة انطلاقا من مشارب متعددة من باب النقد والإخراج والإنتاج والتوزيع بوصف هذه النقاط الرئيسة تؤسس عالم السينما منذ بدايته إلى الآن” .

وتعليقا على موضوع الندوة، اعترض المخرج السينمائي سعد الشرايبي في مداخلتة على مفهوم النهضة، إذ يرى أنها “لا تنطبق على ميدان السينما الذي يعتمد على الفكر والإبداع”.

وأكد الشرايبي أن الفن بصفة عامة، والسينما بصفة خاصة، “لا يمكنها أن تنهض إلا بنفسها، إذ لا يمكن أن يكون هناك حقل يسمى النهضة في السينما”، وعزّز موقفه بالقول: “السينما ليست أداة بل هي تعبير، والفرق بينهما، أن الأداة نوجهها ونقوم بصقلها وتطويرها، أما السينما بوصفها إبداعا وفكرا لا يمكن ضبطها، لأنها متعلقة بالإبداع وتنطلق من لا شيء وتعبر عن وجهة نظر، وتلاقي جمهور”، متسائلا في الوقت ذاته عن “مدى أهمية هذه العملية في نهضة أمة وشعب واقتصاد”.

وتابع المتدخل نفسه: “لما نطالب بنهضة، وكأننا ليس لدينا مشروع، نحن في غابة ونريد أن يكون لنا مشروع، ومن خلاله نطالب بنهضة، نحن في حقل لا يمكن ضبطه ولا يمكن أن تتحكم فيه السلطة السياسية والاقتصادية وغيرهما، ومن يتحكم فيه هو من يقترحه ومن يؤديه إلى اللقاء مع الجمهور”.

ويرى الشرايبي أنه كان من المفترض الحديث عن “كيفية تطوير سينمانا، وآفاق تطور هذا الميدان”، عوض الحديث في 2023 بلغة السبعينيات والثمانينيات وطرح أسئلة لا إجابة عنها”، وفق تعبيره، مشيرا إلى أنه يجب طرح أسئلة من قبيل “ما الذي سيقع مستقبلا في الحقل السينمائي والفكري، والإبداعي؟ وأي توجه ينبغي أن نسير فيه؟، وهل سنبقي على حرية تعبير مطلقة، أو سنكون استباقيين للأحداث أو على الأقل مواكبة ما يجري؟”.

“حقل زئبقي”

وعقب العلوي على الشرايبي، قائلا: “هناك صعوبة لتحديد مفهوم النهضة في السينما، انطلاقا من طبيعة الموضوع، وكون هذا الميدان يصعب ضبطه، وبالتالي يصعب الحديث عن النهضة”.

ولفت العلوي إلى أن “هناك معيقات لتحقيق هذا الهدف، وثمة تساؤلات حول كيفية تطبيق هذه النهضة داخل هذا الحقل الزئبقي الذي لا يمكن مسكه لعدة تدخلات تحدث فيه باعتبار أن ميدان السينما له علاقة له مع الكثير من الاتجاهات”.

“مسعى نهضوي ووسيط للحوار بين الأمم”

من جانبه، قال الناقد سعيد المزواري إن السينما يمكن أن تكون “مسعى نهضويا بصفتها حدثا اجتماعيا شاملا، فهي مرآة المجتمع التي تعكس آماله وهواجسه وأحلامه، أي كل ما يمر في عقله الباطن”، مؤكدا أن المجتمع الذي يفتقر إلى السينما “كالشخص الذي يفتقر إلى ملكة الحلم”.

وعدّ المزراوي، في مداخلته، أن الفيلم “وسيلة للتثقيف والتوعية في جميع الحقول المعرفية سواء منها العلمية أو الإنسانية، ووسيلة لحفظ الذاكرة من أماكن وهندسة ومعمار ولغة الشعوب”، مستحضرا فيلم “الحال” الذي سلط الضوء على تجربة “ناس الغيوان” في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات.

واسترسل قائلا: “السينما وسيلة ووسيط للحوار بين الأمم التي تعتمد على قاعدة الإنسان ووحدة تجربته، إذ تشكل بعض الأفلام من وسائل القوة الناعمة، سواء لأصحاب النفوذ الاقتصادي أو السياسي”، مستشهدا بالسينما الكورية التي فتحت بابها لشركات كبرى استثمرت فيها في بداية التسعينات، والتي قامت عليها نهضة السينما الكورية.

وتطرق المتحدث ذاته إلى نقاط القوة التي يمكن الاعتماد عليها لرفع تحدي السينما مسعًى نهضويا، بداية من “منظومة الإنتاج التي تحقق في المغرب ما بين 25 و30 فيلما في السنة، إذ هناك نوع من التنوع على مستوى الموضوعات والفن وتمثيلية الأجيال” ، عادا أن فوز أربعة أفلام في مهرجان “كان” السينمائي مؤشر إيجابي عن مستقبل السينما المغرب”.

وفي ما يخص نقاط القوة، تحدث المزواري عن إقبال الجمهور على الفيلم المغربي الذي يحتل مراتب متقدمة في شباك التذاكر، مبرزا أن السينما أفضل وسيلة للتعبير عن المخيال المغربي بين كل أصناف الفنون.

وتطرق أيضا إلى دينامية المهرجانات التي تبلغ عددها في المغرب أكثر من 60 تظاهرة موزعة على مختلف الجهات، ولو أنها، يستدرك المزراوي، ليست في قيمة الجودة نفسها، مردفا: “فمنها الاحترافية ومنها التي يعوزها التصور وتشوبها العشوائية، لكنها تؤدي دورا كبيرا في حياة الفيلم المغربي، رغم أنها لا تعوض قاعات السينما”، وفق تعبيره.

“معيقات في الطريق”

وأشار الناقد السينمائي إلى المعيقات التي تحول دون تحقيق الهدف بداية من ضعف حضيرة قاعات السينما في المغرب، “هناك حوالي 65 شاشة تتضمنها 25 قاعة، مما لا يمكن السوق من أن تؤدي دورها في طرح التجارب وتدوير عجلة الإنتاج”.

وأضاف ضمن المعيقات: “الجمهور يُقبل بشكل كبير على الأفلام التي تنتمي إلى خانة الكوميديا الخفيفة، الذي سيحيلنا على المعيق الأساسي وهو غياب التربية على ثقافة الصورة في المغرب، لأن الأذواق ليست قدرا منزلا بل يمكن الاستثمار فيها من خلال التربية والتكوين، ومقررات وبرامج تدرس هذا المجال”.

ويرى أنه يجب أن نؤسس لسياسة توعوية للناشئة بتصور ومعارف السينما بصفتها فنا ينطوي على قيم جمالية وأخلاقية، من خلال حضورها في المؤسسات التعليمية.

“النهضة ستبدأ حين نتخلص من الوهم”

أما المخرج والكاتب والناقد السينمائي محمد الشريف الطريبق، فيرى أن النهضة أو التجديد أو بناء مجتمع متقدم تبدأ من “إعادة كتابة سرديتها وامتلاك صورنا والتخلص من الوهم في علاقتنا بذاتنا والصور النمطية التي روجت عنا وفرضت علينا وجعلت الشعوب التي لا تعرفنا مباشرة ولا تربطنا بها أي علاقة جغرافية ولا تاريخية أن تنظر إلينا في قالب معين”.

وأردف الطربيق، في مداخلته: “لا يبدأ التحرر بالاحتجاج وإجبار الآخر أو التوسل إليه لتغيير رؤيته بل من أن نبادر وأن نصور بأنفسنا حكايتنا وننتج صورنا بنوع من الاستقلالية المالية والفكرية برأس مال وطني يضمن استقلالية إنتاجاتنا، لأن الدعم الخارجي يفرض علينا أفكارا ومصالح، ما يهدد أصالة العمل الفكري واستقلاليته”.

ويرى الطريبق أن مقارنة السينما المغربية مع غيرها ممن خطت خطوات قبلنا “مجحفة في حقها، إضافة إلى أن الحكم عليها بالفشل لعدم مطابقتها الأعمال الدولية الأخرى التي تتوفر على صناعة متكاملة، يضر بتقدمها”، حسب قوله، ولفت إلى أن إعادة إنتاج ما ينتجه الآخر المتفوق فيه “نفي لتاريخنا، واختزال له، مردفا:” إن النهضة تبدأ من خلال النظر إلى وجهنا في المرآة لنرى حقيقتنا وقدرتنا على مواجهتها، وليس من خلال صورة مرسومة من الغير”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News