ثقافة | حوارات

الجويطي لـ”مدار21″: الجوائز لا تحيي نصا ولا تميته ومتفائل بمستقبل الرواية المغربية

الجويطي لـ”مدار21″: الجوائز لا تحيي نصا ولا تميته ومتفائل بمستقبل الرواية المغربية

لكل مدينة مغربية مبدعها ولسانها، وذلك الروائي الذي يقفز اسمه إلى ذاكرتك كلما قررت أن تتحدث عنها أو تزورها، لطنجة محمد شكري وللدار البيضاء محمد زفزاف، ولشفشاون عبد الكريم الطبال، ولأصيلة محمد بنعيسي، أما بني ملال فلها عبد الكريم الجويطي، الروائي الهادئ المتواضع، الذي قرر أن لا يبرح مسقط رأسه وفاء لها ولأسرته الصغيرة ومنبع إلهام تحرسه قلعة بلكول.

“كان لجدي بستان زاهر، يقضي فيه معظم وقته، وفي يوم ما، تم سلبه إياه وباسم المصلحة العامة وتم منحه تعويضا تافها، فلم يبق لجدي البستاني الحقيقي شيئا يفعله فمات وولد الروائي بداخلي وعمري لا يتجاوز ست سنوات” هكذا يبرر الجويطي ولوجه عالم الرواية، حيث أصدر “ليل الشمس” في عمر 24، و بعدها “زغاريد الموت” و”كثيبة الخراب” و”المغاربة”، ثم “ثورة الأيام الأربعة”، التي اختار فيها تحويل أحداث “مولاي بوعزة” التاريخية لسرد روائي ينبش في مالم يستطع المؤرخون رسمه في خارطة الماضي.

عن “ثورة الأيام الأربعة”، وعن استثمار الأحداث التاريخية روائيا، وارتفاع عدد الإصدارات المغربية وموضة الجوائز والشهرة وصناعة كتاب تحت الطلب، كان “لمدار21” مع الروائي والباحث في التاريخ، عبد الكريم الجويطي، هذا الحوار.

نص الحوار كاملا:

ما الذي دفعك لاختيار أحداث مولاي بوعزة لتسليط الضوء عليها في روايتك “ثورة الأيام الأربعة”؟

منذ أحداث ما سمي بالربيع العربي، فكرت في كتابة رواية حول ما أعتبره قضية كبرى “التغيير”، قأنا أؤمن إيمانا عميقا بأن التغيير الحقيقي هو التغيير الديمقراطي الذي يبنى على التوافق ويبنى على التدرج وعلى العقلانية السياسية والاجتماية، وطبعا القاعدة الكبرى لهذا التغيير هو تغيير القيم والأفكار.

ما لم نغير منظومة القيم ومنظومة الأفكار، فالتغيير يكون شكليا وسرعان ما يستولي عليه الماضي ويعيده إلى حضنه لذلك فكرت في تسليط الضوء على أحداث “مولاي بوعزة” في الرواية، نظرا لعلاقتي الخاصة مع الحدث، لأن بعض جيراني في الحي الذي أقطن فيه شاركوا فيه بشكل أو بآخر. كما لدي أيضا ذكريات طفولة وصور ذهنية حول الحدث ولن تفارقني ما حييت، وسبق أن شاركتها مع القراء في روايتي “كتيبة الخراب”.

وبعد مدة، وحين قررت أن أكتب رواية حول القضية الكبرى “التغيير”، فكلنا نريد أن نغير وكلنا نطمح للتغيير ولكن يبقى السؤال، كيف تنجز هذا التغيير، هل علينا أن ننجزه أولا في المدرسة أو في البيت أو في الشارع، وكذلك طريقة تحويل التغيير الذي ننجزه في التربية والتعليم إلى طاقة لتغيير المجتمع، وهل من الممكن أن نغير المجتمع سياسيا، اخترت أحداث مولاي بوعزة، لتكون موضوعا لها.

بالنسبة لي، أحداث مولاي بوعزة تجسد الرغبة في التغيير العنيف أو التغيير المسلح للأوضاع وهذه الأحداث تمخضت عنها مآس ليس فقط طالت الأفراد الذين شاركوا فيها، بل بعض المناطق والدواوير برمتها عانت من تبعات وويلات قرار انطلاق انتفاضة مسلحة أو تغيير مسلح.

كل هذه الدوافع التي ذكرت، ساهمت في اختياري لهذه الأحداث، التي أعتبرها من الأحداث الكبرى في تاريخ المغرب الحديث، فمنذ 1956 إلى الآن، تقريبا كل الأحداث استثمرت روائيا (23 مارس سنة 1965 و3 مارس 1973 وأحداث 1981 بالبيضاء وأحداث 1990 في فاس).

الرواية عندها قدرة استثمار بعض الأحداث الكبرى في التاريخ، وطبعا أؤكد هنا أنني لا أستدعي الأحداث استدعاء المؤرخ ولكن استدعاء الروائي وأساسه (الاستدعاء) علاقة هذه الأحداث بالحاضر ومع مستقبلنا.

طفرة ملحوظة يشهدها المغرب في عدد الإصدارات، وخاصة فيما يتعلق بالرواية، ما تعليقك ؟
طبعا نحن نشهد طفرة هائلة في الإصدارات الروائية المغربية، حيث انتقلنا من روايات معدودة في السنة في السبعينات والثمانينات وحتى بداية التسعينات، إلى أزيد من 600 رواية الآن، ولا يمكنني إلا أن أكون مسرورا بهذه الطفرة وبهذه القدرة على التعبير التي ظهرت بكل ربوع المملكة وأصبحت الرواية تكتب في كل المدن المغربية وكل البوادي.

وأستحضر هنا قانونا فيزيائيا يؤكد أن الكم دائما يولد الكيف، ولذك بقدر ما يزداد الكم وبقدر ما يكثر الروائيون، بقدر ما ستبرز تجارب روائية مهمة، وما يثيرني أيضا هو أن الكتابة لم تعد شأنا خاصا لرجال التعليم والصحفيين بل صارت الرواية تكتب من طرف العمال والأطباء والمهندسين والممرضات ومشارب اجتماعية مختلفة.

أنا متفائل جدا بمستقبل الرواية المغربية، صحيح أن هذا الكم فيه الغث والهزيل بنسبة كبيرة ولكن أيضا فيه تجارب جديرة بالاحترام.

من وجهة نظرك، هل تخدم الجوائز والشهرة الكاتب والروائي أم تضره؟

الجوائز لا تحيي نصا ولا تميته، ما يحيي النص وما يميته هو القراء، وحاليا نشاهد جوائز كثيرة وخصوصا في الخليج، طبعا يمكن أن يكون الأمر محمودا ولكن ما ليس جيدا هو أن أكتب رواية من أجل جائزة وأتصنع في كتابتي من أجل الجائزة أو أن أذهب إلى مواضيع فقط لأنني أعتقد أنها يمكن أن تعجب لجان الجوائز.

الكتابة الحقيقية تكتب في عزلة تامة وتكتب مفرغة من كل هذه الأشياء وهي في كل الأحوال لن تصنع كتابة جيدة، فكل الكتاب الذين تدين لهم البشرية كتبوا في فقر مدقع وفي ظروف سيئة ولكن استطاعوا أن يمنحوا البشرية تجارب روائية عظيمة وملهمة ودائمة.

أعتقد أن الحسابات الصغيرة ولا الكبيرة في الجوائز لن تصنع كاتبا وحتى النصوص التي تفوز بالجوائز كثيرا ما تنسى، فروايات كثيرة فازت بجوائز كبرى، نوبل حتى، ولكن لا يذكرها أحد الآن، ومن جهة أخرى بعض الروائيين لم يفوزوا ولكن استطاعوا أن يلهموا البشرية ويقرأ لهم في كل مكان.

أعتقد أن ما يولد الكتابة الحقيقية هو العزلة والألم والإحساس بأن هناك شيء ينبغي أن يقال للعالم حتى لو كان صرخة أو عويلا أو شتيمة، هذه هي الأشياء التي تبقي الأدب حيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News