رياضة

الكرة والسياسة.. علاقة ملغومة ورهانات متقاطعة في سنة الانتخابات

الكرة والسياسة.. علاقة ملغومة ورهانات متقاطعة في سنة الانتخابات

على بعد أقل من شهر عن موعد الاستحقاقات الانتخابية التشريعية، تزداد حدة التدافع بين الأحزاب السياسية بحثا عن أكبر قطعة من كعكة الأصوات، وتزداد معها حدة النقاش حول استغلال بعضها للرأسمال الرياضي لبعض أندية كرة القدم من أجل تصدر المشهد الانتخابي.

قد تختلف الآليات والاستراتيجيات من حزب إلى آخر في سبيل استمالة تعاطف الناخبين، بيد أن الرياضة، سيما كرة القدم، قد تشكّل مدخلا لبعض الوجوه الحزبية من أجل إيجاد موطئ قدم داخل الخريطة السياسية الوطنية. وبهذا الصدد يقول د. أمين السعيد، أستاذ بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بفاس، إن السنوات الأخيرة شهدت بروز ظاهرة هيمنة “رجال السياسة” على إدارة وتدبير الأجهزة المسيّرة للفرق الرياضية، خاصة في مجال كرة قدم، وهذا ينتج، من وجهة نظره، علاقة “ملتبسة بين الرياضة والسياسية، حيث يسود انطباع سيئ لدى العديد من الفئات المجتمعية بأن الفاعل السياسي يسعى إلى البحث عن شرعيات جديدة في ظل تآكل الشرعيات التقليدية، عبر بوابة تدبير الأجهزة المسيرة للفرق الرياضية لكرة القدم، ذلك أن هذه المحطة تسمح للفاعليين السياسيين من اقتحام أسواق منتجة للحقل الحزبي.”

الكرة والسياسة.. الممنوع المرغوب

لا يمكن الحديث عن نشأة أو تطور الرياضة أو كرة القدم المغربية دون الغوص في دهاليز السياسة، التي كانت وما تزال تُحكِم سيطرتها على أجهزة قرار وتسيير القطاع الأكثر حيوية وشعبية وطنيا كما عالميا، مقابل استمرار تغييب الأُطر والكفاءات المكوَّنة القادرة على الرقي بالرياضة الوطنية إلى مستوى يضاهي حجم الإنفاق وما هو مأمول؛ خاصة في كرة القدم، التي تستأثر بالاهتمام الأكبر من المسؤولين.

يقول الباحثان د. منصف اليازغي ود. الحاج محمد الناسك في مقال مشترك حول توظيف فرنسا واليهود للرياضة خلال فترة الحماية، إنه إبان الحماية بالمغرب كان للرياضة “أهداف سياسية غير مُعلنة، تتلخص بالأساس في صرف الشباب في أوقات الفراغ عن الاجتماعات والخُطب السياسية.. لكن الحركة الوطنية استغلت الرياضة لتصبح أداة للمقاومة والتعبير السياسي.”

ويضيفان أن الرياضة في تلك الفترة الزمنية؛ أي ما بين 1912-1956، بدت “أداة قوية لفرض النظام والتخليق المستهدفة في نهاية المطاف تطويعا أكبر للأهالي”، وكان هذا مزجا واضحا وصريحا بين ما هو رياضي لبلوغ مرامٍ سياسة.

بعد الاستقلال، ظلت رائحة السياسة تفوح من مطبخ الرياضة بشكل فاضح، وبلغت ببعض الشخصيات حد التغوّل والتحكم في نتائج بعض المباريات، على غرار ما أورده الباحث في السياسيات الرياضية، د.منصف اليازغي، في كتاب “مخزنة الرياضة”، عندما كان الحسين الدليمي، رئيس اتحاد سيدي قاسم ووالد أحمد الدليمي وزير الداخلية في تلك الفترة، يتحكّم في نتائج مباريات فريقه ويدخل الملعب لصفع حكمٍ تسبب في هزيمة فريقه، أو لإنهاء المباراة قبل وقتها في حال كان فريقه متقدما. لكن مثل هذه الممارسات وغيرها تلاشت اليوم بسبب القوانين الصارمة للاتحاد الدولي لكرة القدم.

ويرفض “فيفا” أي تدخل سياسي مباشر في الشأن الرياضي، وهو ما كان سيجر على المغرب عقوبات ثقيلة سنة 2015 عندما حاول رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بنكيران، في اجتماع للجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية، استعمال كرة القدم في صراعه مع بعض الأحزاب، عندما شكّك في نزاهة وصول سعيد الناصيري، المنتمي إلى حزب الأصالة والمعاصرة، إلى رئاسة الوداد الرياضي سنة 2014، لتلَوِّح الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ومعها رؤساء جميع الأندية، بورقة تجميد النشاط الكروي إذا ما استمرت محاولة حشر الخطاب السياسي في المجال الكروي، لكن العاصفة مرت بسلام بتراجع الأمين العام السابق للـ”بيجيدي” عن تصريحاته.

8 رؤساء.. أندية في ملعب السياسيين

وصف جورج أوريل الرياضة بأنها “حرب بدون إطلاق نار”. ولهذا، تعد مرتعًا لرجال السياسة من أجل تلميع صورتهم وإعادة ترسيم حدود نفوذهم وتعزيز تموْقُعهم داخل منظومة القرار السياسي بعيدا عن الأضواء، معتمدين على الشعبية الجارفة لكرة القدم وسط الجماهير المغربية.

ترأُّس نادٍ لكرة القدم أصبح “موضة” داخل الأحزاب السياسة الوطنية في السنوات الأخيرة، فنجد اليوم نصف أندية دوري الدرجة الأولى للبطولة “برو” (8 من أصل 16) يتزعمها فاعل حزبي، هي الوداد الرياضي، شباب المحمدية، اتحاد طنجة، مولودية وجدة، نهضة بركان، يوسفية برشيد، نهضة الزمامرة، وسريع وادي زم، دون الحديث عن بقية تشكيلة المكاتب المسيرة والمنخرطين التي تضجّ برجال السياسة في مختلف الأندية.

ويعد تقنوقراط حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة المعاصرة الأكثر حضورا على كراسي رئاسة الأندية الوطنية هذا الموسم بثلاثة رؤساء لكل منهما، هم هشام آيت منا (شباب المحمدية)، وعبد الحميد أبرشان (اتحاد طنجة)، ومحمد هوّار (مولودية وجدة) بالنسبة لحزب “الحمامة”، وسعيد الناصيري (الوداد الرياضي) ونور الدين البيضي (يوسفية برشيد)، وعبد السلام بلقشور (نهضة الزمامرة) بالنسبة لحزب “الجرار”، فيما حزب العدالة والتنمية ممثل بأمين نوارة (سريع وادي زم)، وحزب الاستقلال بحكيم بن عبدالله (نهضة بركان).

رابح رابح.. أحزاب تمتطي صهوة الرياضة

كثيرة هي الأندية التي اقترن اسمها برجال دولة أو سياسيين على مر التاريخ، على غرار الكوكب المراكشي مع محمد المديوري (رئيس الأمن الشخصي للملك الراحل الحسن الثاني)، واتحاد سيدي قاسم مع الحسين الدليمي (أب وزير الداخلية أحمد الدليمي)، ونهضة سطات رفقة ادريس البصري (وزير الداخلية الأسبق)، والوداد الرياضي مع الراحل أبو بكر جضاهيم (عميد شرطة)، والرجاء الرياضي مع المعطي بوعبيد (مؤسس حزب الاتحاد الدستوري). كان القاسم بين معظمها، ونخص هنا بالذكر كلا من اتحاد سيدي قاسم ونهضة سطات، الاستفادة من الحظوة لدى السلطات المحلية ومن معاملة استثنائية؛ قد تصل حد خرق القانون، بناء على التمركز القوي لـ”عرّابيها” داخل المنظومة السياسية في تلك الحقبة.

واستمر هذا الزواج الكاثوليكي بين الفرق ورجال السياسة إلى يومنا هذا. قد يعود في جزء منه إلى الأرصدة المالية التي يوفرها تقنوقراط الأحزاب، ما يجعلهم، في بعض الأوقات، مطلبا جماهيريا، على غرار المطالب المتكررة لفئة من جماهير الرجاء بعودة الرئيس السابق محمد بودريقة، المنضم إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، لرئاسة الفريق.

لكن، تبدو تجربة الوداد مع رئيسه الحالي، سعيد الناصري، محفزا لرجال السياسة لاقتحام مجال التسيير الرياضي. فبالرغم من المؤاخذات التي توجّه إليه ومكتبه المديري فيما يتعلق بالهيكلة الداخلية للنادي الأحمر واستراتيجية عمله غير الواضحة، إلا أن برلماني حزب “الجرار” تمكن من إعادة “المارد الأحمر” إلى عصره الذهبي بإحراز لقب الدوري أربع مرات في السنوات الست الأخيرة، واعتلاء “بوديوم” دوري الأبطال الأفارقة للمرة الثانية في تاريخ النادي عام 2017، إضافة إلى التتويج بكأس “السوبر” الإفريقية في السنة الموالية.

وتعد كرة القدم، كما باقي الرياضات، جسرا لتقوية نفوذ رجال السياسة خارجيا، إذ تخوّل لهم ولوج الهيئات الدولية العليا للعبة، كما هو الحال بالنسبة لرئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فوزي لقجع، الذي انتُخب في مارس الماضي عضوا بمجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم، كما يشغل أيضا منصبي نائب الرئيس ورئيس اللجنة المالية بالكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، زيادة على رئيس الوداد، سعيد الناصيري، الذي كان عضوا بلجنة مسابقات “الكاف” قبل أن يستبعد منها في يناير 2020.

الانتخابات.. الكرة لاختراق “القبة الحديدية” للعزوف

شكلت الرياضة، وكرة القدم بالأخص، الوجهة الأمثل للأحزاب من أجل استعادة ثقة المواطن وتعزيز حضورها المجتمعي، بعدما تراجعت أدوارها في الفترة الأخيرة بفعل غياب الرؤى الاستراتيجية من جهة وتكلّس النخب من جهة أخرى.

يقول د. أمين السعيد بهذا الصدد “لا شك في أن مخلّفات التدبير السياسي للحكومات المغربية المتعاقبة خلقت ثقافة شعبية معادية للفعل الحزبي، الذي أضحى عاجزا عن إنتاج خطاب مغرٍ ومقنع ومقبول، لذلك حاولت بعض الأحزاب اختراق المكاتب المسيرة للفرق الرياضية واستمالة الجماهير المشجعة لها، ومن ثمة تركيز الجهود على الفئات المشجعة والتواصل معها وتعبئتها، ولو بشكل غير مباشر.”

لكن، هل يمكن أن للسياسية أن تخترق “القبة الحديدية” للعزوف الانتخابي للشباب عن طريق الرياضة؟ يقر السعيد بأن هذا الأمر ممكن، ولو نسبيا، إذ يرى أن “رئاسة الفاعلين السياسيين لفرق كرة القدم أو غيرها يمكن أن يساهم في تعزيز علاقة السياسي بالمجتمع، وتصحح الثقافة السلبية المرسومة عن السياسة باعتبارها رمزا للانتهازية وقضاء المصالح الخاصة على حساب وعود كاذبة.”

لكن الباحث في القانون الدستوري يشدد أيضا على أن ترؤس فريق لكرة القدم أو أي صنف رياضي آخر، لا يعني بالضرورة استمالة أصوات جماهيره، إذ “يصعب ضبط توجهات الجماهير في ظل سياق نفسي متقلب ومضطرب ويتعرض لتقلبات سريعة تفوق حسابات الفاعل الحزبي، مرتبطة بالأساس بالنتائج المُدركة. غير أنه في بعض الحالات قد يفتح التفوق الرياضي لبعض الفرق الرياضية مساحات استثمار هذا الإنجاز سياسيا من قبل الفاعل الحزبي الذي يتولى إدارة مكتب الفريق.”

ملاعب الكرة.. “ولي فيها مآرب أخرى”

بعد عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في يناير 2017، تركّز ثقله على الحضور الوازن داخل دهاليز الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم بدعم الملغاشي أحمد أحمد على حساب الكاميروني عيسى حياتو في انتخابات مارس 2017 بأديس أبابا. بلغ عدد ممثلي الكرة الوطنية داخل “الكاف” آن ذاك 10 أعضاء، قبل أن يتراجع هذا الحضور اليوم إلى فوزي لقجع عضوا في المكتب التنفيذي ورئيسا للجنة المالية، إلى حين تحديد أعضاء باقي اللجن القليلة المتبقية غير المشكلة حتى الآن.

في الانتخابات الأخيرة للـ”الكاف”، ظهرت قوة ضغط الدبلوماسية الرياضية المغربية على مستوى “الكاف”، سيما عندما حلّ رئيس “الفيفا”، جياني إنفانتينو، بالمغرب للقاء وزير الخارجية ناصر بوريطة، ووزير الشباب والرياضة، عثمان الفردوس، وبعدها بأيام انسحب منافسو الجنوب إفريقي باتريس موتسيبي لتُعَبَّد له الطريق نحو رئاسة الكونفدرالية الإفريقية للعبة في الجمعية العمومية الـ43، التي احتضنتها العاصمة الرباط في مارس الماضي.

لم يترك سفراء الرياضة المغربية انتخابات “الكاف” تمرّ دون تسجيل “هدف سياسي” في شباك أعداء وحدته الترابية، وفرض على الجنوب إفريقي موتسيبي ومكتبه الجديد تعديل المادة الرابعة من القانون الأساسي لـ”الكاف”، التي كانت تخوّل لجبهة البوليساريو الدخول تحت لواء الهيئة المشرفة على كرة القدم في القارة السمراء.

بهذا الصدد، يقول حمزة حجوي، رئيس الفتح الرباطي ونائب رئيس جامعة الكرة، في تصريحات سابقة: “هذا الاقتراح، الذي تم إعداده منذ فترة طويلة، تمت مناقشته بالفعل لمدة 3 أو 4 سنوات. ولطالما اعتقدنا أن تعديل هذه المادة ممكن. والآن تمت الموافقة عليه خلال الدورة الـ43 للجمع العام للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم”.

المادة الرابعة في لوائح “الكاف” كانت تنص على أن الانضمام إلى الكونفدرالية الإفريقية “مفتوح في وجه كل الطلبات المقدمة من قبل الاتحادات الوطنية الإفريقية كممثلين رسميين يسيّرون مجال كرة القدم في بلدانهم”، ومع التعديل الجديد أُغلق الباب أمام أعداء الوحدة الترابية المغربية، وأصبح الانضمام إلى “الكاف” مقتصرا فقط على “ممثلي البلدان المستقلة والأعضاء في الأمم المتحدة.”

في أبريل الماضي، ظهر فوزي لقجع منتشيا بالضربة القوية التي وجهها المغرب للبوليساريو وداعميه، وقال في كلمة أمام لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب: “المهم في هذا التعديل هو التصويت عليه بالإجماع؛ بما في ذلك من طرف ممثل الاتحاد الجزائري لكرة القدم، خير الدين زطشي، ورئيس اتحاد جنوب إفريقيا باتريس موتسيبي، الذي أصبح رئيسا للكونفدرالية الإفريقية”، مضيفا أنه يجب “استثمار هذا المعطى لتحسين العلاقات بين المغرب وجنوب إفريقيا.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News