رئيسة الوزراء الفرنسية في الجزائر.. تعاون اقتصادي بـ”النوايا فقط” وتجاهل للذاكرة والاستعمار
ملف الذاكرة
وباشرت بورن أول زيارة خارج فرنسا تقوم بها كرئيسة الوزراء منذ توليها مهامها، بخطوات رمزية تتعلق بالذاكرة، كما فعل الرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارته التي تمكن خلالها من إعادة الدفء إلى العلاقات بين البلدين بعد أشهر من التوتر.
فوضعت رئيسة الحكومة الفرنسية إكليلا من الزهور في “مقام الشهيد” الذي يخلد ذكرى قتلى حرب الاستقلال (1954-1962) في مواجهة المستعمر الفرنسي، في العاصمة الجزائرية، قبل أن تفعل الشيء نفسه في مقبرة سان أوجين حيث دفن الكثير من الفرنسيين المولودين في الجزائر.
وقبل وصول بورن بساعات اتصل الرئيس ماكرون هاتفيا بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وبحث معه في أعمال اللجنة رفيعة المستوى. واعرب رئيسا البلدين عن “ارتياحهما للتطور الإيجابي، والمستوى الذي عرفته العلاقات الثنائية” بحسب بيان للرئاسة الجزائرية.
ولا ينتظر تحقيق تقدم في القضية الحساسة المتعلقة بالذاكرة والاستعمار الفرنسي الذي دام 132 سنة (1830-1962)، وحرب استقلال الجزائر ليست في قلب زيارة بورن.
وما زالت لجنة المؤرخين الجزائريين والفرنسيين التي أعلن عنها ماكرون والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في نهاية غشت “في طور التأسيس”، بحسب باريس.
ومن المقرر أن تلتقي رئيسة الحكومة الفرنسية الإثنين على مأدبة غداء الرئيس الجزائري الذي أبرم معه ماكرون “شراكة متجددة” حول ستة محاور.
ملف التأشيرات
في إشارة إلى قضية التأشيرات التي تعد ملفا حساسا، قالت رئاسة الوزراء الفرنسية الخميس إن “المحادثات لم تثمر بعد”.
وفي نهاية عشت الماضي، مهّد رئيسا البلدين الطريق أمام تليين نظام منح التأشيرات للجزائريين مقابل زيادة تعاون الجزائر في مكافحة الهجرة غير الشرعية.
علما أن باريس كانت قد خفّضت بنسبة 50 بالمئة عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين وذلك للضغط على الحكومة الجزائرية قصد إعادة مواطنيها المطرودين من فرنسا.
“التعاون الاقتصادي”
وترأست بورن مع نظيرها الجزائري أيمن بن عبد الرحمان الأحد اللجنة الحكومية الخامسة رفيعة المستوى بين البلدين، والتي يعود تاريخ اجتماعها الأخير إلى 2017 في باريس، حيث تم التركيز أساسا على “التعاون الاقتصادي”.
وأفضت هذه الاجتماعات إلى توقيع 12 نصا تضمنت “إعلانات نوايا” حول العمالة والتعاون الصناعي والسياحة والأعمال الحرفية والإعاقة، فضلا عن “اتفاقية شراكة” في المجال الزراعي و”مذكرة اتفاق” حول الشركات الناشئة.
ورأى حسني عبيدي مدير مركز البحوث حول العالم العربي والمتوسطي في جنيف، أنه أيا تكن النتائج، انعقاد اللجنة الحكومية رفيعة المستوى هو بحد ذاته “خطوة فعلية إلى الأمام” في الحوار السياسي.
وفي أبريل 2021 ألغيت في آخر لحظة زيارة لرئيس الحكومة الفرنسي السابق جان كاستيكس وعدد قليل من الوزراء، في أجواء من التوتر في العلاقات بين باريس والجزائر. وتريد باريس، إعطاء “دفع جديد” للعلاقة الفرنسية الجزائرية.
“الغاز ليس على جدول الأعمال”
وفي ما يتعلق بملف الغاز، كانت زيارة الرئيس ماكرون الذي رافقته رئيسة شركة الطاقة الفرنسية “إنجي” كاثرين ماكغريغور، قد عززت الآمال في إمكانية ضخ غاز جزائري إلى فرنسا مع انقطاع إمدادات الطاقة الروسية عن أوروبا.
ولكن أوضحت رئاسة الوزراء الفرنسية أن هذا الملف “ليس على جدول أعمال” الزيارة، في حين “تتواصل المحادثات” بين “إنجي” ومجموعة سوناطراك الجزائرية، وفق مصدر قريب من الملف.
وقالت بورن لموقع محلي جزائري إنه “مع ذلك سنستمر في تطوير شراكتنا في هذا القطاع مع الجزائر لا سيما فيما يتعلق بالغاز الطبيعي المسال، وزيادة كفاءة طاقاتها الإنتاجية من الغاز”.
ولا يرافق رئيسة الحكومة الفرنسية من المجموعات الفرنسية الكبيرة، سوى “سانوفي” المتخصصة في صناعة الدواء والتي تملك مشروعا لإنشاء مصنع للأنسولين، وأربع شركات صغيرة ومتوسطة، وهي “جنرال إنرجي” التي تعتزم بناء مصنع لإعادة تدوير نواة الزيتون وتحويلها، و”إنفينيت أوربيتس” التي من المقرر أن تقوم بتنفيذ أول مشروع في الجزائر للأقمار الصناعية الصغيرة، و”نيو إيكو” التي تنشط في مجال معالجة النفايات على غرار “الأسبست” (الأميانت)، و”أفريل” المتخصصة في معالجة الحبوب.
ومن جهته سيضم وفد “بزنس فرانس”، الهيئة العامة المكلفة الاستثمارات الدولية، عشرات الشركات التي ستشارك في “منتدى الأعمال الفرنسي – الجزائري” الذي سيفتتحه الإثنين رئيسا وزراء البلدين.
هذا وسيشكل ملف الشباب أحد محاور الزيارة، حيث ستلتقي بورن الإثنين في المدرسة الثانوية الفرنسية وفي السفارة ممثلين عن المجتمع المدني الجزائري.