رياضة

البارالمبيون المغاربة.. إنجازات من رحم المعاناة في عَتمة اهتمام بلا أضواء

البارالمبيون المغاربة.. إنجازات من رحم المعاناة في عَتمة اهتمام بلا أضواء

تسلط الأضواء غالبا على إنجازات الرياضيين الأولمبيين، بينما تهمش نجاحات الأبطال البارالمبيين وتمر مرور الكرام.

ورغم ذلك، يتحدى هؤلاء الرياضيون من ذوي الاحتياجات الخاصة، خلف الكواليس، الصعاب الجسدية والاجتماعية لرفع راية المغرب في المحافل الدولية، بعيدا عن الأضواء، ما يطرح تساؤلات حول كيفية إعداد الأبطال البارالمبيين قبل المنافسات، والتحديات التي يواجهونها داخل حلبات المنافسة وخارجها، بالإضافة إلى أسباب عدم حصولهم على الرعاية الكافية والاهتمام الإعلامي رغم تميزهم الذي يفوق تألق الأبطال المغاربة بالأولمبياد.

تحديات نفسية واجتماعية

لا يأتي دخول أي رياضي إلى المنافسة محض صدفة، بل تواجهه تحديات ٌ وضغوطات نفسية واجتماعية خاصة، وهذا ما ينطبق على الرياضيين البارالمبيين، الذين يواجهون عقبات متعددة. فبالرغم من إنجازاتهم المشرفة، يجد الرياضيون من ذوي الاحتياجات الخاصة أنفسهم في مواجهة ضغوط كبيرة تتطلب تجاوز حدود قدراتهم البدنية والاجتماعية.

وأكد البطل البارالمبي، أيوب سادني، في تصريح لجريدة “مدار21″، أنه لم يسلم من التحديات والصعوبات النفسية والاجتماعية طوال مسيرته الاحترافية، لكنه بفضل دعم مقربيه استطاع التغلب عليها.

وقال العداء البارالمبي، المُتخصص في سباقات العدو السريع والذي يهوى تحطيم الأرقام القياسية: “الحمد لله، كان هناك أشخاص قريبون ممن مروا بتجارب مشابهة، وكانوا دائماً بجانبي ويعاملونني كأخ لهم، كما أن والداي كانا داعمين لي في كل الأوقات”.

التحفيز الذاتي سر التألق

يرى المدير التقني السابق للجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى، عزيز داودة، أن التحفيز الذاتي ما يقف وراء نجاح  الرياضيين البارالمبيين المغاربة.

وتابع عزيز داودة، في تصريح لجريدة “مدار21”: “إذا كان هناك من يحفز الرياضيين من ذوي الاحتياجات الخاصة، فهم أنفسهم، لامتلاكهم قدرة وطاقة داخلية لا نجدها عند الآخرين”.

واعتبر الخبير الرياضي الميزة عينها “تجعل الرياضيين البارالمبيين ينطلقون من ذواتهم، وإذا وجدوا بيئة داعمة وإيجابية، يمكنهم التأثير بطريقة تجعلنا نعتبرهم نموذجًا لبقية الرياضات”.

برامج خاصة ودعم غير كافٍ

يتطلب إعداد الرياضيين البارالمبيين برامج خاصة تراعي احتياجاتهم، لكنهم يواجهون تحديات تتعلق بالدعم المؤسسي والحيز الزمني للاستعدادات.

وفي هذا السياق، تحدث أيوب سادني لجريدة “مدار21” عن العقبات التي واجهها ومدى كفاية الدعم المقدم من قبل الجامعة واللجنة الأولمبية.

وأكد سادني بصراحته المعهودة أن “الدعم غير متوفر كما نريده، فبالرغم من وجوده، إلا أن صرفه يتطلب وقتًا طويلًا، فنحن لا نزاول أي عمل بالموازاة مع الرياضة، وبصفتنا رياضيين محترفين، يجب أن نركز على رياضتنا فقط”.

ومنى المتوج بالميدالية الفضية بالألعاب البارالمبية “باريس 2024” النفس أن يستفيد الرياضيون البارالمبيون المغاربة من تعويض مادي شهري، على غرار باقي الرياضيين الأولمبيين، موضحا “لأننا أيضًا أبطال نحمل راية البلاد في المحافل الدولية”.

منهجيات خاصة لاستعدادات متكافئة

الخبير الرياضي عزيز داودة، أكد أن التدريب لا يختلف جوهريًا بين الرياضيين البارالمبيين والأولمبيين، بل يكمن الفرق في اعتماد منهجيات تراعي احتياجاتِ كل رياضي لضمان تحقيق أفضل أداء.

وتابع داودة: “يجب أن تراعي المنهجية المعتمدة للتدريب حالة كل فرد على حدة. فبالنسبة للرياضيين الأصحاء، فإذا كان بإمكاننا اختيار مجموعة للتدرب معًا، فإن الأمر يصبح صعبًا عند تطبيق نفس الطريقة مع الرياضيين البارالمبيين، لأن احتياجاتهم تختلف”.

تحديات البنية التحتية

تعد البنية التحتية والدعم المؤسسي من العوامل الأساسية التي تؤثر على تطور الرياضات البارالمبية في المغرب، إذ تتطلب هذه الرياضات بيئة مناسبة للتحضير والتنافس.

وفي هذا السياق، يُطرح التساؤل حول مدى دعم البنية التحتية الرياضية في المغرب للرياضيين البارالمبيين، وما إذا كانت هناك احتياجات معينة ما تزال غير ملباة.

ولذلك، صرح المدير التقني السابق للجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى، عزيز داودة بهذا الصدد أن “هنا يطرح سؤال فلسفي متمثل في: ما إذا كان يجب علينا توفير تجهيزات رياضية خاصة لهؤلاء الرياضيين وعزلهم عن الرياضيين الآخرين، أم ينبغي دمجهم مع الرياضيين الأصحاء؟”.

واعتبر داودة أنه من الأشخاص الذين يؤمنون بأنه يجب أن يبقى الرياضيون ضمن نفس الإطار مع الرياضات الأخرى، مع مراعاة خصائصهم في الوقت المناسب.

كما منى المتحدث عينه النفس بأن يتم توفير مستودع خاص بتجهيزات هذه الفئة من الرياضيين، وفتح المجال لهم كما هو الحال بالنسبة لباقي الرياضات.

اهتمام بلا أضواء!

وتلعب وسائل الإعلام والرعاية دورا هاما في دعم الرياضات البارالمبية، لمساهمتها في تسليط الضوء على إنجازات الرياضيين، ومع ذلك، فإن ضعف الاهتمام يؤثر سلبًا على تحفيزهم ودعمهم.

وذلك ما أقر به أيوب سادني بقوله: “بصراحة، يؤثر هذا الوضع علينا جميعًا، لأننا لو حظينا بنفس القيمة التي يحظى بها الرياضيون الأصحاء، مع تسليط الضوء علينا واهتمام الصحافة بنا، لكان ذلك أفضل”.

وتابع البطل البارالمبي: “في المغرب، الأمور ليست مثل باقي الدول التي تُبرز دائمًا رياضييها البارالمبيين وتفخر بهم، أما عندنا، فلا يظهر الاهتمام إلا عندما نشارك في بطولة العالم أو الألعاب البارالمبية، وحينها فقط نحصل على قدر بسيط من الاهتمام”.

وبدوره، أعرب عزيز داودة عن أسفه الشديد لغياب إعلام رياضي يسلط الضوء على كافة الرياضات بقوله: “افتقدنا الإعلام الرياضي المغربي الحقيقي الذي ينبغي أن يعرّف بالرياضيين في جميع الرياضات دون استثناء، وينقل للرأي العام كل ما يحدث في الوطن”. على حد تعبيره.

وأكد داودة أن “الإعلام الرياضي المغربي أصبح يجانب الصواب فيما يتعلق بدوره في التنمية الرياضية، رغم كونه عنصرًا أساسيًا، فلا يمكن أن توجد رياضة دون إعلام، كما لا يمكن أن يكون هناك إعلام بلا رياضة”.

تحديات التهمش والتضحيات

رغم التحديات التي تواجه الرياضيين البارالمبيين بالمغرب، استطاعوا تحقيق إنجازات مبهرة، من بينها الميدالية الذهبية التي أحرزها أيوب سادني بالألعاب البارالمبية في طوكيو عام 2020 وفضية باريس 2024.

تحقيق سادني للميدالية الذهبية قبل 4 سنوات لم يكن نتيجة صدفة، بل جاء بعد معاناة طويلة، شاركنا بعضا من تفاصيلها قائلا: “واجهت الكثير من المشاكل وقدمنا تضحيات كبيرة قبل مشاركتنا بدورة الألعاب البارالمبية “طوكيو 2020″، فقبل أسبوع واحد فقط من موعد السفر، كنا ما نزال نجلس أمام الوزارة للمطالبة بحقوقنا”.

وتابع البطل البارالمبي القول: “كانت هذه أول ألعاب بارالمبية أشارك فيها، وكنت أشعر بالتوتر والضياع بين التدريبات والمشاكل التي كنا نواجهها في تلك الفترة”.

تحفيزات متساوية وعناية لحظية

هذه النجاحات تؤكد قدرة الرياضيين البارالمبيين على المنافسة عالمياً، ما يفتح باب المقارنة مع الرياضيين الأولمبيين ويثير التساؤلات حول التقدير والدعم المقدم لكل منهما.

في الشق التحفيزي المادي، لا تضع اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية أي تفرقة بين الأبطال المغاربة، وهو ما ذهب إليه عزيز داودة بقوله: “مؤخرًا، أصبحت تُوفَّر للرياضيين البارالمبيين تقريبًا نفس الإمكانيات التي يحصل عليها الأولمبيون، كما يحظون بنفس العناية الملكية، إلى جانب التحفيزات نفسها التي تُمنح للأبطال الأصحاء”.

ومع ذلك، لفت داودة إلى أن هؤلاء الرياضيين، بإمكانهم أن يشعروا بنوع من النقص، لأن التعامل معهم يكون ظرفيًا، إذ يتم الاهتمام بهم فقط خلال الألعاب البارالمبية أو بطولات العالم، لكن بمجرد انتهاء تلك الفعاليات، يُنسَون” على حد قوله.

تحديات تطوير الرياضات البارالمبية في المغرب.. تقييم الإنجازات والإمكانيات

ورغم الإنجازات التي حققها الرياضيون البارالمبيون في الساحة الدولية، تبقى مسيرة تطوير هذه الرياضات في المغرب محاطة بتحديات متشابكة.

ولتقييم هذه المسيرة، من المهم الوقوف عند حصيلة الإنجازات الحالية، واستعراض الإمكانيات المتاحة، إلى جانب العقبات التي تحول دون تحقيق المزيد من التقدم مستقبلا.

وأكد عزيز داودة ضرورة الانطلاق من الأساس والمتمثل في العناية الملكية التي كانت حاضرة منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، إذ أصبحت هذه العناية خاصة ومميزة في هذا الصدد.

وتابع المتحدث ذاته أنه “تم تشييد مركز دولي وفق معايير عالمية في المعمورة، إلى جانب إنشاء جامعات قربه، ما أتاح للرياضيين إمكانيات أفضل بكثير مما كان متوفرا في السابق”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News