ثقافة | حوارات

قرفادي: أشعر بقهر نساء العالم وحضورهن في إبداعاتي تعبير عن انتهاك حقوقهن الإنسانية

قرفادي: أشعر بقهر نساء العالم وحضورهن في إبداعاتي تعبير عن انتهاك حقوقهن الإنسانية

تفتح أديبة “وادي سبو”، سمية قرفادي، في هذا الحورا مع جريدة “مدار21″ قلبها لتكشف أسرار كتاباتها المتفردة، وأضموماتها القصية المتفلتة من صور بلاغية وإنزياحات لغوية تضيئ عتمة المعنى، لتصل إلى مرفإ شخوص مستسلمة لأقدارها وأخرى رافضة لما آل إليه حظها.

في هذا الحوار، تسلط سمية قرفادي الضوء على مواضيع شغلت كتاباتها من قبيل أحداث طبعت تاريخ المغرب القديم والحديث، والقيم الإنسانية، والطفولة، و”غربة نون النسوة” المسجونة وسط معاقل الذكورة.

ماذا تمثل الكتابة بالنسبة لك؟

الكتابة ورطة العمر. كسيروش “الطائر الخرافي” تنبثق من رماد التمزق، وهي بركان يتفجر بالآلام من خلال عبوات الوقائع والأحداث المتبرعمة والمتفتحة بعمرها الربيعي، وأخرى متفلجة بعواصف الأنين محملة بسافياء الشهيق، منتشية فوق ركام الإنكسارات بتوازن شخصياتها مع الحدث والأفكار.

خزانتك الأدبية مليئة بالإصدارات المتنوعة الجديدة، حدثينا عنها؟

خزانتي تضم كشكولا متنوعا من العطاء الأدبي، منها “التراب وسراديب العذاب” وهي أضمومة قصصية عن “المطبعة السريعة” بالقنيطرة، و”فتافيت من مسك عنبر” وهي أيضا أضمومة قصصية عن دار أبي حيان التوحدي بالرباط، و”يلاحقني طيفها” وهي رواية عن دار رنة للنشر بالجمهورية المصرية، القاهرة، في شخص مديرها مجدي محروس، و”سعدانة” التي هي عبارة عن أضمومية قصصية بمصر، والديوان الشعري “تعطر بخجلي” الذي صدر لي بمصر عن دار رنة كذلك، و”جحش بين يدي الظالمين” لليافعين بمصر، إلى جانب مسرحية بعنوان “مدن الشخير” وأخيرا إصداري الجديد رواية “ورق الغار” عن مكتبة سلمى الثقافية بالمغرب “تطوان”، في شخص مديرها عبد الهادي بن يسف.

“ورق الغار”، رواية بوليفينية متداخلة السرد ومتعددة الفضاءات والأزمنة، وترتبط أحداثها بالمغرب القديم والحديث، إضافة إلى الحضارة العربية بالأندلس، وتتناول قضايا اجتماعية إنسانية وسياسية، إذ تتداخل أحداثها وأمكنتها من سهل غرب منبسط إلى مدن الجنوب، ثم مغامرة الرحلة نحو شبه الجزيرة الإيبيرية، وهي رحلة حب وتمرد وتمزق وهروب وانتصار وانهزام، وسط صيرورة الزمن، الذي حصد أحداث متناقضة ومتباينة ومدمرة ثائرة في وجه التردي الإنساني، وشخوص مستسلمة لأقدارها وأخرى رافضة لما آل إليه حظها.

أما رواية “يلاحقني طيفها”، فهي مجموعة تجارب أجيال تدور أحداثها بشرق المغرب وتؤرخ لزلزال الحسيمة سنة 2004، ومعاناة من صودرت أملاكهم إثر مخالفة ظهير 5 نونبر 1919، والقنب الهندي، وصراع الفاقة والمرض والمقاومة المغربية في ريف الحسيمة، و”اليهودي جاكوب”، المختطف في زمن الدولة اليهودية وترحيل كل عائلته وانتهاك شرف القبيلة من طرف صفية، وهروب نفيسة، ورفض سكان الحسيمة مخططات الاستعمار الفرنسي الغاشم، بدءا بالظهير البربري 16 ماي 1930 بهدف تفريق المغاربة، ويبلغ عدد صفحاتها 298 ص.

وبالنسبة للكتابة المسرحية، فحضورها جلي في إبداعاتي بدءا بمسرحية النصوص المدرسية وتشخيصها بـتوظيف الديداكتيك كمنهج تعليمي تعلمي.

خصصت رواية للأطفال، ما تفاصيلها؟

ألفت عدة روايات وأضمومات منها “سعدانة” لليافعين، وهي قاموس القيم الإنسانية التي كادت أن تندثر، وتضم مجموعة من الأقصوصات بطلتها “سعدانة” والتي تتألف من نصوص معبرة بالحوار والمناجاة والمونولوغات.

أما بالنسبة لرواية “جحش بين يدي الظالمين”، عبارة عن رواية صغيرة تتألف من 96 صفحة، اعتمدت فيها على فكرة رئيسية “أنسنة الحيوان”، حيث يحكي جحش مأساته وابتعاده عن أهله وذويه، وفراقه لأمه، تم بيعه في سوق أسبوعي مما أدى إلى تذمره.

جل أعمالي تستهدف الإنسان الذي يتميز عن الأنساني بكل معايير الإنسانية التي تلاشت واضمحلت. وأضمومتي القصصية “التراب وسراديب العذاب” حروفها جعلتني على قناعة أن حروفي بعدها ستزهر لأنها مولودي الأدبي البكر. أقصوصاتها سيرة غيرية، وذاتية، وفضاؤها قريتي الموجودة بسهل الغرب المنبسط، لذلك أطلق علي البعض أديبة “وادي سبو”، والبعض الآخر “طوق البابونج”، لكن لا يحلو لي سوى اسمي سمية قرفادي، الاسم الذي جعلهم يحتفلون بعقيقتي وسط مرتع قريتي، وصرت جزءا من الغمام، والسحاب الرصاصي، وأحببت رذاذ المطر، وأقمت علاقات مع الرياح، والعواصف المحملة بالسافياء، أحن على وريقات الأقحوان وأراقص ورود الجوري عندما يهب عليها نسيم الصباح، وتعانقني أشجار التين بعسل ثمارها، وأشجار الرمان بجلنارها، هكذا تولد الخيال الجامح من رحم اللحظات الكريمة، أنا والسهول والروابي، أنا والعشب المعطر بالندي أنا ووادي سبو وأنا المبدعة التي تواصل الكتابة.

عادة ما ترتبط إصداراتك بالمرأة، ما المواضيع التي تحركك للكتابة؟

الكتابة حيوات وفضاءات وأزمنة وأمكنة بشخوصها المختلفة، نمتلك شطط سلط متعفنة، نحرك شخصياتنا بأرجوزات أهوائها، ونتحكم في مسارات حياتهم وأهوائهم، وآمالهم، وقد يحدث أن نغتال البطل في الفصل ما قبل الأخير، غادية بعمق الحروف، وسط معناه ومبناه، تؤرقني الليالي الجاحدة والمتصارعة مع الهدوء، وأصمم على مواصلة الكتابة رحمة بي وبالإنسان، والحزن يمضغني بين أنيابه، وكما أنني أشعر بغربة نساء العالم، وبقهرهن وبضياعهن، “غربة نون النسوة” المسجونة وسط معاقل الذكورة، وزفرات كل النساء يتردد صداها عبر أثير الآلم المتناسل، بدءا بمن تسوق قطيع ما عز في الأدغال والجبال والفيافي، أو تلك المرابطة داخل الكهوف، وتخوم الصحاري حاملة السلاح، وانتهاء بمن صنعن لأنفسهن برجا عاجيا يقمن فوقه.

وأقول إن التغلب على كل المعيقات انتصار واستحلاب القوة من ضرع زمن مترد ليصير السجود لعقيدة الصبر والمحبة والخير والجمال أعلام تصر وسط طمي الحيف والجور لأن “المحبة فن من الفنون”، فأين نحن الآن وأين سيحدث وجودنا من خلال بوصلة الأزمنة؟ وسط الكوارث الطبيعية احتباس حراري، وتغيرات مناخية، أوبئة مفتعلة، حروب، وزلازل، وفيضانات، وخوف واضطرابات نفسية، وواقع مطلي بالإجحاف غير صالح لراحة عقلنا وأرواحنا، ونستمر في هلك طمأنينتنا وسط محايل التفاهات، والمضايقات، والعداءات الافتراضية والواقعية، اللغط، الوطواطية الأباطيل والبهتان. ويقودني الحديث عمن يحاسبنا من فراغ من أجل حرب واهية، لم يعيشوا معنا هشاشتنا المعنوية التي تنخر أرواحنا حتى نخاعها، لم يتجرعوا ما تجرعنا، لم يتألموا كما تألمنا، لم يعيشوا وحدتنا وإن كنا محفوفين من كل جانب، انهزماتنا المتواطئة مع آهاتنا، لم يتقفاهم الظلم والتظلم الذي طالنا أمام واجهة أيامنا.

ويحركني للكتابة كل شيء، فكل شيء يحيط بي يدعوني للكتابة، فلا يصير التفاؤل دوما قاربا للنجاح من وحل الهموم، تظل مغالطات نتمنطق بها وتعثرات من حرارة الحدث، ونيرانه المشبوبة دواخلنا، فحضور المرأة بشكل رئيسي في إبداعاتي تعبير صارخ عن انتهاك حقوقها الإنسانية المشروعة في ظل مجتمع ذكوري وتسلطي من زواج القاصرات، والطلاق القهري، وغياب نصوص قانونية تحمي المرأة خاصة ربات البيوت.

تزاوجين بين الكتابة الروائية والكتابة الشعرية، أيهما الأقرب إليك؟

هو بيت القصيد والمنحى الغائب الحاضر لعطاءاتي، فالصور الشعرية، والبلاغة، والإنزياحات اللغوية أوظفها متى جادت قريحتي بذلك، هو الجانب المضيء الذي يسلط الضوء على عتمة المعنى.

بالنسبة للشعر فـ”ديوان تعطر بخجلي”، يضم مجموعة من النصوص الشعرية، ولدي ديوان “الشعر العمودي”، ودوما أؤكد أن الشعر ترياق الأرواح، الولع بمغازلة الحروف شعرا ونثرا ضالتي.

ويطغى على كتاباتي كل ما هو نثري وشعري، فالخيال الخصب مع زرافات الدال والمدلول يُعطي عراجين مثمرة من الإبداع.

هل أثر التطور التكنولوجي في الإقبال على القراءة؟

حاليا نعيش قفزات نوعية ودورات صناعية تكنولوجية، أو ما يسمى بالذكاء الاصطناعي، والرجل الآلي “علم الربوتات”، مهما حصل التطور لا استغناء عن إنسانية الإنسان الذي خلقه، صانع بارع بكل ما هو مطلق، يبقى عقل الإنسان مهما اخترع فكل الاختراعات تبقى نسبية، ولن ترقى أبدا للصناعة الربانية، وكل تقنية تعتمد على مهارة الإنسان خاضعة للدراسة والتمحيص.

ويبقى العقل البشري مبدع يحسن المهارات التي تحل محل أنظمة ذكية متوازنة، واستخدامها يجب أن يراعي حقوق الإنسان، والحد من كل الآثار السلبية، الأمر الذي دعت إليه منظمة العفو الدولية، للانتباه للأثرين الاجتماعي والأخلاقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News