ثقافة | رياضة

خبير: “النية” التي دعا لها الركراكي مشروطة بالكفاءة وهدفها إحياء اللحمة المغربية

خبير: “النية” التي دعا لها الركراكي مشروطة بالكفاءة وهدفها إحياء اللحمة المغربية

في سياق ردوده المثيرة على أسئلة الصحافيين، أعاد الناخب الوطني وليد الركراكي، مفهوما مغربيا، ظل غابرا لسنوات وأصبح مرتبطا أكثر بالتراث اللامادي الآيل للاندثار، إلى ساحة النقاش العمومي، ويتعلق الأمر بمفهوم “النية”، التي ارتبط عند المغاربة بحسن الظن وتوقع الخير والنتائج الحسنة في جميع المجالات.

“ديرو النية” هكذا خاطب وليد الركراكي المغاربة، مضيفا أن وجود النية الحسنة سيجعل كرات الخصم تصطدم بالعارضة دون أن تدخل الشباك، غير أن مصادفة هذا الكلام مع النتائج الحسنة التي حصدها أسود الأطلس الذين وصلوا اليوم إلى المربع النهائي من كأس العالم قطر2022، جعل أنظار العالم تتجه نحو التراث المغربي للبحث عن دلالات هذا التعبير، كما جعل الركراكي في أنظار المغاربة مثل “مجذوب” ينطق بالحكم.

وبعيدا عن الطابع الأسطوري الذي يمكن أن يتم إضفاؤه على مصطلح “النية” فإن جدوره في التاريخ المغربي عميقة، منها ما ارتبط بالاعتقادات الخرافية والسذاجة وانتشار الجهل، ومنها كذلك ما ارتبط بالنية الحسنة والإيمان المسبق بالنتائج الجيدة.

ويذهب محللون إلى أن توقع النتائج الجيدة ينعكس إيجابا على نفسية الفرد ويوفر الشروط النفسية للشفاء في حالة العلاج، غير أن بعض “النية” تحمل كذلك خطورة لصاحبها، وذلك من قبيل ما يعكسه المثال الشعبي المغربي الدارج “دير النية ونعس مع الحية”، مع ما ينطوي عليه فعل النوم إلى جانب الأفعى من خطورة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تجريب النية في أوضاع لا تقل خطورة.

وإلى جانب النتائج الإيجابية التي حققها المنتخب الوطني المغربي تحت قيادة وليد الركراكي بمنافسات كأس العالم فإن هذا الرجل أعاد انتباه المغاربة إلى جزء من تراثهم اللامادي، وبات تداول مصطلح “النية” على كل لسان، حتى من طرف الأطفال والشباب، وتجاوز إشعاعه المغرب إلى البلدان العربية والإفريقية وباقي أقطار العالم.

المغاربة بحاجة إلى “النية”

وأوضح محسن بنزاكور الأستاذ المتخصص في علم النفس الاجتماعي، في تصريح لـ”مدار21″، أن مفهوم “النية” الذي يقصده وليد الركراكي “معناه أننا عندما نتفق على فكرة بيننا لكي تتحقق يجب أن نزيل الشك بيننا وأن نضع الثقة في بعضنا البعض، وهذا يدل على أن الناخب الوطني يفهم بشكل جيد العقلية المغربية والثقافة المغربية”.

وتابع بنزاكور أن مجموعة من المعطيات “تظهر أن الواقع المغربي بحاجة إلى الثقة والنية من قبيل عزوف الشباب عن السياسة وفقدان الثقة في المسؤولين وعدم الثقة في التجار وغيرها، وهذه كلها معطيات تؤكد أن المجتمع المغربي ككتلة اجتماعية كانت تؤمن من قبل بمفهوم “النية”، والتي تعبر عن الثقة في الآخر في جميع المجالات والعمل، بحاجة إلى عودة هذا المفهوم الذي تراجع مقابل صعود مفهوم الاحتياط والحذر والأكثر من ذلك عدم الثقة، وهذا الأمر كرسته مجموعة من الممارسات من قبيل اللجوء إلى الرشوة لقضاء المصالح الشخصية”.

الناخب الوطني وليد الركراكي، وفق الأستاذ الجامعي نفسه، “حاول أن يمسح الصورة الدنيئة عن المسؤولين بصفة عامة لاسترجاع الثقة في الكفاءات المغربية وبناء لحمة بيننا قائمة على الحب والوفاء للأعراف وللأسرة، والقيم التي ترتبط بمفهوم “تامغربيت”، وذلك ما يمكن أن يعيد مفهوم “النية” الحقيقي”.

“النية” المشروطة

وقال بنزاكور إن الناخب الوطني “أعطى شرطا لمفهوم “النية” جعلها بعيدة عن الخوارق ومرتبطة أكثر بمفهوم الكفاءة، وهو ما يمكن أن نفهم منه أن الشرط الأساسي لعودة “النية” هو الكفاءة، وهذه الأخيرة بدونها يفقد المواطنون الثقة في بعضهم البعض، وخاصة في مسؤوليهم”.

وفي هذا السياق يستحضر بنزاكور أن الناخب الوطني “يوجد في وضعية مسؤولية صعبة حيث أشرف على المنتخب الوطني وتحمل مسؤوليته وأعطى وعودا أننا سنذهب بعيدا في هذه المشاركة، مضيفا أن “النية من صميم الثقافة المغربية أفسدتها بعض السلوكات ووليد الركراكي جاء ليصلح هذه السلوكات ويعيد النية إلى مكانتها مصحوبة ومشروطة بالكفاءة”.

ويضيف الأستاذ المتخصص في على النفس الاجتماعي أن “وليد الركراكي عندما يطلب “النية” من الجماهير المغربية فهو يصاحب ذلك بإدخال لاعبين من طينة الكبار أمثال أشرف حكيمي وحكيم زياش ولاعبين كبار ولديهم روح وطنية وحب البلاد ولذلك لا يأتي من الإيمان بالخزعبلات”.

“نية” تقطع مع الخرافة

وأفاد المتحدث نفسه أن “النية” التي يقصد الناخب الوطني وليد الركراكي ليست هي “النية” المتعارف عليها قديما وسط المغاربة، وليست “النية” التي تبني الخرافة، بل النية المبنية على الكفاءة وحب الوطن، فما أكده الركراكي هو أن العمل الذي يتم القيام به ليس من أجل المال بل من أجل البلاد والعلم الوطني ومن أجل الأمهات والأسر، وهذه هي “النية” الحقيقية.

وبخصوص النية المعروفة وسط المغاربة، خاصة في مجال التداوي التقليدي، فهي، وفق بنزاكور، أقرب إلى الجهل، ولا يمكننا أن نتداوى ولا أن نربط علاقة ولا أن ننجح بالجهل، فهذا الشكل من “النية” مرفوضة، فالشرط الأساسي هو أن تكون الكفاءة والمجهود وحب الوطن.

وأورد بنزاكور أن الثقة المسبقة في الأشخاص بدون حذر ولا احتياطات تسمى غباء وليس “نية”، وهذا مخالف حتى لتعاليم الدين، وبالتالي فأفكار المغاربة حول النية قديما غالبا ما كانت تعكس الجهل، خاصة وأن الأمية كانت ضاربة أطنابها خلال مرحلة من المراحل التاريخية.

وفيما يخص “النية” بمفهوم الإيجابي المتعلق بالثقة في المسؤول، فقد أعادها الركراكي، وفق بنزاكور، مشروطة بالكفاءة، الأمر الذي يقطع مع الخرافات وغيرها من أشكال استغلال سذاجة الناس وغبائهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News