فن

“قومية زائدة” و”حكم مسبق”.. نقاد يشرّحون لمدار21 السّجال الدائر حول فيلم “أنوال”

“قومية زائدة” و”حكم مسبق”.. نقاد يشرّحون لمدار21 السّجال الدائر حول فيلم “أنوال”

أثار فيلم “أنوال”، الذي يتطرق إلى معركة أنوال الشهيرة بقيادة أسد الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي، جدلا واسعا على مواقع التوصل الاجتماعي، بعد انتشار صور من كواليس تصوير مشاهده، إذ يرى بعض النشطاء أنه كان ينبغي لمخرج العمل اختيار ممثلين من الريف يتقنون اللهجة الريفية، مما جعل كل من الممثل محمد الشوبي، الذي يجسد دور الرايس مسعود زعيم قبيلة بقيوة، والممثل ربيع القاطي الذي يتقمص شخصية عبد الكريم الخطابي، في مرمى الانتقادات.

في المقابل، عدّ آخرون الهجوم الذي يتعرض له هذا الفيلم قبل الانتهاء من تصويره “مجانيا”، لاسيما أنه لا يمكن الحكم على عمل سينمائي إلا بعد عرضه ومشاهدته، مشيدين بهذه المبادرة الحميدة في ظل ارتفاع الأصوات المنادية بالاهتمام بسجل التاريخ المغربي، الحافل بالملاحم والانتصارات والبطولات، وتناوله في السينما.

رمزية الخطابي سبب السّجال الدائر

تفاعلا مع هذا الجدل القائم حول فيلم “أنوال”، يرى الناقد السينمائي سليمان الحقيوي، أن “الحديث عن فيلم لم يُنجز بعد يجب ألا يأخذ دائما طابع السّجال والرفض والهجوم، بل ينبغي أن نرجئ ذلك، إلى ما بعد مشاهدة العمل”، مبرز أن السّجال الدائر يعود إلى “طبيعة الشخصية المحورية في الفيلم، “عبد الكريم الخطابي”، الذي يحظى بقيمة رمزية كبيرة لدى المغاربة، وبالتالي سيتكّرر النقاش، في نظره، حول كيفية تقديم شخصية بتلك الحمولة الرّمزية، وهو ما سبق أن كان موضوعا لنقاشات كثيرة عندما يتعلق الاّمر بتقديم شخصيات تاريخية من قبيل (أنبياء، رسل، مناضلين، شخصيات تاريخية وغيرها)”.

وأشار الحقيوي، في تصريح لجريدة مدار21، إلى أن”حالة التمثل والانتظار التي يقيمها المشاهد مع الموضوع الذي يقترحه الفيلم تترك دائما سوء الفهم هذا، والرّفض المسبق لكل اقتراح مهما اجتهد”، مردفا: “نحمّل الفيلم مسؤوليات تربوية، ودينية، وأخلاقية، قد لا تدخل في مهامه بدرجة أولى”

واسترسل الناقد السينمائي ذاته: “أعتقد أن لكل عمل حقه في أن يحتفظ بمنطقته “البين بين”، أي المزج بين الخيال والواقع، والعمل الفني غير مطالب بعرض سردية ما، وهي سردية قد لا نجد اتفاقا حولها، خصوصا إذا تعلق الأمر بالتاريخ”.

الحقيوي: يجب عدم الخلط بين حياة الممثل والشخصية التي يتقمصها بالفيلم

وبخصوص انتقاد صناع الفيلم لاختيارهم ممثلين لا ينطقون بالريفية، قال الحقيوي إن “هناك أفلام تاريخية عالمية كثيرة، نطقت بالإنجليزية، وعبر هذه اللغة حقّقت تواصلا كبيرا مع الجمهور”، مضيفا: “هذا يعني أن اللغة- وأقصد لغة الحوار- ما هي إلا مكوّن واحد من مكونات الخطاب الذي ينشئه الفيلم، وفي موضوعنا إن كان الحوار مكتوب بالريفية، فعلى الطاقم التحضير لتقديم الدور بتلك اللغة، بالجدية نفسها في الاستعداد لتقديم الشخصيات”.

وعن نيل الممثل ربيع القاطي نصيبا كبيرا من الهجوم والانتقادت لكونه يجسد شخصية الخطابي ويؤدي دور البطولة في الفيلم، أكد الناقد ذاته، في تصريحه للجريدة، أنه “في الغالب ينصبّ النقد على الممثلين اللذين يؤدون شخصيات تاريخية، لما لها من حمولة رمزية، إذ يتم الربط دائما بين الممثل وبين مساره المتعدّد الذي انتقل فيه بين شخصيات كثيرة، قد تكون من ناحية ما، بحسبه، تناقض سمات شخصية عبد الكريم الخطابي”.

وشدد المتحدث نفسه على أن “حياة الممثل شيء والشخصية التي يقدمها شيء آخر، حيث إن تلك الشخصية تظل حبيسة جينيريك الفيلم، وهي كائن ينتهي بنهاية الفيلم، واستمرار الربط بينها وبين الممثل هو تجني على العنصر الأدبي للشخصية بما تمثله في حدودها الأدبية”، لافتا إلى أنه “لا يمكن أن نتحدث عن ربيع القاطي إلا من حيث قدرته على تقمّص شخصية “عبد الكريم الخطابي” ليس كما نريدها -نحن-، ولكن كما تمليها سمات وخصائص حدّدها النص الذي ينطلق منه، ومن توجيهات مخرج الفيلم”.

واكريم: المطالبة بممثل ريفي لتجسيد شخصية الخطابي “غباء” و”قومية زائدة”

من جانبه، عدّ الناقد السينمائي عبد الكريم واكريم النقاش المثار حول فيلم “أنوال” غير سينمائي، لأن الحكم والتعليق على أي عمل، في رأيه، لا يتم قبل خروجه إلى الشاشة، مستغربا الحديث عن أصول الممثلين، والمطالبة بممثل ريفي لأداء شخصية عبد الكريم الخطابي.

ووصف واكريم هذا الأمر، في تصريح لجريدة “مدار21″، بـ”الغباء” و”القومية الزائدة”، مستشهدا في حديثه بفيلم عمر المختار، الذي جسد شخصيته بامتياز انتوني كوين، وهو ممثل عالمي، وليس عربيا، مؤكدا أن ما يتطلب في الممثل المشخص المصداقية في الأداء والتشخيص، وليس أصله.

ويضيف الناقد عينه أن فيلم “أنوال” حصل على دعم المركز السينمائي أخيرا، ومنتجه وكاتب السيناريو في الوقت ذاته، كان معتقلا سياسيا سابقا كتب عدة أفلام قبل هذا العمل، واضطر للشروع في تنفيذ المشروع، لأنه تقيد بالفترة الزمنية  التي تمنح من قبل المركز، وإلا سيتم سحب الدعم منه.

ويرى واكريم أن الفيلم كان “يحتاج المزيد من الدعم، لكون ميزانية ما يقارب 500 مليون سنتيم غير كافية لإنتاج فيلم تاريخي يحكي عن فترة وشخصية مهمتين في المغرب، وقد لا تمنح نتيجة مرضية”، مضيفا: “عموما نتمنى أن يكون في مستوى تطلعات الجمهور المنتظر للعمل، وأن يحظى المنتج بميزانية إضافية، خاصة وأنه أعلن سابقا بحثه عن تمويلات أخرى”.

ونبّه المتحدث ذاته إلى أن “الفيلم التاريخي تلزمه ميزانية مهمة، لكي يكون عملا تاريخيا لا يخجل صانعه منه، خاصة وأن العديد من الأفلام التي وصفت بأنها تاريخية في السينما المغربية، أغلبها يتسم بالفقر الإبداعي و الإنتاجي، لأن الشاشة تفضح إن لم يكن الإنتاج في المستوى، ورؤية إخراجية متميزة”.

زويريق: أخاف أن يكون الفيلم “فاشلا” كالتجارب التي سبقته في هذا النوع

وانضم الناقد الفني فؤاد زويرق، إلى ساحة النقاش الذي فجّره هذا الفيلم، إذ أكد أن “المشكل ليس في من سيؤدي هذه الشخصية أو تلك، بل في كيفية دراسة الشخصية بكل تفاصيلها وأبعادها، وطريقة الإشتغال عليها وتحضيرها، وتشخصيها”، مشيرا إلى أن ذلك يلزمه “ممثل موهوب ومجتهد ومثقف”، لأن، وفق تعبيره، “هناك فرق بين الممثل المثقف الذي سيضيف الكثير للشخصية من خلال الدراسة والبحث، والممثل الببغاء الكسول الذي سيردد ويؤدي ما يؤمر به فقط”.

وأشار زويرق، في تدوينة نشرها على حسابه الشخصي بموقع “فايسبوك”، أن هذا الفيلم يحتاج إلى “مخرج مبدع ومثقف أيضا، ذاك الذي يتقن إدارة الممثل، وله دراية كافية بكيفية إنجاز فيلم خاص بسيّر الشخصيات التاريخية، وخصوصا إذا كانت شخصية جدلية لها وضعها الاعتباري والتاريخي في مجتمع من المجتمعات”، متسائلا بالقول: “فهل هذا متوفر في مخرج فيلم ”أنوال” وبطله؟، الذي يتناول سيرة قائد ثورة الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي، والذي مازال في طور التحضير، في الحقيقة لا أعرف!”.

وأبرز الناقد نفسه أن تساؤلاته هاته ستبقى عالقة إلى حين عرض الفيلم، إذ تابع قائلا: “المنطق هنا يدفعني الى ارتداء عباءة التأني والصبر دون إصدار أحكام مسبقة على عمل لم يخرج إلى النور بعد، ننتظر قليلا وبعدها لكل حدث حديث”.

وواصل: “بالرغم أن تجاربي السابقة  مع أعمال مغربية من هذا النوع تجعلني أحطاط وأشكك لفشلها في تقديم الشخصيات المغربية التي تناولتها كما ينبغي وبأسلوب فني وإبداعي يليق بها، كفيلم ”الشعيبية” مثلا لمخرجه يوسف بريطل، الذي تطرق إلى سيرة الرسامة المغربية المعروفة ولم يوفق في الإحاطة بشخصيتها كما تستحق، وفيلم ”القمر الأحمر” لمخرجه حسن بنجلون الذي أساء لقامة فنية مغربية بوزن الموسيقار عبد السلام عامر، فكان للأسف فيلما فاشلا، بالإضافة إلى الفيلم الجديد لعبدالرحمن التازي “سلطانة غير منسية” الذي تناول سيرة عالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي، والذي أضاع للأسف فرصة التعريف بها كونه عملا باهتا وضعيفا، وغيرها من الأعمال غير الموفقة، مما يجعلني أرتاب وأشك في كل عمل مغربي سيتناول شخصية من الشخصيات وخصوصا إذا كانت ترافقها أحداثا تتطلب عملا  متقنا، واجتهادا استثنائيا، وميزانيات ضخمة كشخصية عبد الكريم الخطابي الذي كانت حياته كلها مليئة بالنضال والمقاومة والمعارك والأحداث الدرامية…”

ولم يخف زويرق، في التدوينة ذاتها، توجسه من فشل هذا الفيلم، إذ قال :” الخوف كل الخوف من ضرب هذه الشخصية إبداعيا وفنيا، لأن كل العيون الآن متجهة صوب الريف كون العمل هو الأول من نوعه حول هذه الخطابي، والكل يعلم مدى ثقلها في الريف، بل وفي المغرب ككل”، مشددا على أننا أمام “جدل والفيلم  مايزال في بدايات التصوير، فما بالك إن كانت النتيجة مخيبة للآمال”، لكنه ينتظر أن “العمل محترما وبقدر الشخصية التي سيتناولها، وألا يستغبي عقولنا كما فعل من سبقوه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News