سياسة

هل يُذيب التقارب بين “البام” و”البيجيدي” جليد الخلافات بين الحزبين؟

هل يُذيب التقارب بين “البام” و”البيجيدي” جليد الخلافات بين الحزبين؟

أثار التنسيق الجديد الذي دشّنه حزبا العدالة التنمية والأصالة والمعاصرة، موجة استغراب واستفهام وسط عدد من المراقبين والمتتبعين للشأن السياسي والحزبي المغربي، بالنظر لطبيعة الخلافات الحادّة التي طبعت علاقة الحزبين منذ نحو 11 سنة والتي اتّسمت بتبادل الاتهامات الثقيلة وصلت حدّ التخوين، بالإضافة إلى وضع الحزبين لخطوط حمراء تمنع أي تقارب ممكن بينهما.

وفيما تجّدد الصراع بين الحزبين خلال ما عرف بـ”معركة القاسم الانتخابي” وأثناء التصويت بالبرلمان على “قانون الكيف”، ذهب بعض المحللين إلى أن خطوة التنسيق بين الحزبين عشية الانتخابات، يمكن أن تذيب جليد الخلافات والتقاطب الحاد بينهما، لاسيما في ظل التوجه الجديد الذي يحمل الأمين العام الحالي لحزب “البام” عبد اللطيف وهبي من خلال ما أسماه بـ”إصلاح أخطاء الماضي”.

وبدا لافتا في هذا السياق، تعبير الحزبان المتعارضان، عن إرادتهما المشتركة لتعزيز الشراكة الفعالة من أجل البناء الديمقراطي والتنموي إلى جانب الفاعلين السياسيين الآخرين وكل القوى الحية في المجتمع، ومن مشمولات ذلك استحقاقات تقوية المشهد السياسي والحزبي بما يجعله قاطرة للتنمية وجديرا بثقة المواطنات والمواطنين، من أجل كسب الرهانات المطروحة ومواجهة التحديات القائمة.

وفي هذا الصدد، أكد الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي، أن الأساسي عقب هذا اللقاء التشاوري، هو أن الخطوط الحمراء انتهت بين “البام” والعدالة والتنمية، موضحا في تصريح لـ “مدار  21” أن التنسيق بين الحزبين يروم تجاوز كافة المشاكل والعراقيل التي يمكن أن تقع في المستقبل ومواجهة كل التصرفات التي يمكن أن تسيء إلى العملية الديمقراطي.

في المقابل، قال نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سليمان العمراني، إنه “لا ينبغي تحْمِيل  اللقاء التشاوري، الذي انعقد نهاية الأسبوع المنصرم بين قيادة حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، أكثر مِما يحتمل”، مؤكدا في المقابل أن “هذا اللقاء لم يتم خلاله التطرق نهائيا لموضوع التحالفات بين الحزبين عقب الانتخابات التشريعية القادمة”.

وعلى خلاف ما ذهب إليه وهبي، شدد القيادي بحزب “المصباح” عبد العزيز أفتاتي على أنه “لم يتغير موقفنا من الأصالة والمعاصرة، ولن يتغير لأنه في تقدريري أجندة البام هي استعمال البؤس في الالتفاف على الإرادة الشعبية، بل أكثر من ذلك سنضيف إليه التجمع الوطني للأحرار لكونه هو الأخر ضد الإرادة الشعبية”. وأضاف “هذا مجرد لقاء عابر ولا يرتب أي شيء على حزب العدالة والتنمية في علاقته المستقبلية بالأصالة والمعاصر.

تحالف غريب

وفي قراءته لهذا التقارب الجديد بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة المعاصرة على بعد أسابيع من  الانتخابات، يرى جواد الشفدي رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية، أنه “من الناحية المبدئية ليس هناك أي مشكل حين يتم التقارب بين مكونين حزبيين، بل هو أمر مرغوب للتصدي لبلقنة المشهد السياسي الذي تعاني من تبعاته المملكة”.

واعتبر الشفذي، في حديثه لـ “مدار 21″، أن الغريب في التقارب الذي حصل مؤخرا بين حزبي” المصباح” و”الجرار”، أن الحزب الأول بنى مجده الانتخابي على لعب دور ضحية حزب “البام” الذي اعتبره خطا أحمرا، وشكّك دائما في ولادته “غير السليمة” وكان يدعو دائما إلى حلّه انقاذا لمسار الديمقراطية في المغرب، مشيرا إلى أنه سبق لعدد كبير من قياديي “الجرار” الحاليين أن صرحوا بأن حزبهم تم تأسيسه بالأساس للحدّ من “تغول” الحزب الإسلامي.

ولفت رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية، إلى أنه “بالأمس القريب شاهد المتتبعون للشأن السياسي المعركة الطاحنة، التي اشتعلت بين الحزبين حول القاسم الانتخابي، وكيف صوت فريق “البام” بالبرلمان لصالح القانون الذي جاءت به الحكومة، في حين صوت فريق “المصباح” ضد هذا القانون”، مسجلا في مقابل ذلك، أنه “لن ينس بعض مناضلي حزب العدالة والتنمية كيف تمت معاقبتهم، بل طردهم من الحزب في بعض المدن، لمجرد التنسيق مع حزب الاصالة والمعاصرة”.

وبناءً على ذلك، تساءل الشفذي، كيف يمكن إذن أن نتصور ردّة فعل المواطن العادي حين يرى هذا التقارب السياسوي بين أعداء الأمس؟ وكيف لمثل هاته الممارسات أن تدفع في اتجاه المشاركة السياسية المكثفة؟ مؤكدا أن هذا التقارب الغريب عشية الانتخابات من حزبين وازنين، لا يمكن إلا أن يزيد من حدة العزوف السياسي والانتخابي، وهذا ليس في صالح المسار الديمقراطي الذي اختاره المغرب منذ دستور 2011.

ترسيم المصالحة

في مقابل ذلك، سجل أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس إسماعيل حمودي، أن الاتفاق الذي وقع بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، هو ترسيم لمسار المصالحة الذي بدأ بين الحزبين منذ وصول وهبي إلى قيادة “الجرار”، مؤكدا أن هذه الخطوة تؤسس لمسار جديد من التعاون والتنسيق بين المؤسسات المنتخبة التي قد يقودها هذا الحزب أو ذاك.

وقال حمودي في حديثه لـ “مدار 21″، إن ما وقع يمكن قراءته على أنه محاولة لبناء تحالفات ظرفية في أفق الانتخابات المقبلة، بما يسمح بتوسيع خيارات الحزبين في تدبير المرحلة اللاحقة على الانتخابات المقبلة، وبالتالي هذا التنسيق بين الحزبين، هو استعداد قبلي لما بعد الانتخابات التشريعية المقبلة مما يعني أن هناك رغبة من الحزبين معا لقطع الطريق  أمام أي محاولة لتكرار سيناريو “البلوكاج”، بحيث أن البام وبعد هذا التنسيق، لا يمكنه أن يمتنع عن التحالف مع البيجيدي وإشراكه في حكومة قد يقودها في حال فوزه والعكس صحيح مع العدالة والتنمية”.

وأضاف أستاذ العلوم السياسية، أنه انطلاقا من قراءة مضامين البلاغ المشترك الذي صدر عن اللقاء التشاوري بين “البام” و”البيجيدي”، يمكن القول أنه إذا فاز حزب العدالة التنمية لمرة ثالثة بالانتخابات البرلمانية، فسيكون الأصالة والمعاصرة من بين الأحزاب المرشحة لتشكيل الحكومة المقبلة.

وخلص حمودي، إلى التنسيق الذي دشنه حزبا العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، يؤكد أن “الحالة السياسية المغربية لا تتقبل حالة الاحتراب السياسي، لأن الممارسة السياسية بالمملكة، قائمة على التوافق وعلى عدم قطع شعرة معاوية بين مكونات الحياة السياسية، مردفا أنه ” في الحالة المغربية التي ترفض حالة الاستقطاب الحادّ، لكونها ثقافة سياسية ليّنة وتوافقية، وبالتالي فخصم اليوم قد يتحول إلى حليف الغد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News