موقف

باحث عن قراري المحكمة الدستورية: جانبت الصواب ومشوبة بعيب الانحراف

أصدرت المحكمة الدستورية بتاريخ 12/04/2022 قرارها عدد 170/2022، في ملف 161/21 قضت فيه “برفض طلب السيد محمد بنصاط، الرامي إلى إلغاء انتخاب السيد وحيد حكيم في الاقتراع الذي أجري في 8 سبتمبر 2021 بالدائرة الانتخابية المحلية “الحاجب” (إقليم الحاجب)، والذي أعلن على إثره انتخاب السيدين لحسن العمود ووحيد حكيم، عضوين بمجلس النواب؛”

كما أصدرت بتاريخ 19/5/2022 قرارها عدد 179/22 في ملف عدد 196/21 قضت فيه “بإلغاء انتخاب السادة نور الدين مضيان وبوطاهر البوطاهري ومحمد الحموتي ومحمد الأعرج أعضاء بمجلس النواب، إثر الاقتراع المجرى في 8 سبتمبر 2021 بالدائرة الانتخابية المحلية ”الحسيمة” (إقليم الحسيمة)، والذي أعلن على إثره انتخابهم أعضاء بهذا المجلس؛”.

وقد أثار القرار الأخير منذ صدوره العديد من ردود الفعل، بين الباحثين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، على اعتبار أنه لأول مرة يتم إلغاء انتخاب جميع الأعضاء الذين فازوا في نفس الدائرة الانتخابية.

وبالرجوع إلى وسائل الطعن المثارة من طرف الطاعنين في الانتخابات المجراة بالدائرة الانتخابية المحلية الحاجب، والدائرة الانتخابية المحلية الحسيمة (بخصوص السيدين نور الدين مضيان ومحمد الأعرج) في القرارين أعلاه، نجدهما اعتمدا على نفس وسيلة الطعن، وهي: خرق حالة الطوارئ الصحية. غير أن المحكمة الدستورية رتبت جزاءين مختلفين على نفس الفعل، يشكلان معا مخالفة للتشريع الانتخابي النافذ أثناء الانتخابات. حيث قضت في الأول برفض الطلب، وفي الثاني بقبوله، وإلغاء نتائج الانتخابات.

وحيث تأسيسا على ذلك، تسعى هذه المقالة إلى إبراز تناقض تعليلات المحكمة الدستورية فيما قضت به، مع العلم أن قراراتها وفقا للفقرة الأخيرة من الفصل 134 من الدستور، “لاتقبل أي طريق من طرق الطعن، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية”. وبالتالي يكون أيضا من غير المقبول أن تصدر المحكمة الدستورية قرارات متضاربة، لما للأمر من تأثير سلبي على الحياة الانتخابية.

1-   حول المآخذ المتعلقة بالحملة الانتخابية في الملفين معا.

2-   قراءة في تعليل المحكمة الدستورية.

أولا: قراءة في المآخذ المتعلقة بالحملة الانتخابية كما وردت في القرارين عدد 170/22 و179/22.

تتلخص المآخذ المتعلقة بالحملة الانتخابية في الملف الأول عدد 161/21 الصادر فيه القرار 170/22 ، بكون أن المطعون في انتخابه: “عمد إلى خرق ضوابط الحجر الصحي المقررة بمقتضى المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، وقرارات السلطات الحكومية ذات الصلة، إذ نظم تجمعا خطابيا حضره المئات من المواطنات والمواطنين دون احترام للتباعد أو تقيد بتدابير الحماية، مما رجح كفة المطعون في انتخابه على حساب الطاعن”،

وتتلخص في الملف الثاني عدد 196/21 الصادر فيه القرار عدد 179/22 في “أن المطعون في انتخابهما، لم يتقيدا بضوابط الحملة الانتخابية التي تم سنها من قبل السلطات العمومية، في إطار إنفاذ المرسوم بقانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، إذ أقاما تجمعات انتخابية دون ترخيص ودون احترام لمتطلبات التباعد الاجتماعي والوقاية المتخذة في إطار محاربة وباء كورونا كوفيد-19، مما أخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين المترشحين سيما وأن الطاعن أقدم خلال الحملة الانتخابية، على نشر إعلان بصفحته على أحد مواقع التواصل الاجتماعي يدعو فيه أعضاء الحزب الذي ترشح باسمه إلى “تعليق كافة الأنشطة الدعائية العمومية تجنبا لتفشي وباء كوفيد-19″؛”

وحيث يلاحظ، أن المأخذ في الملفين معا هو نفسه، يتعلق بخرق المطعون فيهم لحالة الطوارئ الصحية، وهو ما كان يفترض صدور قرارين منسجمين، لا قرارين متناقضين، وهو ما لم يحصل.

ثانيا: قراءة في تعليل المحكمة الدستورية.

بالرجوع إلى تعليل المحكمة الدستورية في الملف الأول، نجدها عللت قرارها بما يلي:

“حيث إنه، من جهة أولى، فإن الفقرة الثانية من المادة 31 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، تنص على أنه: “تعقد الاجتماعات الانتخابية وفق الشروط المحددة في التشريع الجاري به العمل في شأن التجمعات العمومية”؛

وحيث إن الفقرة الأولى من المادة الثالثة، من المرسوم بقانون، المستدل به، تنص على أنه:”على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم”؛

وحيث إن مقتضيات هذه المادة، بوصفها نصا تشريعيا خاصا نافذا خلال فترة الطوارئ الصحية المعلن عنها، وما تتخذه الحكومة، استنادا لهذه المقتضيات من أعمال، وبالنظر للظرف الخاص المتمثل في جائحة كوفيد-19، يسري مفعولها، تبعا لذلك، على الاجتماعات العمومية المنظمة خلال فترة الحملة الانتخابية، استثناء من التشريع الجاري به العمل في شأن التجمعات العمومية الذي تحيل عليه الفقرة الثانية من المادة 31 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب؛

وحيث إنه، لئن رتبت مقتضيات المرسوم بقانون، لاسيما المادتان الرابعة والرابعة المكررة منه، جزاءات على مخالفة الأحكام الخاصة بحالة الطوارئ الصحية، فليس للمحكمة الدستورية أن ترتب جزاء انتخابيا خاصا على مخالفة تلك الأحكام بمناسبة الاجتماعات العمومية المنظمة خلال الحملة الانتخابية، ما لم يقترن ذلك بمناورة تدليسية، أو ترتب عن ارتكاب المخالفة إخلال بالمساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين، وهو أمر تستقل المحكمة بتقديره، وهو ما لم يثبته الطاعن، الذي جاء ادعاؤه عاما مما يكون معه غير جدير بالاعتبار؛”

حيث يتضح من التعليل أعلاه، أن المحكمة الدستورية، بنت قناعتها في رفض الطعن، على أن الطاعن لم يثبت أن هذه المخالفة أخلت بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص مع المطعون فيه، مقرة أن تقدير هذا الأمر يخضع لسلطتها التقديرية فقط، وبإعمالها لهذه السلطة فإنها لم ترتب أي جزاء انتخابي على هذه المخالفة.

غير أنه بالرجوع إلى تعليل المحكمة الدستورية بخصوص الملف الثاني، الذي قضت فيه بإلغاء نتائج الانتخابات بدائرة الحسيمة، نجدها عللت قرارها بالتالي:

“وحيث إن الفقرة الثانية من المادة 31 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب تنص على أنه: “تعقد الاجتماعات الانتخابية وفق الشروط المحددة في التشريع الجاري به العمل في شأن التجمعات العمومية”؛

وحيث إن الفقرة الأولى من المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، تنص على أنه : “على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم “؛

وحيث إن مقتضيات هذه المادة، بوصفها نصا تشريعيا خاصا، نافذا خلال فترة الطوارئ الصحية المعلن عنها، وما تتخذه الحكومة، استنادا لهذه المقتضيات من أعمال، وبالنظر للظرف الخاص المتمثل في ضرورة مواجهة تفشي جائحة كورونا كوفيد-19 حفاظا على الصحة والسلامة العامتين، يسري مفعولها، تبعا لذلك، على الاجتماعات العمومية المنظمة خلال فترة الحملة الانتخابية، استثناء من التشريع الجاري به العمل في شأن التجمعات العمومية الذي تحيل عليه الفقرة الثانية من المادة 31 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب؛

وحيث إن حالة الطوارئ الصحية كانت سارية المفعول بسائر أرجاء التراب الوطني إبان الحملة الانتخابية التي جرت برسم الاقتراع موضوع الطعن، وذلك بمقتضى المرسوم رقم 2.21.643 الصادر في 16 من محرم 1443(25 أغسطس 2021)، الذي أقر في المادة الأولى منه تمديد حالة الطوارئ الصحية من يوم السبت 10 يوليو 2021 في الساعة السادسة مساء إلى غاية يوم الأحد 31 أكتوبر 2021 في نفس الساعة؛

وحيث إنه، إنفاذا لمقتضيات المرسوم بقانون المشار إليه أصدرت وزارة الداخلية في 23 و24 أغسطس 2021 دوريتين موجهتين إلى السادة الولاة والعمال، تضمنتا إجراءات تتعلق بتنظيم الحملة الانتخابية في إطار التدابير الاحترازية المرتبطة بالحد من تفشي الوباء، نصتا، علاقة بالمأخذ المثار، على عدم تجاوز التجمعات والأنشطة في الفضاءات المغلقة والمفتوحة أكثر من 25 شخصا، مع إلزامية الحصول على ترخيص من لدن السلطات المحلية في حالة تجاوز هذا العدد، وعدم السماح بتنظيم التجمعات الانتخابية في الفضاءات المفتوحة التي تعرف حركية مكثفة واكتظاظا يصعب معه فرض احترام التدابير الاحترازية، وضوابط أخرى تتعلق بالجولات الميدانية بالسيارات أو سيرا على الأقدام وبتوزيع المنشورات، مع إلزامية ارتداء الكمامة واحترام التباعد الاجتماعي في كل الأنشطة المرتبطة بالحملة الانتخابية؛

وحيث إن هذه الضوابط ملزمة لسائر المشاركين في أنشطة الحملات الانتخابية برسم الاقتراع موضوع الطعن، لا سيما المترشحين ومساعديهم، خلافا لما دفع به المطعون في انتخابهما في مذكرتيهما الجوابيتين؛

وحيث إن الطاعن أدلى تعزيزا لمأخذه، بمستندات مضمنة في مفتاح ذاكرة خارجية تضمنت صورا ومستخرجات نشرت على حساب المطعون في انتخابه الأول والمرتبة ثانيا في لائحة ترشيحه على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي بتاريخ   5 و6 و7 سبتمبر 2021، تظهر مشاركتهما في تجمعات ومسيرات انتخابية متعددة، انتفى فيها أي مظهر من مظاهر التقيد بالضوابط المذكورة؛

وحيث إن مفتاح الذاكرة الخارجية المدلى به من طرف الطاعن، تضمن أيضا شريط فيديو يظهر فيه المطعون في انتخابه الرابع متصدرا لموكب انتخابي لم يتم فيه كذلك، التقيد بالضوابط الاحترازية المشار إليها؛

وحيث إنه يعود للمحكمة الدستورية، في نازلة الحال، أن ترتب جزاءا انتخابيا خاصا على مخالفة الأحكام المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية بمناسبة الاجتماعات العمومية المنظمة خلال الحملة الانتخابية، دون الإخلال بما نصت عليه مقتضيات المادتين الرابعة والرابعة المكررة من المرسوم بقانون المشار إليه من جزاءات أخرى، متى ترتب عن ارتكاب المخالفة مساس بالمساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين؛

وحيث إن هذه المخالفة الثابتة، تشكل إخلالا بيناً بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين، مما يتعين معه التصريح بإلغاء انتخاب السيدين نور الدين مضيان ومحمد الأعرج عضوين بمجلس النواب؛

إن ما يلاحظ على تعليل المحكمة الدستورية في هذا القرار، أنه جاء أكثر تفصيلا وتدقيقا، اتبعت فيه استدلالا منطقيا للوصول إلى قناعتها بتأثير المخالفة على مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين المرشحين، مقرة بوضوح أن المخالفة التي قام بها المطعون في فوزهما السيدين نور الدين مضيان ومحمد الأعرج، تشكل إخلالا بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، رتبت عنه إلغاء نتائج الانتخابات.

إن قرار المحكمة الدستورية الأخير، قرارا إيجابيا، كرست فيه دورها في حماية المبدأين الدستوريين -المساواة وتكافؤ الفرص- بين مختلف المرشحين أمام المقتضيات القانونية، وهو اجتهاد لا يمكن إلا التنويه به.

غير أنه في القرار الأول الذي قضت فيه برفض الطلب، للعلة المفصلة أعلاه، مع قيامه على نفس السبب، يجعل ما قضت بهم مجانبا للصواب، إذ نتج عنه الإقرار بصحة الانتخابات رغم ما للمخالفة من تأثير مباشر على مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين الطاعن والمطعون فيه، هذا الأخير الذي لم يستطع دحض ادعاءات الطاعن. ورغم ذلك، فإن المحكمة الدستورية رفضت الطعن، معتمدة على سلطتها التقديرية فقط التي رجحت كفة محدودية تأثير المخالفة، على كفة تأثيرها، دون أن تبرز في قرارها العناصر التي اعتمدتها للوصول لمنطوق قرارها.

إن المحكمة الدستورية، وقبل إعمال سلطتها التقديرية، كان من الأجدر بها إعمال باقي إجراءات تحقيق الدعوى المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة 37 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية التي تحيل على إجراءات التحقيق طبقا لقانون المسطرة المدنية. خاصة وأن المطعون فيه لم يدل أمامها بما يفيد حصوله على ترخيص –وهو إلزامي- من لدن السلطات المحلية يجيز له تجاوز عدد الأشخاص المسموح بهم في التجمعات والأنشطة المفتوحة والمغلقة المحدد في 25 شخصا. وهو ما يجعله مرتكبا لمخالفتين، الأولى خرقه لإجراءات الحجر الصحي، والثانية تجاوزه للسلطة وعدم طلب ترخيصها، مما يجعله أمام مخالفة صريحة لمقتضيات قانونية آمرة وسارية المفعول، يتعين ترتيب جزاء عليها على غرار قرارها عدد 179/22 والتصريح ببطلان الانتخابات.

 

خــلاصــة.

إن المحكمة الدستورية جانبت الصواب في إعمال سلطتها التقديرية في القرار رقم 170/22، ولم تكن سلطتها في محلها، وهو ما يجعلها مشوبة بعيب الانحراف، لأن موضوع النزاع يتعلق بالانتخابات، وهو مجال مصالح بامتياز. وهو ما كان يستوجب الحكم ببطلان الانتخابات، تفاديا لتضارب وتناقض قراراتها، خاصة وأن المطعون فيه لم يدحض ادعاءات الطاعن، كما أن المحكمة الدستورية قضت لاحقا في قرارها عدد 179/22 بحكم مخالف في نازلة مماثلة تتعلق بنفس المخالفة.

باحث في القانون العام والعلوم السياسية، ومحام متمرن بهيئة الرباط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News