تحقيقات | مجتمع

فاقت ملياري سنتيم..هذه تفاصيل “نافذة للهجرة” انقلبت مأساة بسيدي سليمان

فاقت ملياري سنتيم..هذه تفاصيل “نافذة للهجرة” انقلبت مأساة بسيدي سليمان

يهمس كأنه يحاول أن يخفي معالم جريمة هو نفسه من بين ضحاياها. يحكي محمد بارتباك تفاصيل عملية نصب كبرى اقتات مدبرها، وفقا لشهادات متطابقة، على أحلام شباب يرى في الهجرة سبيلا للانعتاق من واقع بائس.

“مرحبا بك بسيدي سليمان”. مدينة الليمون التي تحولت إلى ما يقترب من مسرح لجريمة نفسية واجتماعية عصفت بآمال 464 شابا ضمنهم محمد. عملية نصب يقول ضحاياها إن صانعها شخص معروف وجار لعدد من هؤلاء باع لهم الوهم مقابل مليارين و 512 مليون سنتيم.

“مدار 21″، انتقلت إلى المدينة، للبحث في تفاصيل القصة وكشف معالم واحدة من بين أكبر عمليات النصب المرتبطة بالهجرة بالمغرب.

بداية الحكاية

الفيروس الصغير غير المرئي الذي اجتاح العالم وتسبب في “إغلاق” مدن وبلدان كان له دور في تأجيل عملية النصب. فحسب تصريحات متطابقة من ضحايا هذه العملية لجريدة “مدار 21” الإلكترونية، فأحمد.م، المهاجر بهولندا ورجل الأعمال ذو الأصول الريفية، والذي يمتلك مقهى هنا بسيدي سليمان، بدأ يقنع الساكنة، وعن طريق سماسرة، بقدرته على مساعدة أبنائهم للهجرة نحو فرنسا وكندا في 2019، ثم جاءت الجائحة وكانت حجة لتأجيل كل شيء، وبما خلفت من يأس في نفوس شباب المدينة الصغيرة كانت سببا في تزايد أعداد الضحايا.

وقبل أشهر معدودة، وتحديدا في غشت الفارط، شرع أحمد.م ، مرة أخرى، بالتواصل مع عدد من الشباب الحالم بالهجرة، لإقناعهم أنه يستطيع أن يحول كل ذلك لواقع، بل وبطريقة قانونية، عبر عقود عمل في حقول فلاحية ومصانع، والمطلوب جواز سفر ساري المفعول، ووثائق طبية تثبت الخلو من أمراض معدية، ومبلغ يتراوح بين 5 و 8 ملايين سنتيم، حسب الوجهة المختارة (كندا مقابل 50 ألف درهم وفرنسا مقابل 80 ألف درهم).

الجمعة الأسود

استيقظ محمد والناس نيام في الصباح الباكر من يوم الجمعة التاسع عشر من نونبر الجاري، مسرعا نحو محطة المدينة ليستقل قطارا يغادر باتجاه الدار البيضاء على الساعة 5.13 صباحا.

كانت رحلة محمد ورفاقه، مليئة بالأحلام، التي لا يفصلهم عنها سوى الوصول ل”عين برجة” بالعاصمة الاقتصادية والخضوع لبعض الفحوصات واستخلاص بعض الوثائق وتحديد موعد توضيب الحقائب وإقلاع الطائرة، لكنه تفاجأ والعشرات ممن كانوا معه بأن كل شيء كان “وهما”. فجأة تحول يوم الجمعة الذي من المفترض أن يكون يوما لانطلاق رحلة نحو “نعيم” أوروبا، ليوم أسود لا يعرف ماذا سيأتي بعده.

يقول محمد، الذي رفض الظهور بوجه مكشوف في تصريح لجريدة “مدار 21” الإلكترونية، “وصلنا إلى المكان المحدد، ووجدنا “الخوا” (الفراغ)..البعض ظل يصرخ وآخر أغمي عليه وبعضنا كان يبكي، لكن الغضب كان مشتركا بيننا.. غضب من شخص استغل أحلامنا ونصب علينا. وغضب من أنفسنا لأننا وثقنا به، وغضب من هذه البلاد السعيدة التي لم يبق فيها شيء لنتشبث به”.

ويردف الشاب البالغ من العمر 27 سنة: “حينها قررنا أننا لا بد أن نفهم تفاصيل ما يجري، وعدنا لسيدي سليمان نجر خيبتنا، وتوجهنا أمام مقهى أحمد، لكنه كان قد اختفى ووجدنا أنفسنا أمام عائلته (زوجته وأحد أقاربه)، الذين ظلوا يكررون علينا جملا فهمنا منها أنهم يؤكدون أنه هو كذلك تم النصب عليه، ووعدونا بحل الأمور في القريب العاجل، ومرت أيام وها نحن ننتظر”.

وتماما كما محمد، يرفض الضحايا، أن يظهروا بوجوه مكشوفة، للحديث عن تفاصيل قصة النصب عليهم، خاصة بعد توصلهم بمقاطع صوتية عبر تطبيق “واتساب” (اطلعت عليها جريدة “مدار 21” الإلكترونية)، من معارف الرجل وعائلته، تعدهم باسترجاع جزء من أموالهم، بل إن بعضهم مازال يطمع في أن يكون كل ما يجري “كابوسا”، ينتهي بعودة أحمد. م، وتحديد موعد آخر للهجرة نحو أوروبا.

“فاجعة” مشتركة

464 شابا، من بينهم أبناء رجال أمن ومحامون، كانوا ضحايا لأحمد.م،، الذي تفوقت قدرته في الإقناع على شكوك كانت تحيط بكل ما يقوله. ويؤكد مروان، أحد الضحايا، في تصريح لجريدة “مدار 21” الإلكترونية، أن سمعة الرجل الذي اكتسبها عبر السنوات، وطريقته في الرد على الأسئلة، كانت كافية لتسليمه مبالغ مالية كبيرة، تقدر بأكثر من ملياري سنتيم.

ويوضح المتحدث ذاته، سألته عن الضمانة قبل أن أسلمه 4 ملايين سنتيم حصلت عليها من والدتي التي باعت “ذهبها” (مجوهراتها)، فكان رده : “أملاكي بالمدينة(مقهى وفيلا وضيعة) أكبر ضمان”.

وخلافا لمروان، لم يكن للإقناع دور محوري في قصة محمد، بل “الرغبة في الهروب كانت أكبر وأقوى، حتى أنني بعت مشروعي لأتمكن من دفع ما طلبه (8 مليون سنتيم)، للوصول إلى أوروبا، لأنني أؤمن أن كل أحلامي قابلة للتحقق هناك، فهنا أشعر أنني في دوامة، أجرى داخلها منذ سنوات، ولا أزال في مكاني، لذلك كنت أريد أن أتنفس بعضا من الحرية والحقوق خارجها”.

ويضيف: “نحن بلا قيمة، والدليل على ما أقول هو هذه الفاجعة التي أصابت أكثر من 464 شابا.. ولا أحد تحرك لمساعدتنا.. صدقيني بعد كل هذا تمنيت مرارا سكتة قلبية تخلصني من العذاب”.

أما المهدي، الذي يعمل نادلا بمطعم، فكان يأمل أن يكون جارهم صاحب المقهى “صادقا”، ليستطيع إعالة والدته التي تعاني من السرطان وخضعت لعملية جراحية مؤخرا.

وتؤكد أمه حليمة في تصريح لجريدة “مدار 21” الإلكترونية :”أعلم أنه يحلم أن تطأ قدماه كندا، لذلك بعت أرضي، “ريحة با”، لتأمين المبلغ المطلوب، لكن كل شيء كان وهما، والله “ياخد فيه الحق”.

وغير مروان ومحمد والمهدي كثيرون، إناثا وذكورا، صدّقوا وعود أحمد.م، وسلموا مالهم وأحلامهم، وما زالوا ينتظرون ما تأتي به الأيام القادمة، ومنهم محجوبة، التي أقنعت والدها بأن يضع منزله “تحت الرهن”، وطارق الذي جعل أخاه الأكبر يقترض من البنك.

أين اختفى؟

حاولت جريدة “مدار 21” الإلكترونية التواصل مع أحمد.م، ومع ابنه إلياس، ولأكثر من مرة وبأكثر من طريقة (الاتصال به ورسائل واتساب) لكننا لم نتوصل بأي رد لحد الساعة.

ويؤكد الضحايا الذين التقيناهم هنا، أن مكان ومصير الرجل لا يعرفه إلا “الله والمخزن”، ويوضح طارق، أحد الضحايا، ل”مدار 21″، :البعض يقول إنه في هولندا، وزوجته تنفي ذلك وتقول إنه لم يهرب ومازال في أرض الوطن، ولا نستطيع التفريق، بين الحقيقة والكذب”.

مصدر أمني مطلع، أكد ل”مدار 21″، في السياق ذاته، أنه ورغم أن تصريحات الساكنة تشير إلى أن عدد الضحايا يفوق 400، إلا أن السلطات لم تتوصل إلا بشكايات معدودة، مشددا على “أنها بدأت البحث في تفاصيل القضية، وستظهر تفاصيل جديدة في الأيام القليلة القادمة”.

أسباب وأرقام

الباحث المتخصص في الهجرة فؤاد السرغيني، يعزو الرغبة الجماعية في الهجرة لشباب مدن الهامش، ومن بينها مدينة سيدي سليمان، إلى ظروف العيش القاسية التي زادت من حدتها العوامل المناخية الصعبة والأزمة الاقتصادية.

ويرجع الباحث، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أسباب الهجرة، ولو بطرق غير مضمونة، إلى كسب سبل العيش بالنظر الهشاشة التي يكتسبها سوق الشغل، حيث تعد البطالة، حسب السرغيني، من أهم العوامل المؤثرة في ظاهرة الهجرة، وخصوصا الشباب.

وحسب معطيات صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، فإن معدل البطالة وسط فئة الشباب، من الفئات العمرية من 15 إلى 24 سنة، تصل إلى 30.8 بالمائة وحاملي الشهادات إلى 20.4 بالمائة السنة الجارية.

سبب آخر ساهم في تنامي “حلم” الهجرة، بحسب الباحث، وهو الأزمة المرتبطة بجائحة كورونا، حيث ساعدت على تعميق الوضعية العامة، وتراجع فرص العمل، وبالتالي كانت دافعا إضافيا للهجرة لدى الفئات الهشة، عوض إخماد رغبة الشباب الباحث عن مستقبل أفضل بالضفة الأخرى.

ويقول السرغيني إن الوضع الذي تشهده مدينة سيدي سليمان وعدد من المدن المغربية، ليس بالجديد، ويبرز أن السياسية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب لا تستطيع استيعاب هذه الفئات العمرية، وإدماجها في النسيج الإنتاجية، خصوصا أمام تراجع سياسات التوظيف العمومي من منطلق ترشيد النفقات.

وما ينسحب على القطاع العام يمس أيضا الخاص، فهشاشة القطاع المتمثلة في عدم قدرته على ضمان مستوى عيش لائق وغياب التحفيز وغيرها من المعيقات تجعل منه قطاعا لا يبعث بالنسبة للشباب الكثير من الأمل ليكون دافعا للاستقرار.

تقرير صادر عن المرصد الوطني للتنمية البشرية، بعنوان “شباب مغرب اليوم”، استنادا إلى “الباروميتر العربي 2019″، أكد أن حاجة الشباب للحركة الدولية أمر لا جدال فيه، ما دام 7 شبان من أصل 10 في المغرب تستهويهم الهجرة، وهي النسبة الأعلى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ويضيف اعتمادا على البحث الوطني للمندوبية السامية للتخطيط حول الهجرة الدولية سنة 2019، أن الرغبة بالهجرة عند 73.5 بالمئة من هؤلاء الشبان تجد تفسيرها في ضرورة البحث عن كسب العيش.

الواقع أن الأرقام الرسمية، لم تؤكد إلا معطيات الواقع الملموسة التي يتداولها المهتمون وحتى العامة، كون الواقع الاجتماعي الذي يعيشه الشبان المغاربة أكبر دافع لهم نحو الهجرة وفي كثير من الأحيان بركوب المخاطر في سبيل بلوغ الفردوس الأوروبي.

تعليقات الزوار ( 1 )

  1. تبدو كقصة خيالية ،
    لا أظن أن في هذا الزمان من يعطي كل هذه الأموال بلا ضمانات،لو كانت في فترة التسعينات لقلت ممكن،أما الآن فالموضوع غريب بعض الشيء .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News