وجهة نظر

في الحاجة إلى وضع حد لليأس السياسي

في الحاجة إلى وضع حد لليأس السياسي

بين حين وآخر تخضع السياسة إلى مساءلة، أو إلى تقويم يسائلها في قدرتها أو عجزها، في أمراضها أو في صحتها، في حياتها النابضة أو في رقادها الطويل، بعد المساءلة يصل البعض إلى حكم متفائل، فيؤكد أن السياسة في وطننا تستبشر خيرا بشكل ملفت للانتباه لدرجة بدت معه وكأنها حققت تحولا غير مسبوق، ويصل البعض الآخر إلى شعور متشائم غالبا ما يؤدي إلى إحباط يترجم إلى يأس، والحال أن الشكوى والأسى المتولدان من صميم التصور العام للسياسة والعمل السياسي يقودنا إلى الإقرار بأمرين: تراجع وظيفة الأحزاب السياسية ودورها في تعزيز مسار الوعي السياسي والتنشئة السياسية الديمقراطية، ثم بروز ظاهرة التهميش الاجتماعي وتوقف الاهتمام بالحياة السياسية العامة.

التفكير في اليأس السياسي يسمح على الأقل بنفي سمة المرض عنه ويجعله ملاذا مريحا نبحث فيه عن الأجوبة التي يمكن أن تزودنا بمعرفة أسباب اللامبالاة التي أضحت تطاردنا بامتياز، وأول ماينبغي أن نتلمسه في مجابهة أشد أنواع الخطر الذي يلاحق الدولة والمجتمع، التمييز بين يأس سياسي ويأس من السياسة، ويمكن استعراض التفصيل الذي أقامه عبد الإله بلقزيز باعتبار اليأس السياسي ذي طبيعة سياسية يؤدي إلى عدم الاهتمام بالسياسة والتخلي عنها مشاركةً والكفر بها، وجوهر اليأس السياسي يولد في ذهن صاحبه في جل الأحوال شعورا باللاجدوى وفقدان السياسة معناها والرغبة في الانتقام منها بالانزواء والمقاطعة.

ولئن كان اليأس السياسي أشد أنواع اليأس لإمكانية استيعابه عنصر اليأس من السياسة، فإن النتائج بينهما لا يفضيان إلى المخرجات نفسها، حيث اليأس من السياسة، وإن أخذ صاحبه إلى الإعراض عنها فإنه يفتح ذهنه ونشاطه على ميادين أخرى كالكتابة والعمل في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني، وهي أشكال تعبر عن يأس من السياسة بما هو يأس إيجابي.

إذا أردنا أن ندفع بهذا التمييز إلى وضوح أكثر نرجع إلى السلوك السياسي للمجتمع المغربي، والذي يتسم بأخذ موقف من الطبقة السياسية لاسيما الأحزاب السياسية، على نحو يترجم في أغلب الأحيان في عدم الرغبة بالانخراط في العمل الحزبي، والامتناع عن التصويت له، أي اللجوء إلى ما بات يعرف بالعزوف الانتخابي كتعبير عن حالة اللاتسييس التي أضحت تخترق المجتمع، فهل يمكن التسليم بأننا نعيش زمن اليأس السياسي؟

ظاهريا يبدو النفي عنوان الإجابة لما تحمل في جوفها من مبررات تدور في مجملها عن تزايد ارتفاع نسب التصويت خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار نسبة المشاركة التي تضمنها الاقتراع الأخير، ثم تعدد أشكال المشاركة السياسية التي تختلف في صيغ التعبير عن نفسها والتي أصبحت متفشية باستمرار، بيد أن استحضار نسب التصويت والبحث في مسبباتها يضعنا أمام مسار معقد يفسر وفق مستويات اجتماعية تنتفي فيها فرضية الاختيار المعقلن، فعلى سبيل المثال نجد الطبقات الاجتماعية المهمشة والمدن النصف حضرية والفئات غير المندمجة هي الأكثر تصويتا، رغم عدم إدراكها لمجريات الفعل السياسي والشأن الحزبي.

سقنا هذا المعطى للتدليل على أن الطبقة الوسطى بما هي البيئة الاجتماعية للعمل السياسي تنهج سلوكا اتجاه السياسة مبناه الانسحاب من الاهتمام بالشأن العام، ولئن كان الاهتمام بالسياسة والشأن العام لا ينمو إلا في بيئة سياسية مناسبة، فإن اليأس السياسي للطبقة الوسطى تولد على إثر بؤس العمل الحزبي وأزمته.

لم يعد العمل الحزبي يستهوي الطبقات الاجتماعية خاصة الطبقة الوسطى لاقترانه في وعيها بالوصولية والانتهازية، ولعل هذا الوعي هو ما ساهم في ضمور قاعدة الجماهير داخل تنظيم الأحزاب السياسية لاقترافه جسيم الأخطاء لحظة وصوله للحكم وتسيير دواليب الدولة، وما نموذج حزب العدالة والتنمية عنا ببعيد. من الطبيعي إذن أن يجد العمل السياسي نفسه مضطهدا من قبل المجتمع، غير أن الذي لا مرية فيه هو أن هذا الأخير نفسه من يمتلك مفاتيح التغيير بواسطة الانخراط في العمل السياسي.

نافل القول هو أن السياسة والعمل السياسي يسبحان في مياه المجتمع ولا يقويان على العيش بعيدا عنه، وقد نظر محمد البردوزي منذ زمن بعيد وتنبه إلى العلاقة فيما بين النسق السياسي والاجتماعي واعتبر العمل السياسي كجزء فرعي في المجتمع، لذلك لم يكن مجازفا عندما أقر بأن مكانة العمل السياسي في المجتمع تشبه إلى حد ما مكانة النظام العصبي (بما فيه الدماغ والأعصاب وغيرها) في الجسم الحي. فالأول يقود الثاني ويضبط أفعاله وردود فعله وينسق حركاته.

لذا فإن الحاجة إلى التشديد على وضع حد لليأس السياسي لهو مطلب ضروري لا يمكن أن يخاض إلا متى أصبح فكرة يستوعبها المجتمع، ولا يمكن لهذه الفكرة أن تجد لها صدى في أذهان الأفراد سوى بواسطة وجود من يحملها، ليكن في الأخير اختيار إعادة بناء ثقافة سياسية كمنظومة من القيم والأفكار والمعتقدات المرتبطة بظاهرة السلطة -سماتها العقلانية- الاختيار الأنجع لقطع الصلة مع مظاهر الفساد السياسي والحزبي، يمكننا من إحداث رؤية جديدة تعيد تقدير قيمة السياسة بما هي فعل ينشد التغيير.

  – باحث في سلك الدكتوراه

تعليقات الزوار ( 1 )

  1. جميل أن يهتم الانسان بهذا الجانب من عالم السياسي..
    الملاحظ في المقال هو استعمال الكاتب اسلوب صعب إن لم نقل عليه فيه تعقيدات نتوه بين الكلمات المنتقات من أجل التعبير عن فكرة معينة, أحسن وسيلة للتعبير هي البساطة.. حتى في مجال البحث العالي اختيار التعابير و الجمل البسيطة له وقع كبير في فهم النص و المغزى منه..على القارئ ان يأخذ مسافة من النص من أجل قراءة النص بعين القارئ و ليس الكاتب.
    هذه مجرد ملاحظات بسيطة من قارئ بسيط,, مسيرة موفقة للكاتب فالمادة الخام جد مرضية.. و الله المعين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News