سياسة

يوميات انتخابية..أفراح عاجلة بنتائج مخبأة بصندوق الاقتراع

يوميات انتخابية..أفراح عاجلة بنتائج مخبأة بصندوق الاقتراع

بدأت خجولة كما يرى المراقبون للشأن المحلي على صعيد فاس؛ غير أن ايقاع الحملات الانتخابية في أفق اقتراع 8 شتنبر لا يفتأ يرتفع يوما بعد يوم تحسبا لساعة الحقيقة التي ينطق بها الناخب أمام الصندوق.

في معسكرات المتنافسين، داخل مراكز التعبئة وعبر قوافل التواصل مع الساكنة، تتشابه الثقة بالفوز الذي يبدو قريبا للبعض، أكيدا لغيرهم وممكنا لآخرين.

يستندون على ذاتية مفرطة تخلط المنى بالحقيقة، أو على استقصاءات ميدانية على الطريقة الشعبية، باستخدام جهاز “مخابرات” فعال يستمزج الآراء ويمحصها ويطابقها معتمدا على عناصر خبيرة بشؤون الأهالي والأحياء ومتمرسة على فنون “استطلاع الرأي” في الأزقة والدردشة على عتبات البيوت.

والحال أن التجربة تبين أن نوايا التصويت ليست رياضيات، لذلك، فإن جولة واحدة لا تكفي، وحوارا عابرا مع ناخب محتمل ينتهي بمجاملة وعد بالتصويت ليس ضمانة يمكن الاطمئنان اليها. لعل ذلك ملح المنافسة، على غرار مباريات الكرة، يوم الاقتراع يفرح طرف ويندب آخر حظه، لكن الأهم أن قواعد اللعبة راسخة وصفارة التحكيم شفافة والنتيجة تظهر في الدقيقة 90 على لوحة المدرجات.

فاس مدينة انتخابية بامتياز، بتقاليد متجذرة للاستقطاب السياسي بين ألوان الطيف، وذاكرة الساكنة تحتفظ بجولات النزال المحتدمة عبر المحطات الانتخابية المتعاقبة، لا سيما زمن التقاطب الجذري بين أحزاب اليمين واليسار، حيث أسلمت المدينة مقاليدها لألوان حزبية مختلفة، كل يفاخر بانجازات أغنى بها حياة المدينة بينما كان طبيعيا أن تتضارب الآراء والانطباعات في صفوف أهل فاس حول حصيلة هذه التجربة وتلك.. لأن الأصل في الاختلاف السياسي تقاسم النظر الى نصفي الكأس.

مثلها مثل باقي المدن والقرى؛ تلقي الأزمة الصحية بثقلها على المشهد الانتخابي من حيث محدودية وتيرة اللقاءات الحية مع الناخبين لكن يبدو أن الهيئات الحزبية بذلت مجهودا على مستوى توظيف وسائط التواصل الاجتماعي لبلوغ أوسع الشرائح في أقصر وقت ترشيدا لزمن انتخابي ثمين، وتكيفا مع نمط تواصلي افتراضي يغير كل شيء في حياة الناس، بما فيها الانتخابات.

الافتراضي مكمل لا بديل عن الوجود الحي في الميدان. فالمقرات الحزبية في المدينة تعرف نشاطا استثنائيا طيلة اليوم، يتنوع بين تأطير المناضلين وتقديم المرشحين وعرض انجازات التدبير السابق للدوائر واستضافة القيادات المركزية لرفع منسوب الدعم والتعبئة.

حضور الوجوه المعروفة اعلاميا والوازنة سياسيا في التجمعات الخطابية أو الحملات التواصلية كان دائما سندا منشودا للفاعل الحزبي الانتخابي المحلي، من أجل رفع الإيقاع وضخ قيمة مضافة من حيث القوة الحجاجية ومصداقية الالتزامات المعبر عنها. لكن فاس، وتحت تأثير إكراهات الأزمة الصحية وضغوط محطة انتخابية حساسة، افتقدت، إلى حد ما، هذا النوع من التجمعات الحاشدة التي ينزل فيها الفاعلون الحزبيون بكل ثقلهم المركزي والمحلي.

في المقابل، وبينما تقتصر الساحات والشوارع الكبرى لفاس على قوافل تواصلية متنقلة لاستعراض الوجود، فإن حيوية الفعل الانتخابي مازالت متمركزة في الأحياء الشعبية حيث الكثافة الديموغرافية والنمط الإسكاني وطبيعة الفضاء العام عناصر تشكل مجالا مواتيا لتركيز المجهود التواصلي وتنزيل الخطاب التعبوي واصطفاء اللاعبين المؤثرين الذين يشكلون العمود الفقري لخوض المباراة الفاصلة.

في عوينات الحجاج وبلخياط وزواغة وباب فتوح وغيرها من الأحياء التي تشكل أحزمة شعبية تطوق المدينة، تشكل الحملات الانتخابية اختبارا صعبا لذكاء القرب وحس الانصات والقدرة على نسج شبكات داعمة من أبناء هذه الأحياء، خصوصا في ظل ضمور صورة المشاركة التطوعية النضالية في الحملة الانتخابية. حينئذ، يكون على المرشح أن ينتدب فريقا من الموظفين “بعقد محدد” لصناعة الصخب الاحتفالي الضروري من أجل ترويج “العلامة” الحزبية بالجودة المطلوبة.

العرض الانتخابي بضاعة تمجد ذاتها وتزعم التميز عن نظيراتها. هو موسم الوعود في كل أنحاء الاقتراع الديمقراطي عبر العالم. تغيب التفاصيل، لأن الرهان يتمركز حول مصداقية المرشح وكفاءة الانجاز.

في فاس، مازال الخصاص الاجتماعي والركود الاقتصادي أولوية تتردد على ألسنة جمع من الشباب توقف عند مجمعهم مرشح يفرق الابتسامات والمنشورات التي تحمل صورته وأفراد اللائحة. يعتقد أهل الحاضرة الادريسية أن المكان الذي أنجب منذ ما قبل الاستقلال وبعده شريحة واسعة من النخبة المغربية السياسية والثقافية، التي توزعت بين واجهات الشأن العام المتنوعة، لم ينل ما يكفي من انخراط تنموي هيكلي يضاهي الإشعاع التاريخي والحضاري للمدينة ويثمن مؤهلاتها.

المقاهي المرصوصة في الشوارع كثيفة الحركة في مونفلوري والنرجس تشكل وجهة ضرورية للمرشحين. هي فضاء اجتماعي بامتياز يناقش فيه الرجال الوجوه القديمة والجديدة، ويتبادلون المعطيات والاختيارات، لكن مخضرما خبر دواخل حملات انتخابية عديدة يقدم شهادة هامسة: النساء يملكن مفاتيح الترجيح. هن أكثر حركية وتفانيا، وقدرتهن على طرق البيوت واقناع رباتها بالتصويت في هذا الاتجاه أو ذاك حاسمة.

مساء، تجتمع هيئة أركان الحملة الانتخابية لتقييم حصيلة اليوم، وحركية التغطية المجالية ومستجدات “الميركاتو” بين من خسرتهم القافلة ومن انضم إليها حديثا. يتجدد النقاش كل يوم حول وجبات عشاء سريعة.. في انتظار “العشاء الأخير”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News