موقف

عندما تتأسف المحكمة الدستورية على وزير العدل ومكتب مجلس النواب

إن المحكمة الدستورية؛ وهي بصدد البت في طلب السيد وزير العدل الرامي إلى إعمال أحكام المادتين 17 و18 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب في حق السيد حماد أيت بها، عضو هذا المجلس، الموجود في حالة التنافي بسبب رئاسته أيضا لكل من مجلس جماعة، ومجموعة جماعات ترابية؛  قد أخذت على مكتب مجلس النواب ووزير العدل عدم مبادرة الأول وتأخر الثاني في تفعيل مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب.

وفي هذا الصدد، جاء في حيثيات قرار المحكمة الدستورية رقم 105.20 الصادر بتاريخ 30 أبريل 2020 ما يلي:

“وحيث إن مسؤولية المبادرة بإعمال الآثار المترتبة عن حالة التنافي، القائمة في النازلة، تقع بالأساس على عاتق النائب المعني بتسوية وضعيته داخل الآجال المقررة قانونا ثم على مكتب مجلس النواب ووزير العدل، طبقا للفقرة الأولى من المادة 17 والفقرة الثانية من المادة 18 “؛

”  وحيث إنه، من المؤسف، عدم مبادرة مكتب مجلس النواب وتأخر وزير العدل في إعمال الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون التنظيمي وذلك بتقديم طلب إقالة المعني بالأمر إلى المحكمة الدستورية، بعد انصرام الأجل الذي كان يتعين فيه على النائب المعني أن يثبت أنه استقال من مهمته المتنافية مع انتدابه”.

ارتباطا بهذا، وقصد مناقشة وتحليل حيثيات هذا القرار، سنحاول في مرحلة أولى تفكيك القاموس اللغوي المعتمد في هذا القرار (ملاحظات بخصوص الشكل)، ثم في مرحلة ثانية تدقيق وقياس القيمة الإثباتية للمستندات القانونية التي اعتمدتها المحكمة الدستورية قصد مؤاخذة مكتب مجلس النواب ووزير العدل وتحميلهما المسؤولية فيما يخص عدم تفعيلهما مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب.

  1. فيما يخص الشكل:

يتضح من جهة أولى، أن المحكمة الدستورية استعملت لهجة حادة، هاجمت من خلالها وعاتبت كل من مكتب مجلس النواب ووزير العدل جراء تقصيرهما في ممارسة وتفعيل الاختصاصات الموكولة إليهما بمقتضى الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، وهي لهجة لا تنسجم مع واجب الاحترام والتوقير المفروض في علاقات المؤسسات الدستورية فيما بينها، على اعتبار أن كلا من مكتب مجلس النواب ووزير العدل هما مكونين من مكونات مؤسسات دستورية أخرى (البرلمان والحكومة) لا تقل مكانة عن مؤسسة المحكمة الدستورية، حيث إن المبدأ المعنوي الذي استقر عليه القضاء الدستوري في هذا المجال هو مبدأ “احترام السلطات الدستورية وعدم انتقادها”.

ومن جهة ثانية، يتضح أن الأسلوب اللغوي المستعمل من طرف المحكمة الدستورية في هذه النازلة، وخاصة عبارة ” وحيث إنه من المؤسف،…”، وبغض النظر عن هذه اللغة الجديدة في تاريخ القضاء الدستوري المغربي،  هو أسلوب لا يتماشى والمكانة الدستورية التي تحظى بها المحكمة الدستورية والقيمة الرفيعة التي خصها المشرع الدستوري لقراراتها وفق ما نصت عليه مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 134 من الدستور، حيث إن عبارة “من المؤسف” هي عبارة تدل على الحسرة والأسف، وهو تعبير عن شعور يمكن استعماله من طرف الأشخاص الذاتيين، وليس من طرف القاضي الدستوري المفروض فيه تطبيق القانون في النوازل المعروضة عليه وفق ما نصت عليه مقتضيات الفقرة السادسة من المادة 17 من القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية.

  1. فيما يخص الموضوع، سنحاول في هذا الصدد الإجابة عن التساؤل التالي:

هل تقع المسؤولية فعلا على عاتق مكتب مجلس النواب ووزير العدل في عدم تفعيلهما للمقتضيات القانونية المؤطرة لهذه النازلة وفق ما جاء في حيثيات قرار المحكمة الدستورية ؟ أم أن الخلل يكمن بالأساس في ذات هذه المقتضيات القانونية التي لم تمكن الجهات الدستورية المسؤولة عن تطبيقها من الوسائل القانونية لممارسة اختصاصاتها في هذا المجال؟

ارتباطا بهذا، وقصد محاولة الإجابة عن هذا التساؤل، يتضح أنه من الأهمية بمكان تحليل وتدقيق المقتضيات القانونية المستدل بها من طرف المحكمة الدستورية في نازلة الحال، وهي أساسا مقتضيات:

  • الفقرة الثانية من المادة 13 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب :” تتنافى العضوية في مجلس النواب مع رئاسة مجلس جهة، كما تتنافى مع أكثر من رئاسة واحدة لغرفة مهنية أو لمجلس جماعة أو مجلس مقاطعة جماعية أو مجموعة تؤسسها جماعة ترابية”؛
  • الفقرة الأولى من المادة 17 من ذات القانون التنظيمي: “يتعين على النائب الذي يوجد عند انتخابه في إحدى حالات التنافي المشار إليها في المواد 13 (الفقرة الثانية)….أن يثبت في ظرف الثلاثين يوما التي تلي إعلان النتائج النهائية للانتخاب أو صدور قرار المحكمة الدستورية في حالة نزاع، أنه استقال من مهامه المتنافية مع انتدابه…”؛
  • الفقرة الأولى من المادة 18 من ذات القانون التنظيمي: “تعلن المحكمة الدستورية الإقالة، وتقر التجريد من العضوية المشار إليها في المادة السابقة بطلب من مكتب مجلس النواب أو وزير العدل”.

ارتباطا بهذا، يتضح أن المسؤولية القانونية تقع أساسا على عاتق النائب البرلماني المعني بتسوية وضعيته داخل الآجال المقررة قانونا، طبقا لمقتضيات الفقرة الأولى من المادة 17 السالفة الذكر، والذي يتحمل وحده المسؤولية القانونية كاملة في هذا المجال، وذلك للأسباب التالية:

أولا: عدم وجود ما يلزم مكتب مجلس النواب ووزير العدل من تفعيل مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب داخل آجال محددة، وهذا ما جعل المحكمة الدستورية تعاتب الجهات المسؤولة عتابا معنويا، وذلك باستعمال عبارة ” وحيث إنه من المؤسف…” .

فبتحليل وتدقيل المقتضيات القانونية المؤطرة لهذه القضية، يتضح عدم وجود أي جزاء قانوني في حالة عدم مبادرة مكتب مجلس النواب أو وزير العدل في تقديم طلب التجريد إلى المحكمة الدستورية داخل آجال معقولة في حق النائب الممتنع عن تسوية وضعيته داخل آجال 30 يوما من تاريخ الاعلان النهائي عن نتائج الانتخاب، أو من تاريخ صدور قرار المحكمة الدستورية في حالة نزاع، كما هو الشأن في نازلة الحال (قرار المحكمة الدستورية رقم 45.17 الصادر بتاريخ 2 أكتوبر 2017).

فالمشرع عندما سن المقتضيات القانونية المؤطرة لهذه الواقعة، ألزم النائب البرلماني الموجود في حالة التنافي بتقديم استقالته من المهام المتنافية مع انتدابه البرلماني داخل آجال محددة، ووضع واقعة الإقالة كجزاء مترتب عن عدم الامتثال لذلك، في حين افترض حسن النية في مكتب مجلس النواب ووزير العدل في تقديم طلب التجريد إلى المحكمة الدستورية في حال عدم تسوية النائب البرلماني لوضعيته القانونية، وهو أمر مشوب بعيب الصياغة القانونية.

ثانيا: عدم تمكين مكتب مجلس النواب ووزير العدل من الوسائل القانونية اللازمة لرصد مختلف حالات التنافي الممكن أن يتواجد فيها النائب البرلماني الذي يمتنع عن التصريح بذلك بسوء نية للجهات المعنية، فتأسيس مجموعة جماعات ترابية كما هو الشأن في نازلة الحال، هو شأن يهم بالأساس وزارة الداخلية، حسب ما نصت عليه مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 133 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، من أنه “يعلن عن تكوين مؤسسة التعاون أو انضمام جماعة إليها بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية بعد الاطلاع على المداولات المتطابقة لمجالس الجماعات المعنية”.

وبالتالي، فليس هناك ما يلزم وزارة الداخلية موافاة مكتب مجلس النواب أو وزير العدل بقائمة رؤساء مؤسسات التعاون المنشأة بين الجماعات الترابية، حتى يتسنى لهم تفعيل مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب في حق النواب البرلمانيين الممكن وجودهم في حالة التنافي.

هذا فضلا عن كون ما يعزز هذا الموقف كون طلب التجريد المقدم من طرف وزير العدل في هذه القضية، قد استند أساسا على رسالة أحد المترشحين المنافسين للنائب البرلماني المعني بالتجريد كما هو مبين في المذكرة الجوابية لهذا الأخير، حسب ما جاء في حيثيات قرار المحكمة الدستورية رقم 105.20 سالف الذكر:

” وحيث إن المطلوب إعلان إقالته من عضويته بمجلس النواب يدفع بعدم قبول الطلب بعلة أن رسالة السيد وزير العدل اكتفت بإحالة طلب تجريد مقدم من السيد ميمون عميري، بصفته مترشحا في الاقتراع الذي أجري في 7 أكتوبر 2016 بالدائرة الانتخابية المحلية “زاكورة” (إقليم زاكورة”.

وعليه يمكن القول في هذا الصدد أن هناك فراغا قانونيا في هذا المجال، يتجلى أساسا في عدم تمكين الجهات الدستورية المخاطبة بالنص القانوني من الوسائل القانونية الكفيلة بتفعيل الاختصاصات المسندة إليها، وهذا ما يسمى في الفقه الدستوري بعيب الاختصاص التشريعي الذي يبقى للقاضي الدستوري صلاحية إثارته عند إعماله للرقابة الدستورية على القانون التنظيمي موضوع الفحص، حيث استقر القضاء الدستوري في هذا الصدد على استعمال عبارة “يتعذر على الحال البت في النص المعروض”.

لكل هذه الأسباب، يتضح أن المحكمة الدستورية ما كان عليها أن تعاتب أو تحمل المسؤولية لمكتب مجلس النواب أو لوزير العدل في هذه القضية، لكون الخلل يكمن أساسا في المقتضيات القانونية المؤطرة لهذه النازلة، كما تم التطرق لذلك.

وفي الختام تجدر الإشارة إلى أن المحكمة الدستورية التي حملت مكتب مجلس النواب ووزير العدل مسؤولية التأخر في المبادرة، هي أيضا قد تأخرت ما يقارب (3) ثلاثة أشهر للبت في هذه القضية (منذ 7 فبراير 2020 تاريخ تسجيل طلب وزير العدل بأمانة المحكمة حتى 30 أبريل 2020 تاريخ صدور قرار المحكمة)، وهو أمر غير مبرر لكون هذه الواقعة عبارة عن قضية نمطية ولا تتطلب أي اجتهاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News