اقتصاد | تكنولوجيا

“الدرون” الفلاحي.. “طائر ذكي” يضع خبرة التكنولوجيا الحديثة بمتناول الفلاح المغربي

“الدرون” الفلاحي.. “طائر ذكي” يضع خبرة التكنولوجيا الحديثة بمتناول الفلاح المغربي

تبدو معركة الفلاح المغربي،  ضد تحديات المناخ والاستدامة والكلفة، خلال السنوات الأخيرة، غير متكافئة، غير أن دخول عدد من التقنيات الحديثة، من بينها تقنية “الدرون” الفلاحية، إلى المجال بات يُعاضد جهود الفلاحة المغربية، الطامحة لتحقيق وفرة العرض والسيادة الغذائية، مع تخفيض كلفة الإنتاج التي تعد عاملا في تحديد الكلفة النهائية لسلة المواطن المغربي.

هذا الحل التقني، المتمثل في استخدام “الدرون” بالفلاحة، بات يخلق مكانا له وسط الحقول والضيعات المغربية، يتلاءم مع المنعطف الجديد الذي دخلته الفلاحة المغربية، والذي يتوسل اللجوء لاستخدام التقنية أكثر فأكثر في تدليل المصاعب، وركوب بساط الرقمية والذكاء الإصطناعي للانتقال من فلاحة تقليدية إلى أخرى عصرية وحديثة، تواكب الفلاح المغربي في كسب رهان الإنتاجية والقدرة التنافسية والاستدامة.

التوجه الذي بدأت إشاراته على المستوى الرسمي، مع مراهنة وزارة الفلاحة على التحول الرقمي، شجع على ظهور مبادارت ومشاريع طموحة، مستفيدة من التطور العلمي والتقني، تطمح لمرافقة الفلاح المغربي في كسب رهانات المستقبل.

أرفود.. انطلاق الاكتشاف

في إحدى أروقة المعرض الدولي للتمر بأرفود، المنظم أواخر غشت 2022، صادفت “مدار21” إحدى هذه المشاريع الملفتة، التي عكست استيعاب ضرورات التحول إلى الفلاحة الذكية. يتعلق الأمر بطائرة مُسيرة تستخدم في الأغراض الزراعية، يشرح مميزاتها شباب طموح بعبارات دقيقة ومُغرية للفلاحين، وللمهتمين بالقطاع ومستقبله.

مع شروع صاحب المشروع في بسط مميزات “الدرون” الفلاحية، بات جليا أن الذكاء الاصطناعي واللجوء إلى التقنية في الزراعة يمنح فسحة شاسعة من الأمل للفلاحين، فهذا ما عبرت عليه عيون الفلاحين، المتحلقين حول سائق “الدرون”، التي جمعت بين الانبهار ولمعان من اكتشف جوابا لبعض من أسئلة تؤرقه.

بعد شرح نظري، كشف من خلاله صاحب المشروع حجم الفوائد وراء استخدام الطائرة المسيرة في الفلاحة، من حيث الكلفة والوقت وباقي المميزات، جاء الدور على حصة تطبيقية، راقبت خلالها عدسة كاميرا “مدار21” هذا “الجسم الغريب” وهو يطوف فوق نخيل أرفود لينثر بانسيابية المحتوى الذي تم تبعئته بداخله.

من هنا بدت فكرة مطاردة هذا “الطائر الذكي” أكثر إغراء لطاقم الجريدة، مدفوعا في ذلك بالحلول والبدائل التي يقدمها هذا المشروع للاقتصاد في الماء ونقص الكلفة المالية وتخفيض الوقت المستغرق، خلال عمليات رش الأدوية والأسمدة واللقاح، وسرعة اكتشاف الأمراض، دون الحاجة إلى استخدام الغاز أو الوقود، فكان أن بُرمجت رحلة إلى ضواحي مراكش لخلق مزيد من الأنسة مع “الدرون الفلاحي” وتجاوز انبهار البدايات.

“الدرون”.. عرض مغرِ للفلاحة المغربية

عبد السلام عاتق، المتخصص في “الدرون” الفلاحي، أوضح في تصريح لـ”مدار21″ على هامش معرض التمور بأرفود أن الدرون الفلاحي لديه مجموعة من الخصائص، تجعل منه إضافة نوعية للفلاحة المغربية “أولها السرعة، ذلك أنه يربحنا كثير من الوقت، إذ يمكنه أن يعالج هكتارا من المساحات المزروعة أو الأراضي في ظرف عشر دقائق فقط، ويستطيع معالجة 4 هكتارات من الأراضي في ظرف ساعة من الزمن، ما يعادل 50 هكتارا من الأراضي خلال يوم واحد”.

ويتابع عاتق أن “الدرون الفلاحي لديه الإمكانية لمعالجة الأراضي الوعرة في حال كانت هناك مساحات مزروعة بالقرب من الجبال أو مناطق يصعب فيها على الفلاح القيام برش الأدوية وباقي الأغراض بيسر، ذلك أن الدرون تمكن من القيام بهذه المهام بسهولة كبيرة، دون تعريض الفلاح لمخاطر”.

وبخصوص التكلفة المالية لاستخدام الدرون، يشير عاتق إلى أنها “رخيصة جدا، حيث لا تتعدى 300 درهم للهكتار الواحد، وهو ثمن في متناول الفلاحين”، مؤكدا أن الفلاحين “بدأوا في الإقبال على استخدام الدرون الفلاحية، رغم تردد الفلاحين الصغار، لكن المشاركة في المعرض الفلاحي مكنت من تقريب الفكرة للفلاحين الذين أبدوا ترحيبا بالفكرة بعد أن فهموا أكثر منطق اشتغالها واستوعبوا أنها تقنية جديدة ستساعدهم أكثر في فلاحتهم”.

وفي سياق كشف المزايا، أوضح عاتق أن “الهكتار الواحد من الأراضي بالطرق التقليدية يستهلك طنا من المياه، بينما تحتاج نفس المساحة باستخدام الدرون الفلاحية إلى 30 لترا من الماء فقط، ما يعني أن الفرق كبير جدا في ما يخص استهلاك المياه، ويؤكد أن هذه التقنية الجديدة تساهم في الاقتصاد على حوالي 95 في المئة من الاستهلاك المائي”.

ويواصل عاتق كشف مميزات الدرون الفلاحية موضحا أنها “تشتغل عبر شحن بطارياتها بواسطة الكهرباء، دون الحاجة إلى استهلاك الغاز أو الوقود، ما يجعلها صديقة للبيئة بنسبة مئة في المئة، إضافة إلى أنها تقتصد على الماء ولها مردودية كبيرة”.

“الطائر الذكي” يحط بمراكش

بعد التعرف الأولي على الدرون وإدراك مزاياه في المجال الفلاحي، تشكلت قناعة المزيد من مرافقة هذا “الطائر الذكي” في رحلته، وهو ما تكفل أبو ديهاج محمد رضا، المتخصص في الدرون الفلاحي وصاحب شركة، بتنزيله إلى أرض الواقع باقتراح مرافقته في خرجة عمل إلى إحدى الضيعات الفلاحية بمنطقة الشويريج القريبة من سد لالة تاكركوست ضواحي مراكش.

خلال المسافة الفاصلة بين مراكش ومكان الضيعة الفلاحية كانت المناسبة سانحة للتداول أكثر حول خصوصيات الدرون الفلاحية، وأهميتها بالنسبة للفلاحة المغربية، ومعها أهمية انفتاح الفلاح المغربي على التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي لرفع التحديات، إضافة إلى استحضار ضرورة تسخير الخبرة العلمية لمعاهد البحث لفائدة الفلاحة المغربية.

مكونات “الدرون” الفلاحي

يشرح أبوديهاج محمد رضا، مسير شركة “إر داتا كروب” المتخصصة في “الدرون” الفلاحي، أن هذا الأخير يتكون من عدة أجزاء أولها الخزان الذي توضع فيه الأدوية وباقي المواد، إضافة إلى 16 رشاشة تسمح للدرون برش المواد والأدوية والأسمدة فوق الأشجار والنباتات والمحاصيل، إضافة إلى البطارية التي تُشحن كهربائيا وتسمح للدرون بالطيران لمدة 15 دقيقة، ثم جهاز التحكم عن بعد الذي يسمح لربان الدرون بتوجيهها إلى حيث يريد.

ويضيف أبوديهاج أن “الدرون” الفلاحية تضم، مجموعة من الأجزاء، منها الإلكترونية ومنها التي تسمح بالرش، إضافة إلى مضخة تسمح بأخذ المحلول من الخزان وضخه عبر الرشاشات فوق النباتات والمحاصيل.

استعمالات متنوعة

ويشير مسير الشركة المتخصصة في الدرون الفلاحي إلى أن هذا الأخير لديه استعمالات عديدة في المجال الفلاحي، حيث يتعلق الأول برش الأسمدة النباتية أو الورقية، التي لديها أهمية كبيرة في نمو النباتات، وبالتالي فالدور الأول هو التسميد، إضافة إلى استخدام ثانٍ متعلق بالعلاج الصحي عبر رش الأدوية فوق المحاصيل والأشجار.

وأما الاستعمال الثالث، يؤكد أبو ديهاج، فهو المتعلق بالتليقح، ذلك أن الدرون يمكن أن يوضع بها اللقاح لتلقيح الأشجار عن طريق الرش، لتصبح جاهزة لتقديم منتجها.

كما توجد استخدامات أخرى للدرون في المجال الفلاحي، حسب مسير الشركة، منها ما تقوم به من المسح العلمي، إذ تمكن هذه العملية، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، من التعرف على وجود الأمراض بالنباتات والمحاصيل، والتأكد مما إذا كان هناك نمو جيد وطبيعي لهذه النباتات، ما يعني أن الدرون يقوم باستخلاص نتائج الفحص الصحي، يضيف أبوديهاج.

اقتصاد في الوقت والكلفة

وبخصوص كلفة استخدام الدرون الفلاحية، يؤكد أبوديهاج أنه “ليس لها أي كلفة، بل على العكس، كلها امتيازات، ذلك أنها تساهم في تخفيض الوقت المستغرق في عمليات رش الأدوية والأسمدة واللقاح وغيرها من المهام، وكذلك تقليص كميات الماء المستعملة، ففي الوقت الذي كانت الطرق الكلاسيكية تستخدم الجرار أو المعدات التقليدية للقيام بهذه العمليات، ما يلحق أضرارا بالمحاصيل، بات من الممكن استخدام الدرون الذي يوفر عددا من المزايا للفلاحين.

وبخصوص كمية المياه التي يتم توفيرها، أشار أبوديهاج إلى أنه “عوض استخدام طن من المياه (1000 لتر) للهكتار الواحد باستخدام المعدات التقليدية، بات من الممكن تقليص هذه الكمية لتصل إلى استخدام 30 لترا من الماء فقط عند توظيف الدرون الفلاحية، ما يعني توفير 970 لترا من الماء في كل هكتار”.

وتتجلى أهمية توفير هذا الكم من المياه في أن الفلاح، وفق المتخصص في الدرون الفلاحي “عادة يقوم برش السماد والأدوية ما بين أربعة وخمسة مرات داخل كل هكتار من الأرض، ما يعني تقليض ما يعادل 5 إلى 6 أطنان من المياه سنويا بالنسبة لكل هكتار في المغرب. هذا التقليص يهم كذلك تقليص الماء داخل مختلف الاستخدامات”.

وكشف صاحب المشروع أن أي دعم من الوزارة والحكومة سيكون مشكورا ولن يساهم إلا في نشر وتعميم هذه التجربة أكثر، كما أن وزارة الفلاحة يجب أن تستمر في دعم الفلاحين كما كانت تقوم بذلك عادة في إطار دعم المعدات، إذ يمكن توسيع هذا الدعم ليشمل الدورن الفلاحية.

عصرنة الفلاحة

باتت العديد من المؤشرات تشدد على ضرورة المضي في عصرنة الفلاحة المغربية، من خلال إدخال التكنولوجيات الحديثة إلى القطاع، وتعميم الاستفادة منها.

وحول استخدام الدورن الفلاحية، أورد أبو ديهاج: “بالنسبة لي هي طريقة جيدة لعصرنة الفلاحة المغربية للاقتصاد على الماء وربح الوقت في رش الأدوية، خاصة في حال انتشار مرض أو خطر ما يهدد فلاحتنا، حيث يفترض أن تكون لنا طريقة سريعة لمحاربة هذه الأمراض”.

ومن جهة أخرى فإن توظيف الدرون في المجال الفلاحي، وفق المتحدث نفسه “سيسمح للكثير من الشباب المغربي المتخرج من معاهد الفلاحة والمعاهد التقنية من أجل الولوج إلى سوق الشغل أو الاستثمار في مشروعه الخاص، وبالتالي فالدرون تسمح بحل مشاكل الماء والسرعة ومردودية الفلاحة المغربية، ومن جهة أخرى يسمح بخلق فرص شغل للشباب المغربي”.

ترحيب الفلاحين

وبضواحي مراكش، وتحديدا من الضيعة الفلاحية، قال أحد العاملين في مجال الفلاحة المستفيدين من استخدام الدرون الفلاحية، في حديثه لـ”مدار21″ أنه “في البداية كان رش الأدوية يتم عن طريق استخدام الجرار، الذي كان يستغرق نصف ساعة للهكتار الواحد، بينما مع استخدام الدرون الفلاحية باتت العملية تنجز في 10 دقائق ما يعني تقليص مدة المستغرقة بحوالي الثلثين”.

وأشار أبو ديهاج إلى “الربح الكبير للوقت بفضل استخدام الدرون الفلاحية، ذلك أنها تختصر الطريق بشكل كبير على الفلاح، في جميع الاستخدامات الممكنة، وهي مختلفة تماما عن استخام الجرار أو الاعتماد على غاز البوتان الذي يستغرق وقتا أطول، في حين أن المدة المستغرقة في الدرون تبقى أقل بكثير”.

ونصح العامل الفلاحي نفسه معظم الفلاحين “باعتماد الدرون الفلاحية في أنشطتهم الزراعية، نظرا لفعاليتها الكبيرة، واختصارها الوقت وتوفيرها الماء، مشددا على أنه جرب الدرون في نشاطه وأحس بفرق كبير مقارنة بالوسائل التقليدية المستخدمة، داعيا الفلاحين إلى اعتمادها في أنشطتهم الفلاحي”.

تعليقات الزوار ( 3 )

  1. بالنسبة للرخصة من الجهة المسؤولة والوثائق المطلوبة لتعاونية فلاحية وشكرا

  2. مجرد كلام فالحصول على رخصة الدرون في المغرب تبقى عاشرا المستحيلات.
    ادن فكر في فكرة اخرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News