اقتصاد

أقصبي: التضخم تمت “مغربته” وهذه أسباب التجادبات بين الحكومة وبنك المغرب ومندوبية التخطيط

أقصبي: التضخم تمت “مغربته” وهذه أسباب التجادبات بين الحكومة وبنك المغرب ومندوبية التخطيط

كشف الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي أسباب التضخم وارتفاع الأسعار بالمغرب، وفصل القول حول ما إن كان التضخم مغربيا أم تم استيراده، كما وضع إجراءات بنك المغرب لرفع سعر الفائدة من أجل كبح التضخم تحت مجهر التمحيص متوصلا إلى أنها بُنيت على خطأ في التشخيص ولم تخضع للتقييم المطلوب.

كما أن أقصبي، في حواره ضمن برنامج “مع بلهيسي” الذي بُث على قناة جريدة “مدار21″ـ توقف مليا عند التجاذبات السياسية القائمة بين بنك المغرب والحكومة والمندوبية السامية للتخطيط، موضحا أسبابها، كما اقترح الخبير الاقتصادي محموعة من الحلول للخروج من أزمة ارتفاع الأسعار، بعد أن قدم تشخيصا دقيقا لأسبابها.

مغربة التضخم

قال الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي أن هناك ثلاث أسباب للتضخم الحالي بالمغرب، منه التضخم الناتج عن اللاتوازن بالسوق بين العرض والطلب، ذلك أن الطلب يقوم بالضغط على العرض بسبب الحركة الاقتصادية المرتفعة، وبالتالي عندما يكون الطلب مرتفعا ترتفع الأسعار.

وتابع الخبير الاقتصادي أن هناك صنف التضخم النقدي، إذ أنه مع ارتفاع الكتلة النقدية التي يتم ترويجها بالاقتصاد الوطني يسبب ارتفاع الأسعار، ثم الصنف الثالث الراجع إلى ارتفاع كلفة الإنتاج، وتتعلق بكلفة المواد والأجور وغيرها، وهذا الارتفاع سواء كان مستوردا أم لا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

وأفاد نجيب أقصبي بأنه لا يمكن القول بأن الطلب مرتفع بالمغرب لأن المغرب يعيش حالة ركود اقتصادي، مضيفا أن ارتفاع الطلب يكون عندما تسجل حركية اقتصادية قوية، بوجود استثمارات واستهلاك وغيرها، مشيرا إلى أنه بالمثل لا يمكن القول بوجود ارتفاع في الكتلة النقدية المتداولة بالسوق المغربية بالمستوى الذي قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

وأكد أقصبي أن إلغاء العاملين السابقين يُفضي إلى أن المغرب يعيش تضخم بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، مضيفا أنه “بما أن الاقتصاد المغربي في حالة تبعية  للخارج فإن الارتفاع الدولي انعكس داخليا، بعد الارتفاع المهول في الأسواق الدولية بالنسبة للمواد الغذائية والنفطية والمعادن”.

وتابع “بما أن الاقتصاد الوطني في حاجة للاستيراد وكلفة هذا الأخير ارتفعت فإن ذلك انعكس على الأسعار على المستوى الداخلي”، مشيرا إلى أنه منذ مارس 2022 إلى حدود الأربعة أشهر الأخيرة كنا أمام تضخم مستورد، لكن التحول الذي طرأ هو أنه تمت مغربة التضخم، ذلك أن التضخم المستورد تغلغل داخل الاقتصاد الوطني وأصبح شيئا فشيئا مغربيا، وبالتالي أصبحنا أمام تضخم راجع في جزئه الأكبر إلى عوامل ارتفاع الكلفة الداخلية.

وفي هذا الصدد يؤكد أقصبي أن الإجراءات الحكومية، المتمثلة في دعم ثلاث مواد بصندوق المقاصة، ودعم مهنيي النقل، هي إجراءات غير مجدية وغير عادلة، لأن دعم النقل يتجه لأصحاب المأذونيات وليس إلى السائقين، منوها في هذا الصدد باستقرار أثمنة فواتير الماء والكهرباء نتيجة دعم الدولة عن طريق المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالحج للشرب، في حين ظلت الإجراءات الحكومية الأخرى بدون أثر وغير منصفة.

رفع سعر الفائدة غير مجدي

وحول لجوء بنك المغرب إلى الرفع من سعر الفائدة لكبح جماح التضخم، قال أقصبي أن هذا الإجراء نابع من الاعتقاد بأن التضخم ناتج عن الارتفاع في الطلب، مضيفا بأن اللجوء المتكرر لرفع سعر الفائدة دون أن يكون له أثر ميداني على الاقتصاد، ودون تقييم أثر هذا الإجراء، إما يظهر أن بنك المغرب قام بالأبحاث والدراسات التي أكدت أن إجراءاته غير مجدية ورفض الإقرار بذلك أو أنه لم يقم بهذه الدراسات وفي هذه الحالة هي لا مسؤولية.

وأورد أن ما يقع بالنسبة لبنط المغرب هو وجود تشخيص خاطئ، مضيفا أن الإجراء سيزيد من تعميق الركود الاقتصادي، لأنه بهذا المستوى من أسعار الفائدة لا يمكن القيام بالاستثمار، وبالتالي فالإجراء لن يقوم أبدا بعملية الإنعاش، ملخصا بأن رفع سعر الفائدة دواء لا يناسب الداء الحقيقي، وبالتالي هو إجراء خارج السرب.

وقال أقصبي أن التضخم الموجود في وضعية الركود هو أمر غير معقول من الناحية الاقتصادية، لأن العادة هي أن يتصاحب التضخم مع الانتعاش الاقتصادي، وعندما يكون الركود تكون البطالة وليس التضخم، لكن ما يحدث بالمغرب هو أنه لدينا التضخم والركود في نفس الآن.

الجواهري وأخنوش وسؤال استقلالية بنك المغرب

وحول التناقض الموجود بين رئيس الحكومة ووالي بنك المغرب، وما إن كان هذا الأخير يمارس السياسة، تسائل أقصبي “وماذا يفعل بنك المغرب غير السياسة”، مضيفا أن يمارس سياسة لديها مرجعية وهي المرجعية النيورليبرالية الأرثوذكسية للمنظمات المالية الدولية، وأننا لا زلنا في وضع دولي توجد فيه هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية ووهيمنة الدولار والمنظمات المالية التي لديها منظور، هو الذي تجلى من خلال مخططات التقويم الهيكلي وغيرها من المخططات التي أدت بالاقتصاد الوطني إلى هذا الحال، وبنك المغرب ما يفعله هو أن يطبق منظور هذه المؤسسات.

وأوضح الخبير الاقتصادي أن بروفايل والي بنك المغرب الحالي هو تقنوقراطي، ولكن بحكم العامل الشخصي لديه المرتبط بقدرته على التحليل والمناقشة والتوجه إلى الرأي العام فذلك يعطي الانطباع أنه يمارس السياسة أو المعارضة، غير أنه لا يمكن التصور أن والي بنك المغرب يقوم بأشياء خارج التصور العام.

وتابع أقصبي أننا بالمغرب لسنا أمام حكومة تحكم بل هي لديها صلاحيات تدبيرية في حين أن القرارات الاستراتجية بيد الملك وفق ما هو منصوص عليه في الدستور، والأمر نفسه بالنسبة لبنك المغرب، فهو لديه مهمة واضحة تتجلى في محاربة التضخم وآلية رفع أو تخفيض سعر الفائدة، مضيفا أنه لا يمكن القول بوجود تناقض بين رئيس الحكومة ووالي بنك المغرب في ظل عدم وضوح التوجه الاقتصادي الحكومي.

وأورد المتحدث أنه لا يمكن القول بأن إجراء بنك المغرب يتناقض مع التوجه الحكومي، لأن الحكومة ومن خلال قانون المالية لسنة 2023 لا يمكن الجزم أنها تتجه نحو الإقلاع الاقتصادي، مضيفا أن معدل النمو التي حددته الحكومة لا يعادل حتى نصف ما ينبغي القيام به خلال 15 سنة أو أكثر للوصول إلى مستوى تركيا مثلا، مضيفا أن تحديد طموح نمو 4 في المئة لا يمكن القول عنه أن توجه نحو الإنعاش الاقتصادي.

وحول استقلالية بنك المغرب، قال أقصبي أنه منذ الثمانينات استقر لدى الحاكمين أنه لا يمكن ترك الآلية النقدية بيد الحكومات التي يمكن أن يكون لاها توجه خارج عن السياسة النيورليبرالية، وبالتالي فاستقلالية هذه المؤسسة فُرض من الفوق لأسباب إيديولوجية وسياسية الهدف منه هو إخراج هذه المؤسسة من مجال التداول الديمقراطي، كيف ما كانت الحكومة.

وتسائل أقصبي في هذا الصدد “كيف يأتي والي بنك المغرب، الذي لا أحد انتخبه، ليفرص سياسة اقتصادية ومالية لها أثر على الشغل ومستوى عيش الناس وغيرها، بدون أن تكون له مشروعية ديمقراطية للقيام بذلك”.

كلام الحليمي صائب ولكن..

وحول كلام المندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي الذي أكد أن التضخم غير مستورد وأنه ينبغي التعايش معه، قال أقصبي أن تحليل المندوب السامي في هذا الصدد صائب، مضيفا لكن ما يمكن المؤاخذة عليه هو حصر التوجه نحو العرض في الإنتاج فقط، في حين أن العرض لا يرتبط بذلك فقط، بل هو يرتبط بالإنتاج والإستيراد معا، والرهان الحقيقي هو كيف ننمي سياسة إنتاجية يكون هاجسه الأولا هو السيادة الغذائية.

وأورد أقصبي أن القول بالسيادة الغذائية يقترض وجود عامل الوفرة بالأسواق ثم عامل الولوج إليها عبر القدرة الشرائية، مضيفا أن الواقع يؤكد أن جزء من المغاربة اليوم في وضعية اللاأمن الغذائي لأن العديد من المواد متوفرة لكن ليس لهم القدرة الشرائية لاقتنائها.

وأبرز إلى أن الجميع بمن فيهم المندوب السامي للتخطيط يمارسون السياسة، لكن ليس هو ما يهم هو التراشق بين الحكومة والمندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب، بل المهم هو الأثر للسياسة على أرض الواقع، فبنك المغرب ماض في سياسته التي بدأت تُظهر أثارها، فالعديد من المقاولات والشركات باتت تتراجع عن القروض والاستثمار.

العوامل البنيوية للأزمة والحلول

ولفت الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي إلى أن جزء مهم من وضعية الغلاء في الأسعار الحالية بالمغرب، سببه بنسبة 80 في المئة المواد النفطية والمواد الغذائية، مؤكدا أن هناك فئة استفادت من التحرير العشوائي لأسعار المحروقات لتراكم الأرباح، موضحا كذلك أنه من العوامل البنيوية كذلك اقتصاد الريع، مشددا على أن الحسابات التي يقوم بها الخبراء تؤكد أن عودة لاسامير للاشتغال ستكون لها عائدات إيجابية، لكن حسابات الاقتصاد السياسي تجعل ممن يحمل القبعتين يرفض عودة الشركة للعمل.

وحول الحلول الاستعجالية في مجال المحروقات أكد أقصبي أنها تتجلى في إعادة تشغيل شركة لاسامير، وتسقيف أسعار المحروقات، وإعادة النظر في بنية الأسعار، وإعادة النظر في هوامش ربح الشركات والموزعين، وسياسة جديدة للاقتناء من الخارج بدل الفوضى الموجودة حاليا، مضيفا ان هذه الحلول واضحة وما ينقصها هو الإرادة السياسية.

وأكد أن تأخر إصلاح صندوق المقاصة سببه الحكومات السابقة، وتوجد خلفه لوبيات المحروقات المستفيدة من دعم غاز البوتان، مضيفا أن الحديث الأن حول الاشتغال على السدل الاجتماعي الموحد لتنفيذ هذا الإصلاح، لكن المطلوب أن يكون الإصلاح منصفا، وتعويض هذا النظام الذي لا يفرق بين غني وفقير بنظام يتوجه إلى المستحقين للدعم.

وقال الخبير الاقتصادي إن المدخل الرئيس لتنزيل الحماية الاجتماية هو تفعيل الإصلاح الضريبي الذي لا زال متعثرا إلى اليوم.

تعليقات الزوار ( 1 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News