اقتصاد

الحليمي يدق ناقوس الخطر.. التضخم ليس مُستوردًا والمغاربة مطالبون بالتعوُّد عليه

الحليمي يدق ناقوس الخطر.. التضخم ليس مُستوردًا والمغاربة مطالبون بالتعوُّد عليه

أكد المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي، أن التضخم أصبح عاملاً هيكليًا في اقتصادنا وعلينا التعود على التعايش معه، ويرجع ذلك إلى نقص العرض في السوق المحلي، وليس بسبب زيادة الطلب التي من شأنها رفع الأسعار، ما يجعل التدخل عن طريق الرافعة المالية لن يحل المشكلة، وفق مقابلة أجراها الحليمي مع “موقع ميديا24” الناطق بالفرنسية.

وكانت المندوبية السامية للتخطيط قد أعلنت، يوم الثلاثاء 21 مارس، بعد ساعات قليلة من قرار بنك المغرب رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 3 في المئة، أن معدل التضخم في نهاية فبراير 2023 بلغ 10.1 في المئة، وهو المستوى الذي لم يعرفه المغرب منذ 1984 على الأقل.

هذا التضخم المرتفع، وفق المندوبية، لا يرجع إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الأسواق الدولية، ولكنه مدفوع بشكل أساسي بارتفاع المنتجات الغذائية، التي يتم إنتاجها محليًا، في المغرب، وهو التحليل الذي يتماشى مع ما ذهب إليه بنك المغرب، الذي تحدث في بيانه الصحفي بعد صدور التقرير عن صدمة العرض في السوق.

لذلك يتفق بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط مع الملاحظة، لكنهما يختلفان حول الحل الذي سيتم تقديمه، لأنه حسب أحمد لحليمي، إذا واجهتنا مشكلة في العرض، وهي، حسب رأيه، هيكلية وليست مؤقتة، فلا يرى أي فائدة من زيادة سعر الفائدة للتأثير على الطلب.

التضخم.. حقيقة هيكلية

وذهب الحليمي، خلال المقابلة نفسها، إلى أن الوصفة هي الاعتراف أولاً بأن التضخم أصبح حقيقة هيكلية داخل الاقتصاد المغربي، ويجب أن نتعود على التعايش معه، وأن سببه نقص العرض، ولا سيما الفلاحي. وبمجرد التعرف على هذه البيانات، سيكون من الضروري العمل على جذور المشكلة، وهي الإنتاج، من خلال قيادة ما يعتبره “ثورة في نظامنا الإنتاجي”.

وحول أسباب وصول المغرب إلى هذا المستوى غير المسبوق من التضخم، أكد أحمد الحليمي، ضمن المقابلة أن “الدورية التي قدمناها واضحة، فالمعدل البالغ 10.1 في المئة من التضخم مدفوع بشكل أساسي بارتفاع أسعار المواد الغذائية، والتي زادت بأكثر من 20 في المئة على مدار العام”.

ويضيف المندوب السامي “هذا المستوى من الزيادة في الأسعار مرتفع للغاية.. عندما نتحدث عن زيادة بنسبة 10.1 في المئة، فهو رقم متعلق بنهاية فبراير 2023 مقارنة بمستويات الأسعار في فبراير 2022، وهو الشهر الذي كانت فيه مستويات الأسعار لا تزال طبيعية، حيث أن التضخم القوي لم يبدأ إلا في مارس وأبريل 2022، وهذا يعني أنه اعتبارا من الشهر المقبل، سيكون مستوى زيادة الأسعار لمدة 12 شهرًا أقل، وقد لا نكون عند مستويات 10 في المئة، سوف يتباطأ الارتفاع”.

التعايش مع الغلاء والتضخم

وأفاد الحليمي أنه “لذلك لم نعد في حالة تضخم مستورد، لأن الغذاء، وخاصة الفواكه والخضروات، يتم إنتاجها محليًا في المغرب”، مضيفا أنه سبق له في إحدى المؤتمرات الصحفية الأخيرة التحذير من هذه الظاهرة، معتبرا أن التضخم يجب أن يؤخذ على أنه حقيقة هيكلية ومحلية. ويجب علينا الاعتياد على التعايش معه.

ويضيف المندوب السامي “خذ حالة المنتجات الفلاحية. في المغرب، أصبح الجفاف عاملا هيكليا في السنوات الأخيرة. مع تطور المناخ وموقعنا في منطقة شبه قاحلة، سنشهد مرة كل ثلاث سنوات، في المتوسط، جفافاً كبيراً. وحتى عندما يكون هناك مطر، فإنه لا يتم توزيعه بشكل جيد. إذ يستفيد منه فقط جزء من البلاد، في الشمال وبعض المناطق في الجنوب”.

وأورد أنه “بالتالي، يجب أن ندرك أننا في وضع، على الفلاحة به، أن تقوم بثورة لتغيير نظام الإنتاج، والتحرك نحو السيادة الغذائية والإنتاج من أجل ما نستهلكه في المقام الأول، مع تحقيق التقدم التقني والتكنولوجي، بقدر الإمكان، لتحسين العائد”.

وأشار الحليمي إلى العوامل التي تؤكد أن التضخم أصبح معطى هيكليا أنه بعد “عامين من الجفاف، وسنة شبه جافة نشهدها حاليا، نحن في وضع حيث ننتج أقل من ذي قبل. لذلك لدينا مشكلة في العرض”، مضيفا أن “ما نستورده أصبح أكثر تكلفة، وسيظل كذلك، لأن تكاليف الإنتاج في جميع أنحاء العالم تتزايد ولا تزال المخاطر الجيوستراتيجية سائدة في السوق”.

وأضاف أن “العامل الثالث الذي يوضح أن هذا التضخم سيكون دائمًا هو الاحتياجات الهائلة للاستثمارات التي يحتاجها العالم. مع ضرورات التحول البيئي وانتقال الطاقة، وإزالة الكربون الصناعي، ودمج التقنيات في أنظمة وخدمات الإنتاج، أصبحت احتياجات الاستثمار هائلة، هذا له تأثير مباشر على تكاليف الإنتاج، والتي ستزداد من سنة إلى أخرى، لتنعكس في أسعار المنتجات النهائية”.

ويتابع الحليمي “باختصار، سنحصل على واردات سترتفع تكاليفها، وإمدادات محلية غير كافية بسبب الكارثة المناخية، التي تخلق خللاً في السوق وستتسارع أكثر في السنوات القادمة، مع زيادة عدد سكاننا وتغيير أنماط الاستهلاك”، مضيفا “كل هذا يجب أن يشجعنا على إدراك أن الزيادة في الأسعار ستصبح هيكلية”.

رفع سعر الفائدة غير مفيد

وحول الإجراءات التي يتم القيام بها من خلال بنك المغرب والمتعلقة بالسياسة النقدية لتقليل المعروض النقدي، وخفض الطلب، ومنع ارتفاع الأسعار، قال الحليمي “يجب أن نتصرف بناءً على العرض وليس بناء على الطلب، الذي يبدو أن الأداة النقدية تفضله، ويحتاج أن نقول ونقبل أنه ليس مميتًا، أثناء انتظار تحقيق التغييرات الهيكلية في نماذج الإنتاج لدينا، العيش مع تضخم بنسبة 4 أو 5 في المئة، لقد اختبرنا هذا بالفعل في الماضي”.

وأوضح الحليمي “سينخفض ​​التضخم بمجرد تنفيذنا للإصلاحات لتحسين العرض والإنتاجية لدينا، وتنظيف قنوات التوزيع الخاصة بنا. هذه قضايا جوهرية تحتاج إلى معالجة”.

وأبرز الحليمي “يجب أن نتعامل مع الرأي العام باحترام، ونعتبره ناضجًا ونقول الحقيقة له حتى يكون على دراية بالإصلاحات التي يجب القيام بها. ومع ذلك، ما أراه هو أننا نفعل العكس تمامًا، بالقول إن كل شيء على ما يرام وأن مشكلة التضخم ستحل من خلال الآليات النقدية، لسبب بسيط هو أن هذا يسعد المنظمات الدولية التي لم ترغب أبدًا في تغيير وصفتها، رغم أنها تبلغ من العمر خمسين عامًا. كما لو أنه خلال نصف قرن، لم يتغير شيء في العالم “.

وحول التناقض بين الحكومة التي تريد العمل على تشجيع الاستثمار وبنك المغرب الذي يرفع سعر الفائدة، قال الحليمي “إنها حالة انفصام الشخصية. من ناحية، نقوم بتوزيع الدخل على الشباب بأي ثمن من خلال برامج مثل “أوراش” أو “فرصة”، ونحن نشجع الشركات من خلال الإعانات عبر تعبئة البنوك، ومن ناحية أخرى، نزيد تكلفة تمويل الاقتصاد”.

وأشار “سوف تتضرر صناعة البناء، التي كنا نعتمد عليها في الإقلاع تمامًا. الشركات التي تلقت قروضا خلال أزمة كوفيد أو عشية ارتفاع أسعار الفائدة ستجد نفسها في موقف صعب، وسوف تعيق بنوكها. إذ سيعيد هذا تقييم المخاطر إلى الأعلى وتصبح أكثر تقييدية في توزيع القروض… لا نرى اليوم تعاون الكل”.

وحول كون البنك المركزي مستقل ويدير سياسته النقدية دون أن يراعي بالضرورة أهداف السياسة المالية للحكومة، قال الحليمي “أنا لا أجادل في ذلك. ولكن لا يزال هناك فهم معين يجب أن يكون. يوجد حاليًا عدم اتساق تام بين السياسة النقدية والسياسة المالية. وعمومًا، هذه ليست الصيغة الصحيحة للخروج منه”.

ويضيف الحليمي في السياق نفسه “لذلك يجب أن نقول للمغاربة أنه يجب علينا أن ننسى أرقام النمو البالغة 4 في المئة سنويا، والتي التزمت بها الحكومة في برنامجها”، مؤكدا “في الوقت الحالي، ما زلنا نتوقع 3.3 في المئة لعام 2023. لكننا بالتأكيد سنراجع هذا الرقم عبر خفضه في شهر يونيو. سيكون من الصعب بالفعل تحقيق المزيد من النمو في هذا السياق”.

وأكد الحليمي أن الرافعة المالية ليست هي الحل لتقليل التضخم اقتصاديا، مؤكدا أن “الرافعة التي يجب تفعيلها هي الإصلاحات الهيكلية لسياسات الإنتاج لدينا. لأن لدينا مشكلة العرض وليس الطلب. علينا أيضًا أن نقبل أن تنمية بلدنا تعتمد الآن على زيادة الأسعار. وأن هذا التضخم جزء من فترة إصلاح ونقلة نوعية في السياسات الاقتصادية. هذه هي الطريقة التي تطورت بها العديد من البلدان في العالم، وهذا ما تعلمنا إياه أيضًا أدبيات ما بعد التصنيع. يجب أن نواصل جهودنا لتنمية البلاد والتعود على التضخم”.

تعليقات الزوار ( 4 )

  1. غير طنز على المغاربة يا الشيخ الحليمي !! حيث لقيتي على من تتفلا! قالك قلة العرض!@ ايوا الله يلعن اللي ما يحشم! واش اللي عنو الانتاج قليل كيصدر للخارج؟؟ جاوبنا مثلا غير على الحوت من النوع الجيد مثل الرخويات والكلمار ووووو…، واش الإنتاج ديالو ضعيف؟؟ علاش مكاينش كاع فالأسواق، لا رخيص ولا غالي!!!

  2. كيف تقول اسي لحليمي بأن المشكل ناتج عن قلة العرض؟
    فما بالك بالمواد الغدائية من خضروات و حوامض و غيرها التي تصدر إلى أوروبا و كذلك إلى أفريقيا و تصبح أسواق المغرب تعاني من النقص الحاد في هذه المواد ؟

  3. تحليل منطقي للحليمي، واركز على الجملة:وتنظيف قنوات التوزيع الخاصة بنا…فجشع التجار والمضاربات يجب التحكم بها بطرق تشارك فيها كل مكونات المجتمع من امن وخبراء وسياسين،…. و هذه هي الفرصة لأخنوش ليؤكد حظوره…

  4. العرض هو الآخر لا يفسر الغلاء ،النموذج البترول ،فعرضه كبير وسعره الدولي منخفض ،لكن سعره في المغرب جد مرتفع ، يمكن أن نضيف مؤشر آخر هو حالة التنافي وتضارب المصالح ،وانتصار الشعب بجشع المستثمرين ،وغياب رادع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News