سياسة

الإرادة الملكية تحوّل المغرب من “طالب” لقاح كورونا لـ”صيدلية إفريقيا”

الإرادة الملكية تحوّل المغرب من “طالب” لقاح كورونا لـ”صيدلية إفريقيا”

في ظل سباق محموم مع الزمن خاضته حكومات الدول في سعيها لكي تكون السباقة في تأمين حصتها من لقاحات فيروس كورونا المستجد، وقطع الطريق على جائحة 2020 التي غيرت معالم الحياة، وشلّت اقتصاد العالم لما يقارب السنة، دخل المغرب مضمار التنافس من خلال إعلانه الاستعداد لإطلاق حملة تلقيح “مكثفة” هي ثمرة معركة دبلوماسية متعددة الأطراف، خاضها البلد لتوفير اللقاح، متسلحاً بأدوات السياسة الخارجية والمتابعة العلمية، وتحت إشراف عاهل البلاد الملك محمد السادس الذي أخد على عاتقه مهمة جعل المغرب من أوائل الدول حول العالم التي ستقوم بتطعيم مواطنيها ضد الوباء، قبل أن يتسلم مهمة تصنيع وتوزيع اللقاح إقليمياً وقارياً.

دبلوماسية اللقاح الناجعة

وعمد المغرب في السنة الماضية وفي خضم حربه الميدانية ضد الجائحة إلى تنويع مصادر التزويد باللقاح، مضاعفا حظوظه في الحصول عليه من خلال عقد شراكات متعددة الأطراف مع جل اللقاحات التي وصلت المرحلة الثالثة من التجارب السريرية شهر غشت الماضي، وتضم من بينها اللقاح الصيني الخاص بمختبر “سينوفارم”، ولقاح أوكسفورد “أسترازينيكا” اللذين رخص لهما فيما بعد وطنيا، وشرع في اعتمادها رسميا في إطلاق حملة التلقيح الكبرى التي بدأت في فبراير من الشهر الماضي.

ولا أحد يسعه إنكار أو تجاهل الرؤية الاستباقية لعاهل البلاد في الشأن المرتبط بتوفير اللقاح وتوقيع الاتفاقيات، وهو ما أكده وزير الصحة خالد أيت الطالب، مرارا في مداخلاته التي شددت على أن “رؤية عاهل البلاد المتبصرة والاستباقية هي التي دفعت السلطات الصحية وحثتهم على توقيع اتفاقيات شراكة بشكل استباقي مع عدد من المختبرات بالموازاة مع الحرب الطاحنة التي كانت تخوضها المملكة ضد الجائحة”.

وأولى بشائر هذه الرؤية كانت بإشراف الملك على توقيع اتفاقيات اللقاح الصيني لمختبر “سينوفارم”، والذي كان موضوع اتفاقيتي تعاون مشترك بين الجمهورية الصينية والمغرب في 20 غشت الماضي، وتم بموجبهما إشراك المغرب في التجارب السريرية للقاح المضاد لفيروس كوفيد 19، التي خضع لها 600 متطوع مغربي، وكانت “ناجعة جداً، ولم تشهد أي اختلالات” بحسب وزير الصحة المغربي، قبل أن يتجه البلد إلى إنتاجه وتوزيعه إفريقيّاً في إطار تبادل الخبرة بين الرباط وبكين. الذي ستنطلق متم هذه السنة.

وبحسب ما أكدته، مصادر في وزارة الصحة لـ”مدار21″، فقد كان عاهل البلاد “على تواصل مستمر مع اللجنة العلمية من خلال تقارير ترفع إلى القصر لإبلاغه بكل مستجد حول الوضعية الوبائية وطنيا ودوليا، كما كان الملك وطيلة الفترة الماضية يسهر شخصيا على تدبير الأزمة والتدخل لدى الدول من أجل ضمان التزويد باللقاحات وعقد الاتفاقيات”.

وزاد مصدرنا بالقول: “في كل مرة كانت تعرضنا مشكلة ليس فقط بخصوص اللقاح لكن أيضا فيما يتعلق بالتجهيزات والفحوصات والاستيرادات كان الملك محمد السادس يتدخل شخصيا لحلحلة أي مشكل مستحضرا هاجس السلامة العامة لمواطنين والإسراع في بدء عملية التلقيح الكبرى التي أعلن عنها”.

وفي سعي من المغرب إلى إنجاح مرحلة التلقيح كان يسير على توجيهات يشرف عليها الملك شخصياً، ضماناً لتوقيع اتفاقيات متعددة الأطراف، وعلى هذا الأساس بلغت مفاوضات المسؤولين المغاربة مع حكومات الدول المصنّعة للقاحات المنتظرة مراحلَ متقدمة من أجل تصنيع اللقاح محلياً بالمغرب منذ النصف الثاني من السنة الفارطة، إما بمنح ترخيص لأحد المختبرات الوطنية المتخصصة في الصناعة الدوائية، أو ببناء وحدات صناعية تابعة لهذه المختبرات بالمنطقة الصناعية الحرة بمدينة طنجة، قبل أن يتم تسويقه على دول القارة الإفريقية.

و كانت الحكومة قد وقّعت أيضاً اتفاقيات شراكة مع كل من مختبر “أسترا زينيكا” (السويدي ـ البريطاني)، الذي يطور لقاحه مع جامعة أوكسفورد قبل أشهر من بداية التزويد، وهو ما جعل المغرب من أوائل الدول حول العالم التي أنجحت العملية من خلال حصوله على 17 مليون جرعة من هذا اللقاح الذي كان متاحاً في النصف الأول من عام 2021، وشرعت رسميا في تلقيح المواطنين من أصحاب المناعة الضعيفة الذين استهدفتهم المرحلة الأولى من التلقيح، وهم الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة أو المواطنين البالغين 60 سنة فما فوق، ما أسهم في خفض عدد الحالات اليومية والحالات الحرجة والخطيرة في المغرب.

الملك يرأس يوجه حملة التلقيح

وبعد ترأسه، في 9 نونبر الماضي، لجلسة عمل خصصت لاستراتيجية التلقيح ضد فيروس كورونا، في إطار تتبعه المستمر لتطور هذه الجائحة والتدابير المتخذة لمكافحة انتشارها وحماية صحة وسلامة المواطنين أصدر الملك محمد السادس، في 8 دجنبر 2020، تعليماته للحكومة باعتماد مجانية التلقيح ضد وباء كوفيد-19 لجميع المغاربة، وذلك في إطار التوجيهات الملكية بإطلاق عملية مكثفة للتلقيح ضد هذا الوباء بحسب بلاغ صادر عن القصر الملكي.

أول جرعة في المملكة على ذراع الملك

وفي 29 يناير الماضي، عاد الملك ليطلق رسميا حملة التلقيح ضد فيروس كورونا التي تطمح إلى تلقيح نحو 80 بالمئة من السكان، وذلك بمجموع 66 مليون جرعة من لقاحي أسترازينيكا المصنع في الهند وسينوفارم الصيني، اقتناها المغرب من الدول المصنعة وتوصل بها على شكل دفعات متتالية مكنت حتى الان من تلقيح ما يزيد عن ثلث الساكنة.

وظهر عاهل البلاد، وهو يأخذ التطعيم في التلفزيون العمومي وأمام أنظار الشعب بشكل مباشر، كاستراتيجية تواصلية ناجعة لإظهار سلامة وثقة المغرب في التلقيح المرخص له وإقناع المواطنين بضرورة أخد التلقيح الذي لا يعتبر إجباريا بموجب قانون زاجر، لكنه ضروري تحقيقا للسلامة العامة وحفظا لاستقرار الوضعية الوبائية في المملكة، كما أن هذه الاستراتيجية التواصلية مكنت من دحض الشائعات التي ساورت البعض بخصوص فعالية وجدوى هذا اللقاح، وفندت كل التشكيكات بخصوصه.

المغرب يدخل نادي صناع اللقاح

ولم يتوقف طموح المغرب تحت قيادة عاهل البلاد عند هذا الحد من حسن تدبير مسألة دبلوماسية اللقاح وحملة التلقيح، بل دخل المغرب بقوة على خط صناعة التطعيم نفسه بما يجعله منصة رائدة في هذا المجال على مستوى إفريقيا والعالم ويمكنه من دخول نادي المصنعين بقوة، ففي 5 يوليوزمن سنة 2021، أشرف الملك محمد السادس، بالقصر الملكي بفاس، على مراسيم حفل إطلاق وتوقيع اتفاقيات تتعلق بمشروع تصنيع وتعبئة اللقاح المضاد لكوفيد – 19، ولقاحات أخرى بالمغرب.

جرى التوقيع أمام الملك محمد السادس على ثلاث اتفاقات مهمة، تتعلق الأولى بمذكرة تعاون بشأن اللقاح المضاد لكوفيد 19 بين المغرب والمجموعة الصيدلية الوطنية للصين «سينوفارم»، جرى توقيعها من طرف وزير الصحة خالد آيت الطالب، ورئيس مجموعة «سينوفارم».

أما الثانية فتتعلق بمذكرة تفاهم حول إعداد قدرات تصنيع اللقاحات بالمملكة المغربية بين الدولة المغربية وشركة «ريسيفارم»، جرى توقيعها من طرف وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، ورئيس المجلس الإداري لصندوق محمد السادس للاستثمار محمد بنشعبون، والرئيس المدير العام لشركة (ريسيفارم)، وممثل المجموعة المهنية لبنوك المغرب، عثمان بن جلون.

وتتعلق الثالثة بعقد وضع رهن إشارة الدولة المغربية منشآت التعبئة المعقمة لشركة «سوطيما» المغربية المتخصصة في صناعة الأدوية، من أجل تصنيع اللقاح المضاد لكوفيد – 19 المملوك لشركة (سينوفارم) بين المغرب وشركة سوطيما، وقعه وزير الصحة والرئيسة المديرة العامة لـ«سوطيما» لمياء التازي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News